الهوليكوست في الصحافة الإسرائيلية
إسرائيل تنتصر على مؤتمر ديربن لمناهضة العنصرية
نضال وتد من تل أبيب:
أبرزت الصحافة الإسرائيلية في طبعاتها الصادرة لهذا اليوم، الاثنين، السياق التاريخي للمحرقة النازية quot;الهوليكوستquot; كعامل في حرب الخارجية الإسرائيلية ضد مؤتمر ديربن الثاني لمناهضة العنصرية، والذي يفترض أن يبدأ أعماله اليوم بمشاركة الرئيس الإيراني، أحمد النجاد، المعروف بإنكاره لمذابح النازية، في توقيت هو الأمثل لإسرائيل، إذ تبدأ إسرائيل اعتبارًا من مساء الأحد مراسم إحياء ضحايا النازية. وجاءت عناوين الصحف الإسرائيلية البارزة، لتذكر بالتزامن بين مؤتمر ديربن الثاني بمشاركة منكر النازية، أحمد النجاد، وبين الذكرى الرسمية الإسرائيلية التي تسبق بأسبوع مراسم الاحتفالات باستقلال إسرائيل.
الصفحة الأولى لصحيفة معاريف تحت عنوان
رئيس ايران منكر المحرقة يخطب في مؤتمر الامم المتحدة ضد العنصرية
وركزت الصحافة الإسرائيلية اليوم على quot;الصلة بين إنكار النازية، ونسيان العالم لما حل باليهود تحت النازية، وبين مشاركة النجاد والمقررات المناهضة لإسرائيل التي ستتمخض عن المؤتمر، مقابل الإشادة بموقف الرئيس الأميركي، براك أوباما، الذي قرر مقاطعة أعمال المؤتمر ووصمه بأنه ينطوي على نفاق في مقرراته.

ومع استغلال الدبلوماسية الإسرائيلية لموضوع النازية في محاربتها لمؤتمر ديربن الثاني، إلا أن الصحف الإسرائيلية لفتت في أخبارها وتقاريرها إلى حقيقة quot;معاناةquot; وإهمال من تبقى من اليهود الناجين من الهوليكوست من قبل دولة اليهود، كاشفة النقاب عن ظروف حياتهم البائسة لدرجة أن قسمًا منهم يعاني من سوء التغذية وشح الموارد والفقر، على الرغم من أن الدولة قد قبضت مئات ملايين الدولارات من ألمانيا الاتحادية بعد الحرب العالمية الثانية، تعويضًا عن ويلات الحرب وباعتبارها تمثل اليهود.
صناعة الهوليكوست
وقد اختارت صحيفة معاريف اليومية أن تضع على صفحتها الأولى صورة للرئيس الإيراني، أحمد النجاد على خلفية سوداء مع عنوان يقول: عشية يوم الهوليكوست، الرئيس الإيراني، منكر المحرقة يخطب أمام مؤتمر الأمم المتحدة للعنصرية. وكتب موفد الصحيفة إلى جنيف، نداف أيال يقول : في العام 1938 أوصد العالم أبوابه أمام اليهود وتركهم ليقتلوا، وهذه المرة فإن المعادي للسامية، الذي يمثل أحمد النجاد صورته الواضحة، هو شخصية منبوذة ومحتقرة. وتقوم الدول الواحدة تلو الأخرى، من دول العالم الغربي، بالإعلان أنها لن تسمح بعرض جديد من عروض اللا سامية والعنصرية. في العام 1938 ترك العالم اليهود ليلاقوا مصيرهم، لكن اليوم في العام 2009 فإن صوتًا موحدًا يصدر من واشنطن، وكنبرا وبرلين وروما وأتوا والقدس لن يحدث هذا مجدداquot;.
وفي الوقت الذي أسهبت فيه، معاريف (كغيرها من الصحف الإسرائيلية) في المقارنة بين العام 1938، مع صعود النازية وبين إيران اليوم، فقد أبرزت الصحيفة وقوف الرئيس الأميركي، براك أوباما إلى جانب إسرائيل ووصفه لمؤتمر ديربن الثاني بأنه نفاق.
إلى ذلك، كشفت الصحيفة النقاب عن أن المصارف الإسرائيلية الرئيسية تواصل إخفاء الأموال والودائع التابعة ليهود لاقوا حتفهم خلال الحرب العالمية الثانية. وقالت الصحيفة إن قيمة هذه الودائع تصل إلى 333 مليون شيقل (قيمة صرف الدولار هي نحو 4 شيقل للدولار الواحد)، وأن هذه المصارف باستثناء بنك هبوعليم لا تعترف بواجبها تحويل الأموال لشركة استعادة أملاك وأموال ضحايا النازية. كما كشفت الصحيفة أيضا أن المعطيات الرسمية في إسرائيل تفيد بأن نحو 50.000 إسرائيلي ممن نجوا من براثن النازية، ويعيشون في إسرائيل، يعيشون تحت خط الفقر.
الخارجية الإسرائيلية راضية عن المقاطعة الغربية للمؤتمر
أما صحيفة يسرائيل هيوم اليمينية، والمقربة من نتنياهو فقد وضعت عنوانها يحيط به سلك شائك، في إشارة إلى السياج الشائك في معسكرات الاعتقال والإبادة النازية: العالم لا يتذكر، العالم لم يتعلم: مؤتمر ديربن 2 الذي سيعرِّف إسرائيل كدولة عنصرية يبدأ أعماله اليوم- عشية الذكرى السنوية للكارثة والبطولة ( وهو التعبير الإسرائيلي للهوليكوست). واختارت الصحيفة عنوانا لها عبارة : مؤتمر النفاقquot;.
واستعرضت الصحيفة في سياق الخبر، مساعي وزارة الخارجية الإسرائيلية وحملتها المكثفة ضد المؤتمر، مع اعتبرته نجاحا لإسرائيل في ضمان مقاطعة عدد لا يستهان به من الدول الأوروبية للمؤتمر، والأهم من ذلك الموقف الأميركي كما عبر عنه الرئيس أوباما. ولفتت الصحيفة إلى أن وزارة الخارجية راضية عن النتائج التي حققتها والمتمثلة أساسا بمقاطعة الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا والنمسا وكندا والسويد وهولندا للمؤتمر. كما أن وزارة الخارجية اعترفت بأن إنجازها كان جزئيا بسبب مشاركة كل من فرنسا وبريطانيا في المؤتمر.

واعترفت مصادر في الخارجية الإسرائيلية أن مشاركة الرئيس الإيراني، شكلت عاملاً محفزًا لها في عملها هذا وضخت المزيد من الطاقة في النشاط الدبلوماسي الإسرائيلي وخاصة باتجاه محاولة منع عقد لقاء قمة بين أحمد النجاد وبين الرئيس الرئيس السويسري رودولف ميرتس، إلى جانب ممارسة ضغوط مكثفة على رئاسة الاتحاد الأوروبي من أجل مقاطعة المؤتمر.
وأجملت الصحيفة النقاط الرئيسية موضع الخلاف مع رئاسة المؤتمر، والتي سيتضمنها البيان الختامي له فقالت إنها تتلخص في الموقف من حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة معرضة الاستيطان الإسرائيلي كعمل مناقض لمبادئ الأمم المتحدة ولكونه يقوم على التمييز العنصري ويشكل انتهاكا لحقوق الإنسان، والفقرة التي تصم إسرائيل بالعنصرية ومحاربة الحريات وقمع الشعب الفلسطيني، ومناشدة الأمم المتحدة لتأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وخاصة من العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب ومظاهر عدم التسامح.
صحيفة يديعوت أحرونوت اختارت من جانبها إلقاء الضوء على ما أسمته أزمة تخليد ذكرى ضحايا النازية. وخصصت ملفًا موسعًا لهذه القضية لتكشف أن متاحف ومراكز إحياء وتخليد ذكرى اليهود تعاني من أزمة مالية خانقة من جهة، ومن قلة عدد الزائرين لها والمهتمين بها، سواء داخل إسرائيل أم خارجها، ونحت يديعوت أحرونوت نحو الصحف الأخرى وأفردت مساحة بارزة لمؤتمر ديربن الثاني ومشاركة الرئيس الإيراني فيه اليوم. كما لفتت الصحيفة إلى التأييد الذي حظي به مؤتمر ديربن من قبل بابا الفاتيكان، بنديكوتس السادس عشر الذي ينتظر أن يقوم الشهر القادم بزيارة لإسرائيل.
أما في صحيفة هآرتس، فبالإضافة إلى التقارير الإخبارية التي تناولت مشاركة النجاد في ديربن، فقد اختار الكاتب أمير أورن أن يوجه للقيادة الإسرائيلية رسالة واضحة فيما يتعلق بتوظيف الهوليكوست لصالح السياسة الإسرائيلية وربطها بملف إيران النووي.
وكتب أورن يقول: اليوم وفي الأسبوع القادم، مع اقتراب يوم الاستقلال، يتوقع أن نسمع المرة تلو الأخرى، من كبار المسئولين ومن أعلى المستويات مقارنة ومقاربة بين كارثة يهود أوروبا وإقامة دولة إسرائيل بعدها وبين التهديد الإيراني لوجود الدولة. إذا كان المتحدثون بهذه المصطلحات، يقصدون بكل الجدية ما يقولونه، فإن باقي الأخطار تتقزم أمام الحاجة لإزالة هذا الخطر الوجودي، لكن بينيامين نتنياهو عالق في آفاق سياسته الثلاثة: الأمني والسياسي والحزبيquot;.
quot;وسيكون على نتنياهو من أجل إقناع براك أوباما بالسماح لإسرائيل بإحباط الخطر الإيراني، أن يدفع دفعة أولى لتنقية الأجواء من الضباب الذي يلف الأفق السياسي، حتى لا يتكرر ما حدث إبان ولايته الأولى عندما أفشل مبدأ التبادلية والمماطلة التي انتهجها، فرص التقدم نحو اتفاق سلام مع ياسر عرفات قبل عقد من الزمن. صحيح أن بمقدور نتنياهو أن يعول على موقف فلسطيني رافض ومتهرب من تسوية نهائية في ملفات اللاجئين والقدس، مما سيوفر عليه حتمية الانسحاب وتفكيك المستوطنات، لكن الخطوة الأولى والكريمة ملقاة على عاتقه وعليه هو القيام بها. وإذا لم يبادر نتنياهو بسرعة إلى تقديم خطة إسرائيلية، قد يرفضها العرب بسبب هوية مقدمها وليس مضمونها، فسيكون عليه أن يواجه مشروع أوباما الذي سيعرض على الأطراف بعد انتهاء جولة جورج ميتشيلquot;. وخلص أورن إلى القول إنه إذا لم يقم نتنياهو بذلك فإنه يكون قد خان الواجب الملقى عليه بضرورة تقليص ومنع الأخطار التي تهدد إسرائيل.