مدينة الصدر: توارى الزعيم الشيعي العراقي الشاب مقتدى الصدر الذي عبأت رسالته النارية المناهضة للولايات المتحدة ملايين الشيعة الفقراء بعد غزو عام 2003 عن الانظار منذ اتجه الى الدراسات الدينية في ايران قبل عامين.
لكنه الآن ربما يسعى الى اظهار نفسه بصورة جديدة أقل تشددا لكسب دعم أوسع نطاقا بين مختلف الاطياف الدينية العراقية.
لكن سيكون من الصعب على الصدر وعلى ساسة اخرين في البلاد التي بدأت تخرج لتوها من سنوات من اعمال العنف الطائفي تغيير صورته وبناء قاعدة عرقية وطائفية عريضة قد تعيده الى مكانة سياسية بارزة.
ويقول المحلل سعد الحديثي في بغداد انه بعد الاختفاء لعامين يبدو أن الصدر يريد بداية جديدة.
وأضاف أنه ربما يحاول أن يستبدل الوجه العسكري لحركته المتمثل في جيش المهدي بوجه سياسي جديد.
وتجدد الحديث عن الطموحات الانتخابية للصدر الذي يكتنفه الغموض وأصبح ظهوره على الساحة العامة نادرا منذ بدأ مسعاه لارتقاء سلم المراتب الدينية الشيعية بعد أن زار تركيا هذا الشهر واجتمع مع زعماء أتراك ومع أنصاره.
وانسحبت ميليشيا جيش المهدي التابعة للصدر والتي ألقي عليها باللائمة في معظم جرائم القتل الطائفي التي أدت الى تكدس الجثث في شوارع بغداد عامي 2006 و2007 الى الظل بدرجة كبيرة.
وما زالت القاعدة السياسية للصدر والتي تتألف من فقراء الشيعة في بغداد وجنوب العراق قوية لكن ولاءها محل شك.
ويرى محللون أن حركة الصدر التي تضم جناحا سياسيا وجناحا مسلحا ومؤسسة للخدمات الاجتماعية تزداد قوة هي حركة متشرذمة وغير منضبطة.
وربما يواجه الصدر صعوبة اكبر في حشد الدعم قبل الانتخابات العامة التي تجري في يناير كانون الثاني 2010 بعد ان استطاع رئيس الوزراء نوري المالكي اقناع واشنطن بالموافقة على جدول زمني لسحب القوات الامريكية من العراق ليخطف بذلك من الصدر الاضواء التي أحاط بها نفسه بسبب موقفه المناهض للولايات المتحدة.
وسيكون لمساره اثار واسعة النطاق على العراق. فالمصالحة بعيدة المنال وتثير التفجيرات الاخيرة تساؤلات بشأن ما اذا كانت البلاد قد تنزلق مرة اخرى الى حرب شاملة.
ويكفي اسم الصدر وحده ليوفر له دعما لا بأس به. في حي مدينة الصدر وهو حي متهالك بشرق بغداد يطل وجه رجل الدين الصبياني ذو اللحية الكثيفة من ملصقات في كل مكان.
فالصدر (35 عاما) هو سليل عائلة ذات نفوذ من رجال الدين استهدفها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وبرز كشخصية ذات نفوذ بعد الغزو الامريكي عام 2003 .
وانضم الصدر الى حكومة المالكي التي يقودها الشيعة عام 2006 لكنه سحب وزراءه عام 2007 . ولم تخض حركته انتخابات مجالس المحافظات التي أجريت في يناير بشكل رسمي لكن أنصاره شاركوا مشاركة جيدة في الانتخابات ببغداد وجنوب العراق.
والان يقول ساسة مقربون من الصدر انهم يسعون الى تغيير صورة حركتهم مثلما يحاول المالكي أن يفعل ليخففوا من حدة صورتهم كحركة شيعية طائفية.
وقال صلاح العبيدي المتحدث باسم الصدر في العراق ان الحركة عقدت اجتماعات مع الاقلية السنية من العرب والاكراد ومع أعضاء في ميليشيا سنية مدعومة من الحكومة وأضاف أن الباب مفتوح وأن الحركة لا تغلقه في وجه أحد.
وتحدث سالم الجبوري المتحدث باسم جبهة التوافق السنية العربية بأسلوب مشجع عن تشكيل تحالف محتمل.
لكن هل تستطيع حركة دينية صريحة اكتسبت الميليشيا التابعة لها سمعة مروعة لقتلها سنة تجاوز ماضيها؟
ويقول حازم النعيمي المحلل السياسي في بغداد انه في الانتخابات الأخيرة بدأ الناس يميلون الى الخطاب السياسي المدني اكثر من الديني.
ويرى محللون تغيرا في الاستراتيجية اكثر منه تغيرا في الايديولوجية في دولة تعاني ويلات الحرب حيث ضاق الناس ذرعا بالاحزاب الطائفية المهيمنة منذ عام 2003 .
واذا اتخذت انتخابات مجالس المحافظات التي جرت في يناير نموذجا فربما يعد ساسة العراق رسالتهم سواء كانوا مخلصين فيها ام لا لتخاطب الاحتياجات الاساسية للناخبين وهي الأمن والوظائف والخدمات الاساسية.
وقد يكون الصدر في طريقه أيضا الى أن يصبح عالم دين له سلطة اصدار الفتاوى.
واذا حسن الصدر من مسوغاته كعالم دين فقد يسعى الى التأثير على السياسة بطريقة غير مباشرة مثل اية الله العظمى علي السيستاني المرجع الشيعي الاعلى بالعراق او ربما يضطلع بدور اكثر نشاطا مثل عبد العزيز الحكيم الذي يرأس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي وهو حزب شيعي كبير.
ويقول عقيل عبد الحسين زعيم الكتلة الصدرية بالبرلمان ان سياسة التيار الصدري هي الدين ودينها هو السياسة وأضاف أنهم لا يمكن أن يتركوا السياسة وينسحبوا الى المساجد.
وضعف جيش المهدي الذي قاد تمردين ضد القوات الامريكية في عام 2004 لكنه اعتبر متشرذما منذ البداية حين شن المالكي حملات كبرى ضده بدعم من الولايات المتحدة العام الماضي.
ومنذ ذلك الحين أمر الصدر معظم أفراد الميليشيا الموالية له بالقاء السلاح وتبني دور ثقافي بالمجتمع المدني.
وقال الميجر جنرال ديفيد بيركينز المتحدث باسم الجيش الامريكي في العراق ان كثيرين من زعماء جيش المهدي فروا الى ايران. وربما تكون الميليشيا أقل نشاطا لكن مسؤولين أمريكيين يحذرون من دعم ايراني لمقاتلين أشداء مزودين بأسلحة متقدمة.
وأضاف بيركينز quot;بعد أن فقدوا قيادتهم تشرذموا. لديهم وجهات نظر مختلفة بشأن بعض الامور المستقبلية.quot;
غير أن سلمان الفريجي الذي يرأس مكاتب الصدر في مدينة الصدر توعد بأن يستمر القتال ضد القوات الامريكية الى أن يرحل اخر جندي أمريكي عن العراق. وقال ان الحركة الصدرية لم تتخل عن السلاح او الكفاح المسلح ضد المحتلين.
التعليقات