إضعاف الإقتصاد الإيراني بديل لفرض العقوبات عليها
سيناريوهات محتملة لضرب طهران لن تنأى عن موافقة أميركا
واشنطن: يتراجع خيار فرض عقوبات إقتصادية جديدة على إيران كوسيلة للتعامل مع التعنت الذي تبديه في إدارة ملفها النووي، وإصرارها على مواصلة برنامجها النووي، في ظل ما تبديه من عدم اكتراث بالعقوبات المفروضة عليها بالفعل من جانب الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي. وإتخاذها إجراءات إحترازية في هذا الإطار، والقائمة على الإعتماد على سياسة الإكتفاء الذاتي، والتكيف مع العقوبات، من خلال الترويج لفكرة الإقتصاد المغلق. إلى جانب ما تُحققه إيران من عائدات نفطية لاسيما في فترات إرتفاع أسعار هذه السلعة عالميًّا. وهو ما يدفع بإتجاه التفكير في خيارات أخرى أفضل كبديل للعقوبات الإقتصادية. تلك الخيارات التي من شأنها إضعاف الإقتصاد الإيراني ذاتيًّا. وفي حوار مع الخبير الاقتصادي quot;ديفيد صلاحي أصفهاني منشور على موقع quot;مجلس العلاقات الخارجية بتاريخ 26 من مارس 2009، ناقش quot;أصفهانيquot; إقتراحًا جديدًا للتعامل مع إيران يتمثل في العمل على إضعاف الاقتصاد الإيراني من خلال مقاطعة صادرات النفط الإيراني، لاسيما في ظل اعتماد الاقتصاد الإيراني على هذه السلعة من ناحية، وما يعانيه هذا الاقتصاد من مشكلات هيكلية، من ناحية أخرى.
عدم فاعلية العقوبات الاقتصادية السابقة
أشار الحوار إلى أن العقوبات الاقتصادية على إيران بسبب طموحها النووي، وسلوكها المتعنت مع المجتمع الدولي الذي يدعوها إلى وقف برنامجها النووي كانت من الخيارات الأكثر جدية للتعامل مع إيران خلال السنوات الماضية لاسيما خلال فترة ولاية الرئيس السابق جورج دبليو بوش، حيث فُرضت ثلاث حزم من العقوبات على إيران من قبل الأمم المتحدة، إلى جانب العقوبات الأميركية المنفردة، التي تحظر التعامل مع الشركات الإيرانية وتفرض عقوبات على المتعاملين معها، وتمنع استيراد السلع الإيرانية، تلك العقوبات طالت في مجملها شركات إيرانية وأشخاصًا إيرانيين منعتهم من السفر.
غير أن هذه العقوبات لم تؤثر في حد ذاتها بالشكل المطلوب والمتوقع منها على الصعيد الاقتصادي، حيث إن الشركات التي شملتها العقوبات هي في الأساس شركات تابعة لمؤسسات النظام ومدعومة ماليًّا من ناحيته، وتعمل معظمها في المجالات العسكرية، ولا تتعدد علاقتها الاقتصادية الخارجية، فيما عدا التعاون مع حلفاء إيران الذين لم يلتزموا بتنفيذ هذه العقوبات، الأمر الذي أوضح بمرور الوقت عدم فاعلية هذه العقوبات، واستهدافها الخاطئ لأهداف غير مناسبة، في وقت يمكن الاستفادة فيه من عديدٍ من نقاط الضعف السياسية والاقتصادية التي تعتري النظام الإيراني.
ضعف الاقتصاد الإيراني حال قائم
وفي هذا الإطار أوضح الحوار أن الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعيشها إيران تعد فرصة مواتية لإتباع خيار إضعاف الاقتصاد الإيراني من خلال عدة خطوات من أهمها، مقاطعة الصادرات النفطية الإيرانية، حيث تتزايد معدلات التضخم والبطالة بشكل كبير في ظل السياسة الإنفاقية التي تتبعها الحكومة التاسعة منذ توليها الحكم في إيران عام 2005، الأمر الذي أدى إلى انتقاد السياسة الاقتصادية لهذه الحكومة، التي تسببت في امتصاص كل عائدات النفط المحققة خلال فترة ارتفاع أسعار النفط بشكل قياسي، بهدف تنفيذ بنود برنامج الرئيس quot;أحمدي نجادquot; الاقتصادي الخاص بالتوزيع العادل للثروة النفطية، والتي تم من خلالها بالفعل توزيع العوائد النفطية على المواطنين دون ضخها في القطاعات الاقتصادية المختلفة.
وتتزايد فرص فاعلية خيار مقاطعة الصادرات النفطية، مع اعتماد الموازنة الإيرانية على العائدات النفطية في تمويل بنودها، حيث يشكل النفط ما يتجاوز 80% من الصادرات الحكومية، وحوالي 60% من الدخل القومي، في حين تتضاءل إسهامات القطاعات الاقتصادية الأخرى، وبالتالي فإن استهداف هذا القطاع بمزيد من العقوبات سيكون له عظيم الأثر على العائدات النفطية، حيث تجدر الإشارة إلى أن القطاع النفطي الإيراني يعاني من العقوبات الأميركية التي تحظر الاستثمار في إيران. كان أهم تداعيات هذه العقوبات هو تدهور وتهالك البنية التحتية النفطية ونقص الاستثمارات اللازمة لتطويرها، واقتصار هذه الاستثمارات على الشركات الصغيرة التابعة للدول النامية. كما أن أغلب الدول المستوردة للنفط الإيراني ستخضع لتطبيق هذه العقوبة إذا ما فرضت بالفعل على إيران وفق توازنات ستحاول من خلالها البعد عن استعداء الولايات المتحدة والتوافق مع مواقف المجتمع الدولي.
ولعل تدهور بعض الصناعات الإيرانية وتراجع إسهاماتها في الاقتصاد الإيراني بسبب العقوبات المفروضة على الصادرات مثل صناعة المنسوجات، والسكر، أهم مؤشر على فاعلية مقاطعة الصادرات الإيرانية النفطية، إذ لم تكن تداعيات فرض عقوبات على صناعتي السكر والمنسوجات اقتصادية فقط، بل امتد أثرها اجتماعيًّا إلى المشتغلين في هذه الصناعات، لاسيما المزارعين المنتجين لمحصول شمندر السكر. وقد زاد من حدة أزمة المشتغلين في هذه الصناعات عدم اتخاذ الحكومة الإيرانية إجراءات من شأنها احتواء أزمة هؤلاء وتشغيلهم في صناعات أخرى جديدة.
وفي السياق ذاته أشارت مقالة بعنوان quot;أحمدي نجاد يعترف بتعثر الاقتصاد الإيرانيquot; نشرها موقع quot;السفارة المسيحية الدولية في القدسquot; إلى أن انخفاض أسعار النفط بشكل كبير قد دفع الحكومة الإيرانية إلى الاعتراف بوجود تعثر في مسيرة الاقتصاد الإيراني، موضحة أن هذا التعثر إنما يستدعي ترشيد إنفاق الحكومة للعائدات النفطية، وإعادة النظر في الإعانات المالية الكبيرة التي تقدمها للمواطنين، وكذلك إعادة النظر في آليات رفع الضرائب العامة، وهو ما يراه الخبراء أحد أهم مسببات تراجع شعبية الحكومة التاسعة بعد عدم استطاعتها الوفاء بوعودها فيما يخص العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة النفطية على فئات الشعب الفقيرة، إلى جانب التداعيات التي سببها الانخفاض الحاد في أسعار هذه السلعة الاستراتيجية في زيادة معدلات التضخم والفقر والبطالة. وكل هذه العوامل تصب في خانة تشديد الخناق على الاقتصاد الإيراني من خلال عقوبات أكثر فاعلية.
العقوبات الملائمة
ويؤكد بدوره quot;ماثيو ليفيت quot; في مقالة له بعنوان quot;هل يمكن للعقوبات على إيران أن تكون فاعلة؟ quot; نشرها quot;معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنىquot; على أنه في ظل إخفاق ثلاث عقوبات مفروضة على إيران من قبل الأمم المتحدة في تغيير سلوك إيران النووي وحثها على وقف تطوير وتشغيل برنامجها النووي، واستفزاز المجتمع الدولي بين الحين والآخر من خلال الإعلان عن إنجازات نووية وتركيب أجهزة للطرد المركزي، يتعين خطوات أخرى من شأنها الضغط على إيران اقتصاديًّا، لا تعتمد كسابقتها على معاقبة دبلوماسيين إيرانيين ومنعهم من السفر واستهداف شركات يشتبه في نشاطها العسكري، وإنما من خلال إجراءات مالية يمكن أن تزيد من الضغط السياسي الداخلي على النظام، والاستفادة من حركات المعارضة والانتقادات العنيفة الموجهة للحكومة فيما يخص سياساتها الاقتصادية وإدارتها للملف النووي، رغم الارتفاع السابق في أسعار النفط ولفترات طويلة.
ويشير في هذا الإطار ماثيو ليفيت إلى أن عديدًا من الخبراء الاقتصاديين يؤكدون على أن العقوبات المالية الشاملة على إيران سينتج بالضرورة عنها تباطؤ شديد في التنمية الاقتصادية في البلاد، لاسيما في ظل التباطؤ الحالي الذي طال عديدًا من القطاعات الاقتصادية المهمة في الدولة، وفي مقدمتها قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات، والبنوك التي شهدت تقلصًا في حجم أعمالها داخل وخارج إيران بسبب ما فرض عليها من عقوبات أميركية وأوروبية، إلى جانب مشروعات البنى التحتية التي تشمل في أهم جزء منها الكهرباء.
وفي إطار صعوبة وليس استحالة الحصول على إجماع دولي في الأمم المتحدة لإقرار عقوبات على إيران بسبب رفض كل من روسيا والصين لمثل هذا الإجراء، يمكن الاعتماد في الفترة القادمة على العقوبات الأحادية الجانب والإقليمية لكن مع التركيز على القطاعات والفئات المستهدفة من هذه العقوبات، ومحاولة التغلب على الإجراءات الاحترازية التي تتخذها إيران في هذا الإطار، وذلك من خلال استهداف قطاعات تعتمد على التصدير للخارج بصورة أساسية، مثل قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات.
وإلى جانب العقوبات يقترح الكاتب ضرورة وجود الحوافز، والحفاظ على فاعلية استراتيجية الجزرة والعصا في مواجهة إيران. ففي مقابل التهديد بتشديد العقوبات يجب التحفيز بحزمة من الإغراءات المالية والاقتصادية التي من شأنها إخراج الاقتصاد الإيراني من عزلته الحالية المفروضة عليه.
ويمكن القول بأن السياسة الأميركية التي تتبعها الإدارة الحالية في هذا الإطار قد جسدت هذه الاستراتيجية، وذلك من خلال تأكيد الرئيس أوباما على استعداده لفتح باب الحوار مع إيران، في الوقت الذي تشدد فيه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون على فشل الجهود الدبلوماسية مع إيران إنما يعني فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية عليها من قبل المجتمع الدولي بقيادة أميركية، حيث يعد منع إيران من امتلاك أسلحة نووية أحد أهم أولويات الولايات المتحدة الأميركية.
حدود خلاف أميركا وإسرائيل حول استخدام القوة
أثارت المناورات العسكرية التي بدأتها القوات المسلحة الإسرائيلية ظهيرة يوم الأحد الموافق 31 من مايو الماضي تحت اسم quot;نقطة تحول3quot;، والتي تُعتبر من أضخم المناورات التي قام بها الجيش الإسرائيلي في السنوات الأخيرة، مخاوف عدة قوى دولية سواء أكانت ذات مواقف مناوئة لإسرائيل كإيران وسوريا وحزب الله، على اعتبار أنها تُمثل جرس إنذار لها أو أحد السيناريوهات القابلة للتطبيق معهم في حالة عدم استجابتهم للمطالب الإسرائيلية، ذلك على الرغم من تأكيد المسئولين الرسميين الإسرائيليين لاسيما رئيس الوزراء المتشدد quot;بنيامين نيتنياهوquot; ووزير الخارجية quot;أفيجدور ليبرمانquot; أن الغرض منها هو اختبار مدى جاهزية الجبهة الداخلية وليس لشن هجوم على أي دولة من دول المنطقة.
ويضيف المسئولون الإسرائيليون أنها تأتي في إطار النشاطات الاعتيادية الرامية لإعداد قوات الجبهة الداخلية لمواجهة أي حالة من حالات الطوارئ، ولا علاقة لها بأي معلومات استختبارتية متوافرة لدى الحكومة الإسرائيلية. كما أنها أثارت حفيظة الولايات المتحدة على اعتبار أنها قد تجعلها في موقف حرج حالة خوض إسرائيل حرب مع أحد دول المنطقة مما قد يُورطها في حرب جديدة دفاعًا عن إسرائيل، لاسيما مع تزايد التهديدات الإسرائيلية بشن حرب إحهاضية على المنشآت النووية الإيرانية، والذي سيتبعه رد إيراني قاسٍ على الهجمات العسكرية الإسرائيلية.
فمقاربة إدارة أميركية جديدة تجاه عدد من قضايا منطقة الشرق الأوسط تختلف عن مقاربة الحكومة الإسرائيلية الجديدة اليمينية برئاسة quot;نيتنياهوquot; لها، لاسيما قضيتي الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، والمقاربة الأوبامية تجاه البرنامج النووي الإيراني القائمة على إعطاء أولية للقوة الناعمة والحوار على القوة العسكرية التي تفضلها الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وهذا الاختلاف جلي في تصريحات مسئولي الطرفين وفي لقاء باراك أوباما مع نيتنياهو في البيت الأبيض منتصف الشهر المنصرم.
مقاربة جديدة أساسها القوة الناعمة
منذ بزوغ الإرهاصات الأولى للحديث حول البرنامج النووي الإيراني في عام 2003 بعد إرسال جماعة quot;مجاهدي خلقquot; المعارضة للنظام الإيراني صورًا لبعض المواقع والأنشطة النووية غير الخاضعة للمراقبة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بدأت الولايات المتحدة التشكيك في النوايا الإيرانية واتهمت طهران بأن برنامجها ليس لأغراض سلمية كما تدعي، إنما ذات أغراض عسكرية تهدف لإنتاج وتطوير الأسلحة النووية. وعليه قامت الولايات المتحدة بقيادة هجمة شرسة على النظام الإيراني تمثلت في وصفه بأنه أحد أقطاب دول محور الشر ومن أكبر داعمي الإرهاب.
وفى هذا الإطار، شهدت العلاقات الأميركية - الإيرانية توترًا بالغ الخطورة وصل إلى تهديد الولايات المتحدة بقيادة الرئيس السابق جورج بوش وإدارته إيران باستخدام القوة العسكرية وأن جميع الخيارات قائمة في مواجهة الخطر النووي الإيراني في حالة عدم انصياعها لمطالب المجتمع الدولي بالتخلي عن برنامجها النووي العسكري.
في سياق ليس ببعيد، حاولت الولايات المتحدة حشد القوى الدولية المختلفة لاسيما الأوروبية منها للضغط بهدف إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي لاتخاذ التدابير اللازمة للحد من الخطر الإيراني، وبالفعل استطاعت الولايات المتحدة ذلك، إلا أن النظام الإيراني قد ضرب عرض الحائط بكافة القرارات الدولية في هذا الشأن. وأعلنت أنها سوف تمضي قدمًا في برنامجها النووي على اعتبار أنه ذات طبيعة سلمية وأن من حقها امتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية المتمثلة في توليد الطاقة الكهربائية، مستبعدة أن يكون له أي أغراض عسكرية. كما اعتمدت الولايات المتحدة أيضًا على سياسة الترهيب تجاه دول الخليج حيث استطاعت إقناعهم أن إيران تسعى لامتلاك أسلحة نووية مما سيؤثر على أمن المنطقة بأثرها مستغلة في ذلك العلاقات التاريخية المتوترة بين نظام طهران والنظم الخليجية.
وبوصول أوباما إلى البيت الأبيض في أوائل العام الجاري، أعلنت الإدارة الأميركية إمكانية القيام بحوار مباشر هي وأطراف دولية أخرى وهي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، مع إيران بدون شروط مسبقة ـ على خلاف إدارة بوش والتي طالبت طهران بضرورة وقف برنامجها النووي قبل خوض أي مفاوضات معها ـ يقوم على تبادل وجهات النظر حول الملف النووي الإيراني. فضلاً عن تقديم حوافز ومساعدات ذات طبيعة اقتصادية لنظام طهران في حالة تخليه عن الأبعاد العسكرية لبرنامجها النووي، والالتزام بكافة القرارات الدولية وقيام بخطوات ملموسة على هذا الدرب. وبالتالي يكون أوباما وإدارته قد اعترفوا بحق طهران في تطوير تكنولوجيا نووية سلمية.
كما أكد وود روبرت المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، أن قبول طهران لتلك المفاوضات وتسوية المسألة النووية بشكل يقوم على التعاون وليس الصدام سوف يمثل فرصة سانحة لإعادة إدماج إيران في المجتمع الدولي، كما سيكون له أثر كبير على حدوث انفراج للعلاقات المتشابكة بين إيران والمجتمع الدولي. وفى السياق ذاته أكدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ضرورة خوض مفاوضات جماعية مع طهران في القضايا التي تخص مصالح الولايات المتحدة والعالم بأثره مع إيران.
على المنوال ذاته، أكدت كلينتون في خطاب لها أمام لجنة الاعتمادات بمجلس الشيوخ الأميركي على أن إدارة أوباما تعارض بشدة امتلاك طهران قدرات نووية عسكرية وأنها تسعى لتحقيق هذا الهدف عبر الأساليب الدبلوماسية السلمية ذلك لأنه سيمثل خطرًا محدقًا وأن النظام الإيراني لابد أن يتخلى عن برنامجه النووي العسكري حتى يشعر بالأمان. كما أكدت على أن توقيت تلك المباحثات لم يُحدد بعد ولكنه لن يكون بأي حال من الأحوال أثناء فترة الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقرر لها في الثاني عشر من يونيو الجاري.
المخاوف الإسرائيلية من البرنامج النووي الإيراني
لم يختلف الموقف الإسرائيلي كثيرًا- من حيث الهدف - عن نظيره الأميركي خلال فترتي حكم الرئيس السابق جورج بوش، حيث أكدت إسرائيل مرارًا أن البرنامج النووي الإيراني يهدف لإنتاج الأسلحة النووية وأنه يمثل خطرًا داهمًا ليس فقط على إسرائيل وإنما على كافة دول المنطقة، وقد بلغ ذلك التصعيد ذروته بعد وصول الرئيس الإيراني quot;محمود أحمد نجادquot; إلى رئاسة إيران، وإدلائه بتصريحات عدائية تجاه كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وصلت لحد التهديد بتدمير إسرائيل كلية. وتأسيسًا على ذلك، حاولت إسرائيل إقناع الولايات المتحدة بضرورة استخدام الحلول العسكرية تجاه إيران نظرًا لما تمثله من تهديد لأمنهما القومي إلا أنها لازالت غير قادرة على ذلك.
وفى هذا السياق، أكد وزير الخارجية الإسرائيلي quot;أفيجدور ليبرمانquot; في معرض جولته الأوروبية الأخيرة على أن إيران هي المشكلة الأولى الآن في منطقة الشرق الأوسط وأن سعيها لامتلاك الأسلحة النووية سيكون عاملاً سلبيًّا على السلام والاستقرار في المنطقة. هذا أيضًا ما أكد عليه الرئيس الإسرائيلي quot;شيمون بيريزquot; في خطابه أمام لجنة العلاقات العامة الأميركية - الإسرائيلية (إيباك) في واشنطن حيث قال: إن إسرائيل لن ترضخ للطموحات النووية العسكرية الإيرانية.
اتفاق في الهدف واختلاف في المقاربة
مخطئ من أن يظن العلاقات الاستراتيجية الأميركية ndash; الإسرائيلية الطويلة والوطيدة يمكن أن تتأثر بالاختلاف في أسلوب كل منهما في التعامل مع طهران وبرنامجها النووي، ولهذا يمكن أن نصف ما حدث من اختلاف في وجهات النظر بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي في لقائهما في البيت الأبيض في منتصف الشهر المنصرم على أنهquot; اختلاف يُولد من رحم الاتفاقquot;، فكل منهما متفق على ضرورة أن تجمد طهران برنامجها النووي ذي الأبعاد العسكرية باعتباره يمثل خطرًا داهمًا لأمن منطقة الشرق الأوسط بأكملها وليس لإسرائيل وحدها، هذا ما قد أكد عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي quot;نيتنياهوquot; في مستهل زيارته لواشنطن ولقائه quot;أوباماquot;.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الخلاف جاء في لهجة الحوار فقط وليس المضمون، فالرئيس أوباما وجد أن الحلول الدبلوماسية قد تكون بمثابة العصا السحرية لحل الأزمة ولهذا أكد على أنه على الولايات المتحدة وحلفائها في المجتمع الدولي التركيز على المساعي الدبلوماسية التي تأخذ شكل مفاوضات جماعية ومباشرة مع طهران والتي قد تسفر عن أحد أمرين؛ الأول: تقديم حوافز لها في حالة الاتفاق على تفكيك البرنامج العسكري، والثاني: فرض مزيدٍ من العقوبات في حالة المضي قدمًا فيه. أما على الصعيد الإسرائيلي أكد نيتنياهو على نفس المضمون الأميركي ولكن بصورة أخرى وهي أن إسرائيل لن تقف مكبلة بالأغلال أمام مساعي طهران في تطوير الأسلحة النووية، وهو ما يصب في الاتجاه الأميركي ذاته حول ضرورة تجميد طهران لبرنامجها النووي ذي الأغراض العسكرية.
لكن ما يحسب للرئيس أوباما هنا ليس الدعوة لاستخدام السبل الدبلوماسية مع إيران لأنها هي التي فرضت نفسها نتيجة لعدة أحوال أبرزها؛ القوة العسكرية الإيرانية سواء على المستوى التقني أو البشرى، ورد الفعل الإيراني المتوقع في حالة تعرضها لأي اعتداءا ت عسكرية، ولكن الأهم من ذلك هو رفضه لفكرة نيتنياهو حول الربط بين تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وبين انتهاء أزمة البرنامج النووي الإيراني. وفى هذا السياق أكد أوباما على أن السلام الفلسطيني - الإسرائيلي يقع في إطار تحقيق الأمن لكل من الشعبين حتى لو لم تسع طهران لتطوير أسلحة نووية.
ومن هذا الاختلاف في المقاربة الأميركية والإسرائيلية تُثار خمس ملاحظات أساسية، نجملها في:
أولاً: إن الرفض الأميركي لاستخدام القوة العسكرية ضد إيران ونهج السبل الدبلوماسية من جانب آخر ينبعان بالأساس من عدم رغبة الولايات المتحدة من خوض حروب جديد في هذا التوقيت تحديدًا خاصة مع زيادات الخسائر التي تكبدتها سواء في الأرواح أو الأموال في كل أفغانستان والعراق. فضلاً عن قناعتها أن استخدام القوة لم ولن يحل أي مشكلة على الساحة الدولية وهذا يتفق مع ما صرح به الرئيس أوباما في خطابه للعالم الإسلامي من القاهرة في الرابع من الشهر الجاري.
ثانيًا: إن سياسة الولايات المتحدة تجاه طهران لم تتغير بتغير الإدارة من بوش إلى أوباما، فكل من الإدارتين يسعى للهدف ذاته وهو تفكيك والقضاء على البرنامج النووي الإيراني لكن كل منهما يتبع أدوات مختلفة، فإدارة بوش كانت تعتمد على التهديد ولم تستبعد استخدام القوة العسكرية، أما أوباما وإدارته فقد اعتمدت على سبل حوار والضغوط الدبلوماسية والسياسية. والحقيقة أن هذا الأمر كان متوقعًا قبل وصول أوباما لسدة الحكم على اعتبار أنه ينتمي إلى الحزب الديمقراطي بمبادئه المعروفة التي تقوم على الحوار والسبل الدبلوماسية وليس القوة العسكرية.
ثالثًا: إن الولايات المتحدة على وعى كامل بأن رد الفعل الإيراني لن يكون بسيطًا بل على العكس من ذلك كلية حيث إن كافة القواعد العسكرية الأميركية في منطقة الخليج سوف تكون في مرمى الصواريخ والقاذفات الإيرانية مما يعني أن الولايات المتحدة سوف تتكبد خسائر ضخمة علمًا بأن القوات المسلحة الإيرانية المتمثلة في الجيش وقوات الحرس الثوري على درجة كبيرة من الخبرة في المجال العسكري، ذلك بالإضافة لامتلاكها أحدث التقنيات العسكرية من قاذفات وصواريخ باليستية قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى أيضًا قادرة على ضرب العمق الإسرائيلي.
رابعًا: إن إدارة أوباما قد جاءت لنشر مفاهيم جديدة عن الحرية والديمقراطية والحوار في محاولة لتحسين صورة الولايات المتحدة التي كانت قد تشوهت نتيجة سياسات إدارة بوش وبالتالي فإنها لن تسعى بأي حال من الأحوال إلى تشويه تلك الصورة الجديد بالدخول في حرب جديدة تشير كافة الشواهد والدلالات المبدئية بأنها خاسرة أو على الأقل غير منتصرة.
خامسًا: إن أحد الأسباب الرئيسة لعدم إقدام إسرائيل على هذا العمل العسكري هو علم القادة الإسرائيليين بصعوبة العملية في ظل عدم قدرة واشنطن على اتخاذ القرار بدعم إسرائيل. بعبارة أخرى إذا كانت إسرائيل تضع نسبة ولو كانت طفيفة لنجاح العملية لقامت بها بلا تردد، ذلك فضلاً عن أن إيران ليست العراق أو لبنان.
سيناريوهات ضربة إسرائيلية لإيران
وينشغل الساسة والباحثون داخل تل أبيب وواشنطن وخارجهما من تحول حرب الكلمات بين إسرائيل وطهران إلى كلمات الحرب. فكثير من القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين يهددون باستخدام القوة العسكرية ضد المنشآت الإيرانية الذي تشكك إسرائيل والولايات المتحدة في الهدف منه، وتراه إسرائيل تهديدًا صارخًا لأمنها القومي، لاسيما بعد التصريحات العدائية للرئيس الإيراني quot;أحمدي نجادquot; تجاه إسرائيل خاصة التهديد بمحو الوجود الإسرائيلي من على خارطة المنطقة.
وفى إطار الحديث عن هذا الهجوم المحتمل أصدر مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية بواشنطن دراسة بعنوان quot;دراسة حول الضربة الإسرائيلية المحتملة للمنشآت النووية الإيرانية. للخبيرين quot;عبد الله توكانِ quot; وquot;أنتوني كوردسمانquot;. تأتى تلك الدراسة كمحاولة لتفسير ماهية الاستراتيجية التي يمكن أن تتبعها إسرائيل في حالة عزمها على توجيه ضربة عسكرية لإيران.
إسرائيل وإيران: القدرات الجوية والباليستية
عقدت الدراسة مقارنة بين قدرات السلاح الجوي الإسرائيلي ونظيره الإيراني، فضلاً عن قدرتهما من الصواريخ الباليستية. فعن القدرات الإسرائيلية يشير التقرير إلى امتلاك إسرائيل في عام 2008 ما يقرب من 411 طائرة حربية من طرازت مختلفة، 80 طائرة من طرازF-16l، و138 طائرة من طراز F-16C/D،و108 أخرى من طراز F-16A/B، 125 من طراز F-15، و34 من طراز F-15A/B، و28 من طرازF-15C/D. أما إيران، فتملك وفقًا للدراسة في العام ذاته ما يقرب من 158 طائرة حربية من عدة طرازت، 25 طائرة من طراز MIG-29، و13 من طراز Su-25،و30 من طراز Su-24،و25 من طراز F-14،و65 من طرازF-4 E/D.
على صعيد التسليح الباليستي، تعتمد إسرائيل على ثلاث طرازت من الصواريخ في هذا الشأن وهم كالتالي؛ الأول: (جيركو1) . وهو صاروخ قصير المدى حيث يصل مداه إلى ما يقرب من 500 كيلو متر يحمل 450 كيلو جرام من المواد المتفجرة، الثاني: (جيركو2 وهو صاروخ متوسط المدى يصل مداه إلى ما يربو من 1500 كيلو متر، والثالث: (جيركو) هو صاروخ طويل المدى أو عابر للقارات حيث يصل مداه إلى ما بين 4800 و6500 كيلو متر ويحمل 750 كيلو جرام من المواد التفجيرية، ويعتبر هذا النوع الأخير الأنسب في حالة عزم إسرائيل على قصف البرنامج النووي الإيراني، تشترك الأنواع الثلاثة في قدرتها على حمل رءوس نووية.
كما يعتمد البرنامج التسليحي الباليستي الإيراني على عدة طرازت تنقسم إلى ثلاث فئات طبقًا للمدى الذي تستطيع الوصول إليه؛ الفئة الأولى: فئة المدى القصير ولعل أبرز طرازاتها اسكود بي Scud B الذي يستطيع الوصول إلى دولة الكويت ويصل مداه حوالي 300 كيلو متر، واسكود سيScud C الذي يصل مداه إلى شرق تركيا بمدى 500 كيلو متر، الفئة الثانية: فئة المدى المتوسط والمتمثلة في طرازت شهاب3 والذي يستطع الوصول إلى تل أبيب بمداه ما يقرب 1300 كيلو متر وطراز عاشورا بمداه حوالي 2000كيلو متر، الفئة الثالثة: فئة طويل المدى وتسعى إيران حاليًا للتوصل لهذا النوع من الصواريخ ومن المتوقع الوصول إليه بحلول عام 2015.
في هذا الإطار لابد من التفرقة بين ثلاثة أنواع مختلفة من القذائف التي يمكن لإسرائيل أن تستخدمها في حال عزمها على توجيه ضربة عسكرية ضد إيران. وهي كالتالي:
أولاً: (GBU-27) وهى أحد أنواع القذائف ذات قوة اختراقية متوسطة تصل بين 1,8 و2,4 متر أي حوالي 6 أقدام في الأجسام الخراسانية الصلبة طبقًا لزاوية الإطلاق على الجسم.
ثانيًا: (GBU-28) وتعتبر ذات قوة تدميرية اختراقية عالية حيث تمتد إلى أكثر من 6 أمتار أي ما يقرب من 20 قدمًا في الأجسام الخراسانية والصلبة، أو 30 مترًا أي 100 قدمٍ في سطح الأرض.
ثالثًا: (GB-10) وهى ذخائر موجهة بالليزر فائقة القوة التدميرية والاختراقية تحتوي على حوالي 630 رطلاً من المواد المدمرة.
كما يفرق كوردسمان بين ثلاث درجات تتفاوت من حيث أثرها التدميري وهم كالتالي:
أولاً: 10PSI هي تلك القوة القادرة على إلحاق أضرار بالغة بالمباني الخراسانية وحتى هدمها كلية، فضلاً عن قدرتها الفائقة على إبادة الجنس البشرى متى تواجد في نطاقها.
ثانيًا: 5PSI تصل آثارها إلى انهيار غالبية المباني التي تقع في محيط الإطلاق.
ثالثًا: 3PSI تمتد آثارها التدميرية إلى تدمير وانهيار معظم المباني السكانية دون العسكرية والتي تقع في نطاقها.
القوة المطلوبة لتدمير البرنامج النووي الإيراني
على الرغم من وجود عدد كبير من المواقع النووية الإيرانية إلا أن كوردسمان أكد على أن هناك ثلاثة مواقع رئيسة وهامة إذا استطاعت إسرائيل تدميرها فإنها بذلك تكون قد دمرت أو على الأقل قد عطلت البرنامج النووي الإيراني لفترة زمنية طويلة. وهي: مركز أصفهان للتكنولوجيا النووية، منشأة ناتانز، ومفاعل أراك.
أولاً: موقع أصفهانEsfahan: يُعتبر موقع أصفهان أحد أهم مراكز التكنولوجيا النووية في إيران حيث يضطلع بدور هام في دورة إنتاج الوقود النووي وهى تحويل اليورانيوم الخامU3O8 إلى مرحلة أكثر تطورًا من اليورانيوم المخصب وهو، وتقدر مساحته بحوالي 100,000 متر مربع، تقع كلها فوق سطح الأرض وبالتالي فهي تحتاج إلى قذائف ذات قوة اختراقية متوسطة مثل GBU-27 وقوة تدميرية متوسطة 5PSI مما سيحتاج عدد 5 طائرات من طراز F-16ls ، ذلك على اعتبار أن نسبة الدقة في الإصابة سوف تصل إلى 90%.
ثانيًا: منشأة ناتانز: تمثل منشأة ناتانز لتخصيب اليورانيوم أحد أخطر المواقع النووية الإيرانية، حيث تم بناؤها على مسافة 8 أمتار تحت سطح الأرض، وتم حمايتها بحائط خرساني يصل سمكه إلى ما يقرب من 2.5 متر، كما تمت إحاطته بحائط خرساني آخر من أجل رفع مستوى الحماية، وينقسم هذا الموقع إلى قسمين؛ الأول: منشأة تحت سطح الأرض تغطي حوالي 585,000 متر مربع، والثاني: منشأة تتكون من 6 مبانٍ لتخزين اليورانيوم تقدر مساحتها بما يقرب من 95,500 متر مربع.
وتأسيسًا على وجود أغلبية الموقع تحت سطح الأرض فتعتبر القذائف ذات القوة والاختراقية العالية GBU-28 هي الأنسب والأكثر ملائمة لدك تلك المواقع، وقوة تدميرية متوسطة 5PSI، مما سيحتاج عددًا 22 قذيفة للمواقع الموجودة تحت سطح الأرض بنسبة خطأ 50% مما سيتطلب توفير 44 قذيفة،و3 قذائف للمباني الأخرى بنسبة خطأ 50% مما سيتطلب توفير 6 قذائف، الأمر الذي يحتاج عدد 25 طائرة من طراز F-15E في حالة أن تكون حمولة كل طائرة قذيفتين و50 في حالة أن تكون حمولة كل طائرة قذيفة واحدة.
ثالثًا: مفاعل أراك: تغطي منشأة أراك مساحة حوالي 550,00 متر مربع، وتحتوي على مفاعل يعمل بالماء الثقيل Heavy water reactor ومجموعة من أبراج التبريد وهي تلك المفاعلات التي تسعى لإنتاج البلوتونيوم الذي يستخدم في إنتاج بعض الأنواع من القنابل والأسلحة النووية. وتعتبر القذائف شديدة القوة والاختراقيةGB- 10 هي الأكثر ملائمة لهذا النوع من المنشآت بقوة تدميرية 10 PSI. وفى هذا السياق تحتاج إسرائيل إلى 4 قذائف لتدمير الموقع والأبراج بصورة كاملة مما يتطلب وجود 4 طائرات من طرازF16ls في حالة أن تكون حمولة الطائرة قذيفة واحدة من طراز GB -10.
أما بالنسبة للجزء الثاني من العملية سوف يتطلب قيام إسرائيل بدك خمسة مواقع صاروخية إيرانية وهي موقع باخترون بالقرب من مفاعل أراك، وخرواماباد، ومانزاريا ، وقوم بالقرب من موقع ناتانز، وأخيرًا هاسا بالقرب من أصفهان، مما سيتطلب عدد 4 قذائف في كل موقع بموجب 10 طائرات من طراز F- 16l.
من هنا يمكن القول: إن العدد الإجمالي للطائرات المطلوبة لقذف المواقع سالفة البيان هو 25 طائرة من طرازF-15E و7 طائرات من طرازF-16l، هذا بالإضافة لعدد 38 طائرة من طرازF-16l للقيام بعمليات الحماية وقصف نظم الدفاع الجوى الإيرانية، و10 طائرات لقصف المواقع الصاروخية وبالتالي يرتفع العدد الإجمالي إلى 80 قاذفة.
السيناريوهات المحتملة للقصف الإسرائيلي
في خضم الجدل حول إمكانية قيام إسرائيل بقصف البرنامج النووي الإيراني لاسيما المواقع سالفة الذكر، تشير كافة الشواهد والدلالات أن تلك العملية لن تخرج بأي حال من الأحوال عن سيناريوهين.
السيناريو الأول: القصف الجوى للبرنامج ومنصات الصواريخ. في هذا السياق، سوف تستخدم إسرائيل سلاحها الجوي من طائرات F-15 Eو F-16 l لضرب المواقع ويتم ذلك عبر أحد ثلاثة مسارات؛
المسار الشمالي: تتجه القاذفات الإسرائيلية نحو زاوية التقاء الحدود السورية ـ التركية، ثم تميل في تجاه الشرق لتمر بمحاذاة الحدود السورية وصولاً لإيران.
المسار الأوسط: حيث تنطلق الطائرات من إسرائيل ثم تعبر المجال الجوي الأردني مرورًا بسوريا ومنها إلى العراق ثم إلى إيران، وتكمن المشكلة الرئيسة في هذا المسار أن إسرائيل تربطها بالأردن معاهدة سلام وبالتالي عليها أن تخبرها بأي تحرك جوي تقوم به داخل مجالها الجوي، وإلا اعتبر ذلك انتهاكًا للاتفاق المبرم بينهما، ذلك فضلاً عن رفض سوريا والعراق لاستخدام مجالهما الجوى لقصف إيران.
المسار الجنوبي: تبدأ القاذفات الإسرائيلية رحلتها لتمر عبر الأردن، ثم عبر المجال الجوى للملكة العربية السعودية، ومنها للعراق ثم إلى هدفها إيران، وبالتالي لن تسمح الولايات المتحدة لإسرائيل أن تنتهك المجال الجوى السعودي وذلك للحيلولة دون إفساد علاقتها الاستراتيجية معها.
السيناريو الثاني: القصف الباليستي للبرنامج ومنصات الصواريخ. أن تستخدم إسرائيل الصواريخ الباليستية من طراز جيركو 3 طويلة المدى حيث تصل إلى ما بين 2600 ميل و3500 ميل ذات قوة اختراقية 5PSI، بموجب صاروخين لكل موقع من منصات الصواريخ بإجمالي 10 صواريخ، وصاروخين لموقع أصفهان، و15 صاروخ لمنشأة ناتانز، وصاروخ واحد لمفاعل أراك، وذلك بإجمالي عدد 28 صاروخ لكل المواقع.
لكن تكمن المشكلة الرئيسة لاستخدام الصواريخ الباليستية هو إمكانية إصابة دول أخرى بها مثل الأردن في حالة تبادل إطلاقها بين إسرائيل وإيران، فضلاً عن إمكانية تفاقم الأمر ليصل لحرب نووية نظرًا لقدرتها على حمل رءوس نووية.
الخاتمة
على الرغم من التصعيد المستمر بين الجانبين الإسرائيلي والإيراني، إلا أن مسالة توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية هي مسألة محفوفة بمخاطر جمة قد تعاني منها المنطقة بأثرها وذلك انطلاقًا من أن الرد الفعل الإيراني لن يكون بسيطًا. فضلاً عن عدم مباركة الولايات المتحدة الأميركية للضربة الإسرائيلية المحتملة في ظل إدارة الرئيس الأميركي الديمقراطي quot;بارك أوباماquot; الذي دعا إلى ضرورة إجراء حوار مع طهران بشأن برنامجها النووي.
كما تكمن المشكلة أيضًا في صعوبة العملية العسكرية على المستويين العسكري والسياسي بسبب استراتيجية موقع إيران. حيث إنه على إسرائيل أن تمر عبر عدد من الدول قبل الوصول لإيران، وهي: تركيا وسوريا في المسار الشمالي والأردن وسويا والعراق في المسار الأوسط والأردن والسعودية والعراق في المسار الجنوبي، وهو أمر ليس باليسير على اعتبار أن قبول أي دولة من تلك الدول لذلك يعني تضامنها بشكل أو بآخر ودعمها للضربة العسكرية الإسرائيلية لإيران، وهو ما يعني تورطها بشكل غير مباشر مع إسرائيل مما قد يفسد علاقتها مع طهران. وفى الوقت ذاته يعطي شكلاً من أشكال الشرعية لطهران لأي رد فعل تجاه تلك الدول. ناهيك عن التكلفة الباهظة التي سوف تتكلفها إسرائيل في حال عزمها توجيه الضربة، علمًا أن تلك الضربة لن تدمر البرنامج النووي بأكمله وإنما ثلاث مواقع فقط، وبالتالي فإن التكلفة لن تساوي بأي حال من الأحوال المخاطرة.
التعليقات