إعداد عبدالاله مجيد: كتب روبن رايت الباحث في مركز وودرو ولسن الدولي للأبحاث تعليقا على الوضع في إيران بعد شهر من الإحتجاجات على الإنتخابات الرئاسية. وجاء في التعليق الذي نشرته صحيفة quot;واشنطن بوستquot; اليوم: تغيَّر الكثير في ايران خلال شهر واحد كان احيانا يخطف الأنفاس. وأخذت الانتفاضة المتقطعة تصبح بأهمية الثورة الاسلامية قبل 30 عاما ـ ليس بالنسبة لايران وحدها. فقد اعاد كلا الحدثين تحديد العمل السياسي في عموم الشرق الأوسط. الأثمان تتعاظم بإطراد على النظام. قبل يوم واحد من الانتخابات الرئاسية في 12 حزيران/يونيو كانت الجمهورية الاسلامية في أوج قوتها. لم تصمد طهران في مواجهة ثلاثة عقود من العزلة الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية فحسب بل برزت بوصفها قوة اقليمية لا تضارعها إلا اسرائيل. وكان نفوذها يحدد شكل نزاعات وسياسات تمتد من افغانستان الى لبنان.

ولكن بعد يوم على الانتخابات بدت الجمهورية الاسلامية مكشوفة أكثر من اي وقت مضى. واخفقت عسكرة الدولة من الناحية العملية في احتواء الانتفاضة ، وتسببت تكيتكاتها في مزيد من ابتعاد المجتمع عنها واستقطابه. وانتقل مركز الصراع من الانتخابات الى استهداف قيادة ايران نفسها. قبل يوم واحد من الانتخابات كانت لدى ايران ايضا أحسن فرصة منذ 30 عاما لانهاء عزلتها. فمنذ احتلال السفارة الاميركية في عام 1979 اختصمت ايران مع خمس ادارات اميركية. وكان عرض الرئيس اوباما بالتواصل المباشر أكثر العروض سخاء حتى اليوم. وحشد وراءه القوى الدولة الكبرى وعددا متزايدا من الاميركيين.

انقلبت الموازين. واستنكرت مجموعة الدول الصناعية الثماني في قمتها في ايطاليا الاسبوع الماضي حملة القمع التي اعقبت الانتخابات ودعت الى فتح quot;حوار ديمقراطيquot; مع المعارضة. ونوه اوباما في مؤتمره الصحفي بـquot;قوة الادانة التي عبرت عنها مجموعة الثماني ضد المعاملة الفظيعة للمحتجين المسالمين بعد الانتخابات في ايرانquot;.
بسبب تكنولوجيتها النووية التي تحقق تقدما ونفوذها الاقليمي كانت الحكومة الايرانية تعتقد قبل الانتخابات انها تمسك الاوراق الرابحة في اي مفاوضات. اما الآن فهي الطرف الضعيف بعد الخزي الذي لحق بها سياسيا. ولكن واشنطن ايضا قد تدفع ثمنا للتواصل مع حكومة تنكل بشعبها. فان اي اتصال معها يمكن ان يضفي من الناحية الفعلية شرعية على انتخابات مطعون بها ويرفض الشفافية والعدالة اللتين يطمح بهما المحتجون.

الانتفاضة غيَّرت المشهد السياسي الايراني. وخلال الشهر الماضي تحالفت عشرات الفصائل السياسية المختلفة في معسكرين متنازعين هما اليمين الجديد واليسار الجديد. تتكون نواة اليمين الجديد من ثوريين من الرعيل الثاني يُسمون quot;المبدئيينquot; الذين انتزعوا السيطرة على الأجهزة الأمنية ونحُّوا زعماءهم الشيوخ جانبا بصورة متزايدة ـ في الوقت الحاضر على الأقل. ويضم هذا المعسكر مجتبى خامنئي نجل المرشد الأعلى ومجتبى سمارا هاشمي مستشار الرئيس ومدير حملته الانتخابية ووزير المخابرات غلام حسين محسني اجئي ووزير الداخلية صادق محصولي واللواء محمد علي جعفري من الحرس الثوري وحسين طائب قائد الباسيج ، ومعلقين نافذين مثل حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة quot;كيهانquot; وبارونات صناعيين مثل مهرباد بازباش وزير الدولة لشؤون الشباب سابقا والآن رئيس شركة quot;صباquot; لصناعة السيارات.

اليسار الجديد يشكل في واقع الأمر ائتلافا يضم مصالح متباينة تجمعها قضية مشتركة في مشاعر الغضب بعد الانتخابات. وتأتي صفة اليسار من مرشح المعارضة مير حسين موسوي الذي كان يُعتبر يساريا خلال توليه رئاسة الحكومة في الثمانينات ، كما تأتي من هدف المعارضة في فتح النظام الثيوقراطي الجامد. تنظيم هذا المعسكر وادواته واستراتيجية ضعيفة لكنه اوسع ائتلاف ينشأ منذ ثورة 1979. ويضم اليسار الجديد رؤساء ووزراء وبرلمانيين سابقين واعدادا كبيرة من الشباب (الفئة العمرية السائدة في تركيبة الائتلاف) وأشد النساء نشاطا سياسيا في العالم الاسلامي ومهنيين من ذوي الياقات البيض وعمالا انهكهم التضخم. ما كان اختلافا سياسيا اصبح انشقاقا. فان العديد من القادة الايرانيين امضوا فترات معا في سجون الشاه ، وان رؤاهم بشأن الثورة الاسلامية اليوم تختلف اختلافا حادا بحيث يبدو ان المصالحة تكاد تكون مستحيلة.
ما يحدث تاليا ستقرره ثلاثة عوامل هي القيادة والوحدة والزخم.

مقتل المعارضة هو مسألة القيادة. ويتمثل السؤال الكبير الذي ما زال بلا اجابة في ما إذا كان موسوي وهو سياسي بلا كاريزما على نحو ظاهر ، يستطيع ان يقود المعارضة الجديدة على المدى البعيد. كان موسوي قائد الحركة الاصلاحية عن طريق الصدفة ، كان نتاج مشاعر عامة أكثر منه صانع هذه المشاعر. وفي غياب الاتجاه الديناميكي يمكن ان تبحث المعارضة عن بديل سواه. مقتل النظام هو مسألة الوحدة. فان الكثير من الكوادر الحكومية ، بمن فيهم الموظفون وافراد الجيش ، يتذمرون منذ زمن طويل من الثيوقراطية الخانقة. وفي عام 1997 وجد استطلاع اجرته الحكومة ان 84 في المئة من عناصر الحرس الثوري ، الذي يضم الكثير من الشباب الذين يؤدون خدمة العلم لا أكثر ، صوتوا لصالح محمد خاتمي ، أول رئيس اصلاحي.

الزخم قد يكون العامل الحاسم. سيتعين على النظام ان يوجه اهتمام الرأي العام نحو اجندة الرئيس محمود احمدي نجاد في ولايته الثانية. ورغم ان احمدي نجاد يحمِّل العالم الخارجي مسؤولية الاحتجاجات فانه قد يركز على اهداف اقليمية ودولية لنيل الشرعية التي يعجز نظامه عن نيلها في الداخل. اما بالنسبة للمعارضة فان تقويم المناسبات الشيعية والاعياد الفارسية والاحتفالات الثورية تقويم حافل بالفرص لتفجير التظاهرات. كما ان لدى المعارضة مؤازرين في البرلمان من المرجح ان يطعنوا في اختيار احمدي نجاد لوزراء حكومته وبرنامجه الاقتصادي. ويمكن لمزيد من الاعتفالات والمحاكمات أن تثير احتقانات جديدة. ومع كل بؤرة توتر تزداد صورة النظام تشوها وتزداد شرعيته ضعفا.