روسيا: يرى العديد من المراقبين ان التصريحات الصادرة من رئيس الحكومة البلغارية الجديدة التي طالب فيها باعادة النظر في الاتفاقيات الموقعة مع روسيا بشأن مشاريع الطاقة الاستراتيجية قد تؤدي الى ايجاد حال من التوتر في العلاقات بين موسكو وصوفيا.

ويقول استاذ العلوم الاقتصادية بجامعة صوفيا وعضو المجلس التنفيذي للمنظمة الاقتصادية البلغارية غير الحكومية البروفيسور يوردان بوبوف في حديث خاص أجرته معه وكالة الانباء الكويتية (كونا) انه لابد بداية من الاقرار بأن الحكومة اليمينية الجديدة لحزب المواطنين من اجل التطور الاوروبي في بلغاريا لها كل الحق بل من الطبيعى ان تدقق وقد تعيد النظر في بعض ما اقدمت عليه او وعدت به الحكومة الائتلافية البلغارية السابقة والتي كان يقودها رئيس الحزب الاشتراكي اليساري سيرغيه استانيشيف.

واضاف بوبوف quot;الا ان الامر قد يكون مختلفا الى حد ما فيما يخص الاتفاقيات الدولية ويتعين التدقيق فى بنودها المتعلقة بانسحاب احد اطرافها او المطالبة بالغائها حيث ان اغلب الاتفاقيات ذات الطابع الدولى تشير الى عقوبات او غرامات وخسارات اقتصادية فى حال امتناع احد الاطراف عن تنفيذها الامر الذي يمثل مجازفة غير محسوبةquot;.

وشدد على ان الاولويات تفرض على الحكومة الجديدة العكف اولا على دراسة وتحليل بنود الاتفاقيات الموقعة مع روسيا قبل الاسراع باطلاق التصريحات التى تحمل الطابع العاطفي الحماسي.

ويرى ان التلويح بتجميد او اعادة النظر في مشاريع الطاقة الكبيرة مع روسيا تصرف خاطئ ولقد صدر بداية من وزير الاقتصاد والطاقة والسياحة الجديد ترايتشو ترايكوف قبل الاعلان عن التشكيل الحكومي وبدت كأنها امتدادا للحملات الانتخابية السابقة.

وأتبع بوبوف quot;ثم عاد بعد ادائه القسم الوزاري الى الاشارة الى انه سيبحث ويدرس ما ورد في الاتفاقيات بخصوص البنود المتعلقة بالغائها الامر الذي يجب اتمامه قبل اطلاق التصريحات التي ادت بشكل غير مباشر الى تعكير صفو المزاجية الروسية مما يمكن ان ينعكس على العلاقات بين البلدين في وقت مازالت بلغاريا تعتمد فيه وبنسبة كاملة على النفط والغاز الروسيquot;.

ولفت تسوليف الى اسراع السلطات الروسية بالاعلان عن استعدادها منح بلغاريا قرضا لمشروع انشاء المركز البلغارى النووي الجديد للطاقة الكهربائية (بيلين) بقيمة حوالي ثلاثة مليارات يورو شريطة حصولها على ضمانات من الحكومة البلغارية لهذا القرض.

وأوضح ان الشرط الذي يرفضه وزير الاقتصاد والطاقة والسياحة البلغاري الجديد على قاعدة عدم امكانية تقديم ضمانات حكومية بسبب الازمة الاقتصادية العالمية هو أمر يزيد من حدة التوتر فى الاجواء الروسية - البلغارية.

وقال ان موقف الحكومة البلغارية الجديدة يتعين ان يكون اكثر مرونة بخاصة وانها لا تملك اوراق قوية لممارسة الضغوط على موسكو وان بلغاريا مازالت تعتمد بنسبة مئة في المئة على موارد الطاقة الروسية وانه لا يتعين ان يغيب عن الاذهان درس يناير الماضي عندما توقفت دفعات الغاز الروسي لبلغاريا واوروبا نتيجة الازمة الروسية الاوكرانية الامر الذي أضر بشكل حاد بالاوضاع الاقتصادية والامنية لبلغاريا.
وذكر ان اليونان ايضا أعربت عن قلقها من امكانية اعادة صوفيا للنظر في مشاريع الطاقة اذ اعلن وزير التنمية اليوناني كوستيس خادزيداكيس ان بلاده تعتمد على اتمام ناجح لمشروع انشاء خط انابيب البترول من مدينة (بورجاس) البلغارية الى ميناء (الكسندروبولس) اليوناني ويأمل ان تحافظ الحكومة البلغارية الجديدة على الالتزام بالاتفاقيات الموقعة بهذا المشروع مع اليونان وروسيا.

وعلى الجانب الاخر يرى استاذ العلوم الاقتصادية في جامعة بلغاريا الجديدة ورئيس مركز الدراسات الاقتصادية لدول منطقة شرق اوروبا الدكتور بيتر جاتانجييف ان الخبراء الروس يعتقدون بأن موسكو اذا ارادت عدم تجميد العمل بمشاريع الطاقة التى تمثل لها اهمية استراتيجية كبرى يتعين عليها ان تتخذ بعض الخطوات الجادة ورصد مصاريف اضافية لا يمكن تحديد حجمها اذ سيعتمد الامر على موقف صوفيا.
وأكد ان هذا الموقف والرأي أعلنه خبير الشركة الاستشارية (روس انيرجي) ميخائيل كروتيخين اذ يعتقد ان موقف بلغاريا يعكس رغبة وخطط الاتحاد الاوروبي الذي يسعى نحو التخلص من احتكار موسكو وشركة (غازبروم) الروسية لتوريد الغاز الى اوروبا ولذا فمن غير المستبعد ان تكون التصريحات الصادرة من الحكومة البلغارية محاولة لحصولها على تعويضات مالية اكبر في مفاوضات قادمة وان تنجح بذلك في تحسين بعض الشروط التي ترى من وجهة نظرها بأنها تضر بالاقتصاد البلغاري.

ويؤكد بأنه مع كل الاحتمالات يتعين ان يتحلى الموقف البلغاري بالدبلوماسية والمرونة لتحقيق ما يمكن تحقيقة في تعديل بعض شروط الاتفاقيات وعدم اللجوء الى محاولة تجميد او الغاء المشاركة الحكومية فى تلك المشاريع الاستراتيجية للطاقة في وقت لا يستطيع فيه الاتحاد الاوروبي ان يقدم لبلغاريا على الاقل فى المرحلة الحالية البديل عما تحصل عليه من روسيا من موارد للطاقة والا فان الأزمة ستكون باهظة التكلفة.

من جهته يقول المحلل السياسي البلغاري انطون جالابوف في حديثه مماثل ل(كونا) quot;من الطبيعي ان ترى الحكومة البلغارية الجديدة بعض النواقص فى بعض الاتفاقيات الدولية وتسعى بشكل دبلوماسي الى تعديلها بما يتناسب مع رؤيتها وخططها الاقتصادية الا ان التصريح والتلويح بالغاء او تجميد او اعادة النظر فى جميع مشاريع الطاقة مع روسيا يعكس موقفا سياسيا وليس موقفا اقتصاديا ويتعين اجراء حسابات اقتصادية وسياسية بشكل دقيق اذ أن الامر لا يتعلق فقط بالجانب الروسي وانما بما ستحققه تلك المشاريع لبلغاريا ولأوروبا ايضاquot;.

وأوضح جالابوف بأن المشاريع والاتفاقيات التى يتم المطالبة باعادة النظر فيها تشمل انشاء المركز البلغاري النووي الجديد للطاقة الكهربائية (بيلين) والذي تم الاسراع في تنفيذه بعد ان اغلقت بلغاريا المحطتين الثالثة والرابعة من مركزها النووي للطاقة الكهربائية كشرط اساسي لالتحاقها بعضوية الاتحاد الاوروبي واجبرت على وقف تصديرها الطاقة الكهربائية الى مقدونيا وتركيا.

اضافة الى مشروع انشاء خط انابيب البترول من مدينة (بورجاس) البلغارية الى ميناء (الكسندروبولس) اليوناني لنقل النفط الروسي الى اوروبا ومشروع (التدفق الجنوبي) والذي سينقل الغاز الروسى الى اوروبا عبر قاع البحر الاسود والاراضي البلغارية والصربية والرومانية.
وأعرب عن اعتقاده بأن المشروعين يمكن ان يؤهلا بلغاريا لتأدية دور المركز المحوري لتوزيع الطاقة في المنطقة البلقانية ومن هنا يتعين النظر الى الابعاد الاستراتيجية التي يمكن ان تحققها تلك المشاريع على المستوى الاقتصادى في المستقبل وعدم اقتصار الأمر على المواقف السياسية.

وذكر جالابوف ان التصريحات التي ادلى بها امس الرئيس البلغاري جيورجي بارفانوف تعليقا على نوايا الحكومة الجديدة أكدت رؤيته اذ اشار الى انه من المهم عندما يتم عمل استراتيجية جديدة للطاقة البلغارية فانه من المهم توافر عوامل الاستمرارية وألا يتم عمل التقديرات فقط على قاعدة الانفاق ولكن على ما يمكن ان تربحه بلغاريا في هذه الفترة وكان الرئيس البلغاري ذكر quot;ان مشاريع الطاقة الكبرى فى الخطة الاستراتيجية للفترة من عام 2015 وحتى 2020 تمثل استثمارا في امن الطاقة للدولة واذا أردنا ان نصبح مركزا للطاقة في المنطقة البلقانية كما اعلنا فيجب ان نقدر بشكل حساس ودقيق ما يجب عمله وانه لا يمكن ان تلقي الدولة بأمن طاقتها في أيدي القطاع الخاص الاجنبيquot;.

بينما يقول المحلل السياسي ومدير مركز الديمقراطية والدفاع عن الحريات اميل تسوليف في حديث خاص مع (كونا) انه في حال تطبيع التهديدات بتجميد مشاريع الطاقة من الجانب البلغاري فان الامر سوف يكلف موسكو خسارات ضخمة تصل الى المليارات من اليورو اضافة الى انها ستخالف الخطط الاستراتيجية لروسيا بتخفيف الاعتماد على عمليات عبور الغاز الروسي (ترانزيت) من الاراضي الاوكرانية وروسيا البيضاء عند تصدير الغاز الطبيعي الروسي الى السوق الاوروبي.