أشرف أبوجلالة من القاهرة: بعد أن أفادت أنباء في إسلام آباد بأن المخابرات الباكستانية تلقت معلومات مؤكدة عن مقتل بيت الله محسود قائد حركة طالبان وزوجته وعدد من أفراد عائلته عندما سقط صاروخان أطلقتهما طائرة أميركية من دون طيار على منزل والد زوجته في قرية في مقاطعة وزيرستان الجنوبية، خرجت وكالات الأنباء ووسائل الإعلام المحلية والعالمية، لتبرز خبر وفاة واحد من رموز المقاومة المسلحة في البلاد التي تشهد حربا ً حامية الوطيس بين القوات الباكستانية وحلفائها الغربيين ضد الميليشيات المسلحة. وقد خصصت من جانبها اليوم مجلة فورين بوليسي الأميركية تقريرا ً مطولا ً تناولت فيه حادث مقتل محسود، وكتبت تحت عنوان ( ماذا تعني وفاة عدو باكستان الأول ؟ )، وقد ذكّرت المجلة في بداية تقريرها بتلك القائمة التي أعدتها مجلة التايم الشهيرة بعددها السنوي الذي أصدرته عام 2007 لأقوى مائة شخصية في العالم، حيث أوردت محسود من ضمن هذه الشخصيات.

وقد كان محسود قد أعلن وقتها الجهاد على الغرب. وأشارت المجلة كذلك إلى أن محسود كان قد صرح وقتها بأنه يسعى إلى تدمير البيت الأبيض، ونيويورك، ولندن وأن العالم سوف يشهد عما قريب معجزات الجهاد، وبعدها رصدت واشنطن مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار أميركي لمن يدلي بمعلومات ترشد عن محسود بعد أن وصفته الخارجية الأميركية بأنه يمثل تهديداً واضحاً على المصالح الأميركية في المنطقة. وقد فاجأ محسود كثيرين داخل وخارج البلاد يوم الحادي والثلاثين من شهر مارس / آذار الماضي، عندما أعلن مسؤولية حركته عن الهجوم الذي استهدف أكاديمية الشرطة في مدينة لاهور شرق باكستان. وقد أسفرت تلك العملية التي استمرت على مدار ثماني ساعات عن مقتل ثمانية من رجال الشرطة وأربعة من منفذي الهجوم، وتم إلقاء القبض على أربعة آخرين.

ورأت المجلة في سياق حديثها أن السمعة التي اكتسبها محسود على مدار السنوات القليلة الماضية بعد أن اشتهر على سبيل المثال بمعارضته الشديدة للهجمات التي تنفذها الطائرات الآلية، وكذلك اتهامه من جانب السلطات الباكستانية والسي آي إيه مطلع شهر يناير عام 2008 بضلوعه في اغتيال رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة، بينظير بوتو، في ديسمبر عام 2007، وكذلك إيوائه للمقاتلين الأجانب، ومعسكراته الخاصة بتدريب الانتحاريين، كل ذلك كان كفيلا ً بتحويل محسود إلى أسوأ قادة باكستان العسكريين، الذي وُجهت إليه اتهامات أيضا باللعب في أيدي القوي الأجنبية، ومن بينها الولايات المتحدة والهند، لزعزعة استقرار باكستان. وقالت المجلة إنه وعلى الرغم من أن محسود كان يمتلك جسماً ممتلئاً، ولا يزيد طوله عن 5.2 أقدام، إلا أن الكاريزما التي كان يحظى به، جعلت الناس يخمنون أنه أكثر طولا ً وأكثر قوة من الناحية البدنية.

وبعد أن استرسلت المجلة في الحديث عن استلهامه للكثير من الخبرات من الملا محمد عمر، زعيم حركة طالبان الأفغانية، وكذلك من زعماء آخرين أمثال قائد تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري، نوهت المجلةبإقدام محسود، الذي كان مصابا ً بمرض السكر، على الزواج للمرة الثانية في سبتمبر عام 2008 ، حيث إنه لم تسفر زيجته الأولى عن إنجاب أطفال. وعن التأثيرات والسيناريوهات المتوقع حدوثها خلال المرحلة المقبلة في أعقاب الاختفاء المفاجئ لمحسود من المشهد السياسي في باكستان، قالت المجلة في البداية إن هذا الاختفاء أصاب أنصاره بالصدمة. وأشارت إلى أنه وعلى الرغم من أن استبعاد احتمالية حدوث حالة من الهلع نتيجة لخروجه من المشهد المسلح للبلاد، إلا أن التأثير النفسي على الأفراد العاديين لمجموعة تحريك طالبان ( التي أسسها محسود في ديسمبر عام 2007 ) سيكون كبيرا ً على الأرجح.

وتمضي الصحيفة لتقول إنه وحتى وقت قريب، اتفق معظم المحللين المتتبعين للأعمال القتالية الخاصة بتنظيم القاعدة في المنطقة على أن الجماعات الراديكالية مثل تلك المجموعة التابعة لمحسود تبدو أكثر اتحادا ً وأفضل من حيث الاتصال عما كانت عليه من قبل، وبذلك تم تشكيل تهديد أكبر على المنطقة والعالم. ولهذا السبب، رأى محللون، حسب المجلة، أن وفاة محسود قد تبدد quot;وحدة القيادةquot; التي كانت متواجدة في ظل قيادته. كما قالت المجلة إن جميع هذه المجموعات التي تنازلت عن هوياتها الإقليمية واندمجت في هيكل القيادة المركزي الخاص بمجموعة تحريك طالبان، ربما تنشق مرة أخرى إذا ما تحول السباق لخلافة محسود إلى هدف متنازع عليه.

وحتى إذا تمت معركة الخلافة بشكل سلس، فإن الرسالة التي خلَّفها هجوم الطائرة الآلية المميت بين صفوف المسلحين كانت رسالة واضحة وقوية؛ وهي: لن يفلت من العقاب أي فرد أو جماعة تتحدى أوامر دولة أو عدة دول. وفي الوقت ذاته، عرضت المجلة لتشير إلى حالة التوتر وانعدام الثقة التي وُجدت بين المؤسسات الأمنية الباكستانية والأميركية بسبب بيت الله محسود الذي ظلّ مصدرا ً لتلك الحالة. وقالت إنه من المأمول الآن أن يعمل هجوم الطائرة الآلية وما تبعها من تداعيات على محو تلك الحالة على الأرجح، وسيزيل الاحتكاك المتبادل، وسيمهد الطريق لتنسيق وتعاون أكثر قوة بين باكستان والولايات المتحدة في ملاحقة المسلحين المنتمين إلى طالبان والقاعدة.

وختمت المجلة في النهاية بالقول إن الشيء المؤكد الآن هو أنه ومن خلال رحيل رمز الإرهاب بيت الله محسود، رحلت أيضا ً ما يُطلق عليها quot;وحدة قيادةquot; مجموعة تحريك طالبان. وهو ما سيكون له دور بالتالي في إحداث تغيير في هيكل القيادة المركزية، وجعل المجموعة عرضة للضغط على كلا الجانبين من خط دوراند، الذي تم رسمه في عام 1893 لكي يفصل بين الإمبراطورية البريطانية آنذاك وأفغانستان.