الفن الاصيل رؤية وتطلعا
&
كيف يمكننا التطرق لتجارب فنان اختار السكن في مملكة الالوان، وزاول الرسم اليومي على مدى اربعة عقود، وبدون توقف؟ انه نعمان هادي، هذا الفنان المقل في الكلام، والمبتعد عن الاضواء، ومزاولة الرسم عنده تشبه اداء فروض طقوسية، ذلك انه يمتلك الخبرات الكبيرة ويعرف كيفيات تطويع المواد الخام وسبل تحريها فنيا وتقنيا، كما انه يشتغل بمنطق الرؤى والمواقف الفلسفية المؤكدة لثقافته الغزيرة.
ان نعمان هادي، يعد واحدا من رسامي جيل العقد السابع وتزامنت اهتماماته الفنية مع لفيف من الفنانين العراقيين الملتصقين ببعضهما، صلاح جياد وفيصل لعيبي، ووليد شيت، لقد كانوا اربعة فنانين متشابهين لدرجة التطابق، ولكنهم كانوا متواصلون بداب وحرص ومحبة، وبداية الخطوة كانت وفق السياقات المعتادة تبدا مع الرسم الواقعي او المحاكي، ذلك الضرب من الرسم المردد بامانة لملامح المرئيات في خارج اطر اللوحة، وبذا فانهم تشابهوا في التوجهات الفنية وحتما باسباب معطيات وضغوط الواقع الحياتي والبيئي في العراق، وشاءت ارادتهم ان يغادروا العراق في فترة مبكرة من عمرهم الفتي انذاك، الا الفنان وليد شيت الذي اثر البقاء في داخل البلاد ودفع الثمن غاليا.
يبدو لي ان النهج الواقعي الذي اتبعه الفنان نعمان هادي، يختلف كليا عن نهج الفنانين الاخرين، حيث انه كان ينظر للعالم والوجود وسبل المعالجات الفنية والادائية كانت تنحو باتجاهات الفنون التي تزاوج بين النهجين الواقعي والتعبيري على حد سواء، فكيف يكون ذلك؟
لقد كان نعمان، وخلال الية الاشتغال في الرسم، يبقي على حركة يده السريعة ويطبعها في الالوان والخطوط ويهتم بالوقت نفسه على رسم التفاصيل والاجزاء بطريقة احترافية تدل على المهارات والخبرات الكبيرة في مجالات تطويع المواد اللونية ورسم لوحة ناجحة بكل المعايير، بيد ان عملية الابقاء على بعض معالم الاداء اثناء عملية تاسيس اللوحة واتضاح حركة اليد، وهذا ما نطلق عليه بالنهج التعبيري، اذا ثمة خصوصية في البحث اللوني والخطي، ناهيك عن وجود مقوم اخر وخصوصية اخرى تكمن في قيم الانتقاءات الموضوعية واكساب الانشاء التعبيري اهمية اخرى من خلال التاكيد على ملامح العادات والتقاليد العراقية التي تكاد ان تندثر او ان اكثرها استحال الى حيز المثيولوجيا الحبيسة في الذاكرة الجمعية والتي انقطع التواصل معها وغابت عن فصول الحياة اليومية نهائيا.
لعل اغلب المتابعين لتحولات الفنون العراقية عبر قرن من الزمان، يدركون بان هذه الفنون حضيت بمبدعين واساتذة فن ونقاد وان من بين الاتجاهات الجديدة هو الرسم على المنوال الواقعي، ونعمان هادي احد اهم الاسماء المعنية بهذا الموضوع، منذ اشتغاله المبكر في مطلع العقد السابع في مجلة مجلتي وحتى بعد تكليفه برسم ملامح من الموروث العراقي من قبل ادارة المتحف البغدادي، والرسم عنده رسالة اخلاقية واجتماعية وتوثيقية فرسم الكثير من العادات والتقاليد والمعالم الحضارية كالمباني والازقة والشوارع وبعض ملامح الناس، وضمن هذا السياق كان بارعا في الانتقاء ودقيقا في تحقيق اعلى قدر من المشابهة، وايلاء اهمية للمنظور وتجسيد البعيد والقريب ودراسة كل حيثيات التحول الضوئي وانكسارات الظلال والمتلقي لاعماله يشعر بحيوية المشهد ويدرك الخبرات الكبيرة والهائلة التي تقف وراء كل لوحة، وهكذا درجت تجاربه الابداعية في تطور وتنام منقطع النظير.
وفي تجاربه الاخيرة التي انجزها بعد سنة 2003 فانه كان منشغل بتجسيد قضايا الحياة العراقية بكل ما انطوت عليه من تاريخ متاس ومفجوع وقضايا حياة الناس الخاسرين تهمه كثيرا، والاهم في الامر اتخاذ الموقف الانساني النبيل خلال اصعب واتعس مرحلة تاريخية يمر بها بلده العراق.
هذه مقدمة مختصرة وربما هي مدخل تمهيدي لدراسة التحولات الاسلوبية في فن الفنان الاصيل نعمان هادي، هذا الفنان المحمول برسالة وطنية وانسانية وعلى مدى تجاربه الكثيرة فانه اعطى الكثير الكثير دون ان ياخذ حتى القليل.

&