أندريا كليمنتي: في العديد من الحالات، لا يكفي أن يعمَـل المرءُ ويحصُـل على أجر ليعيش بكرامة. ففي سويسرا، هناك عشرات الآلاف من quot;الفقراء العاملينquot;، فيما يوشِـك الكثير من الأشخاص على الإلتحاق بهم. دراسة حديثة أنجزها كانتون برن سلّـطت الضوء بالتفصيل على الظاهرة واقترحت بعض الحلول الممكنة لها.
الحديث عن الفقر في بلدٍ من بين أكثر البلدان العالم ثراءً، ليس مسألة سهلة أو هيِّـنة. هذا ما أكّـدته مداخلات العديد من المشاركين في أول quot;قمة اجتماعية لكانتون برنquot;، وهو لقاءٌ نُـظِّـم يوم 22 يونيو 2009 لتحليل ومناقشة المعطيات التي توصّـل إليها تقرير ضخم، أنجزته وزارة الصحة العمومية والوقاية الاجتماعية في حكومة برن المحلية.

ومع أن الفقر في سويسرا لا يتّـخذ نفس مظاهر البؤس التي يُـمكن أن تُرى في أماكن أخرى من العالم، إلا أنه واقع موجود، مثلما ذكّـر فيليب بيرّونو، المسؤول عن الصحة العمومية والوقاية الاجتماعية في كانتون برن. وفي إطار هذه الرؤية تحديدا، تمّ إنجاز الدراسة التي نوقشت في quot;القمةquot;، استنادا إلى مُـعطيات إحصائية وإلى حصيلة عدد كبير من الاستجوابات الشخصية.

ويُـمكن القول أن الصورة التي رسمتها النتائج التي تمّ التوصل إليها، مثيرة للانشغال، حيث اتّـضح أن 7% من العائلات المقيمة في الكانتون، تعيش أوضاع فقرٍ، إضافة إلى ذلك، يُـخشى من التحاق 5% آخرين بالوضعية نفسها.

عمليا، هناك حوالي 50000 عائلة (يشكِّـلون ما مجموعه 90000 شخص، من بينهم 20000 طفل) من بين إجمالي عدد السكان في الكانتون الذي يُـقدّر بمليون شخص، يُـمكن اعتبارها فقيرة أو مهدّدة بالفقر. إضافة إلى ذلك، يتلقّـى 18800 شابا تقلّ أعمارهم عن 25 عاما مساعدات اجتماعية.

الحوار والتحرّك
السيد بيرّونو شدّد على أنه يجب قبل كل شيء، quot;وضع الفقر في قلب النقاش العموميquot;، وهو ما يعني الحديث عن الظاهرة بشكل مفتوح. مع ذلك، يظل هذا الإجراء غير كافٍ للحدّ من المشكلة، لأنه quot;إذا ما أريدَ فعلا تقليص الفقر، فيجب أن تُـدرج المسألة أيضا ضمن أولويات الأجندة السياسيةquot;.

من بين الإجراءات الممكن اتِّـخاذها، هناك تحسين مستوى التعليم المدرسي والتكوين المستمر وتوسيع مجال العمل لجزء من الوقت (لمساعدة الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم مع أطفال)، إضافة إلى توفير خدمات استشارية فيما يتعلّـق بالتصرّف في الميزانية الشخصية، موجّـهة للشبان.

الاندماج والمراقبة
في سياق متصل، كشف تقرير بوضوح عن توجّـه سبق أن تمّ تسجيله على المستوى الوطني، ويتمثّـل في أن ظاهرة الفقر تمسّ بشكل خاص العمال الأجانب، وبالتحديد أولئك القادمين من بلد يقع خارج الاتحاد الأوروبي، واتّـضح أن 20% منهم يعيشون بدون توفُّـر الإمكانيات الملائمة، مقابل 5% من السويسريين.

وخلال المؤتمر، أشار أندرياس ريكنباخر، المسؤول عن الاقتصاد العمومي في كانتون برن، إلى أن السبيل لتحسين وضعيتهم، يستوجب المساعدة على اندماجهم مع ضمان مراقبة ملائمة لسوق الشغل في الوقت نفسه، لتجنُّـب توظيف أشخاص بطُـرق غير قانونية، مقابل حصولهم على مرتّـبات منخفضة.

جُـهد مشترك
على المستوى الوطني، تقوم الإستراتيجية الرامية إلى الوقاية من الفقر ومكافحته على مقاربة ذات مستويات ثلاث، تشمل رصد استثمارات على المستوى الاجتماعي (في مجالات التكوين ومساعدة العائلات لإيواء الأطفال بما يُـعزِّز فُـرص النشاط المهني للآباء، وسوق الشغل، بإيجاد وظائف بأجور ملائمة) ولفائدة التأمينات الاجتماعية.

من جهته، اعتبر لودفيغ غارتنر، نائب مدير المكتب الفدرالي للتأمينات الإجتماعية، أن مكافحة الفقر مهمّـة لا يُـمكن أن تنجح في غياب مقاربة مشتركة ومنسَّـقة بين جميع الأطراف المتدخلة فيها، أي الكنفدرالية والكانتونات والبلديات والدوائر الاجتماعية ومنظمات العون والمساعدة.

الحاجة إلى رؤية شاملة
إيف فلوكيغر، أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة جنيف ومدير مرصد الشغل، قدّم من جهته حصيلة لما أنجِـز حتى الآن في سويسرا لمواجهة الفقر، وأوضح في تصريح لـ swissinfo.ch أن quot;الجانب الأكثر إيجابية، يتمثّـل في توفّـر آليات مساعدة تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات مختلف مناطق البلاد. فعلى سبيل المثال، تختلف تكلفة الحياة حسب المدن والمناطق، والنظام السويسري للمساعدات والعلاوات يأخذ هذا الواقع بعين الاعتبارquot;.

ولدى تطرّقه إلى الأوجه القابلة للتحسين، أشار فلوكيغر إلى ظاهرة ضُـعف التنسيق بين مختلف أشكال الدعم القائمة، وقال: quot;على المستوى الفدرالي والكانتوني والبلدي، يتمّ التحرّك مثلا عبْـر تقديم مساعدات لفائدة التأمين على المرض والسكن، لكن في مُـعظم الحالات، لا يُـعلَـم ما إذا كانت هذه المساعدات ناجعة فعلا. وفي الواقع، هناك افتقار لرؤية شاملة لسياسة إعادة توزيع الأموالquot;.

وأكّـد فلوكيغر من جانبه على ضرورة التخلّـص من المحرّمات التي لا زالت تُـحيط بظاهرة الفقر، وقال: quot;نظرا لأن أشكال المساعدة ليست مُـرتبطة بطريقة آلية بالدخل، فإن العديد من الأشخاص، لأسباب اجتماعية أو ثقافية، ليست لهم الشجاعة لطلب مساعدةquot;، إضافة إلى ذلك، quot;لا ينجح الكثير من السكان في الخروج من ظروف الفقر، لأنهم عندما يتمكّـنون بعد جُهد جهيد من الترفيع قليلا في دخلهم، يتبخّـر ذلك التحسّـن الطفيف على الفور، جرّاء الضغط الجبائي وخسارة المساعداتquot;، التي كانوا يحصُـلون عليها سابقا.

ويُـشير أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة جنيف إلى أن هؤلاء الأشخاص quot;لا يُـقرِّرون مواصلة الحصول على المساعدة، نتيجة التقاعس أو سوء النية، ولكن ببساطة، لأن البديل سيكون أسوأ، لذلك، فمن الضروري (ابتكار) سياسة تُـشكِّـل محفِّـزا حقيقيا على تحسين الوضع الخاصquot;.