في اوراق التقويم السنوي ، لايمكن لمحبي الرياضة العراقية الا الاشارة بأصابعهم الى يوم الرابع والعشرين من آذار / مارس ، والحادي والثلاثين منه ، بفاصل زمني قدره (30) عاما ، يذهبون الى استذكار السنة التي ولد فيها هذا اليوم ، سنة 1963 ، والذكرى التي تتألق فيها، وحمل اليوم ذاك اسما جميلا ومميزا سرعان ما اشتهر وكان علامة من علامات الرياضة والتلفزيون في العراق ، بل كان احد (الموروثات الشعبية) ان صح التعبير ، لانه ارتبط بالذاكرة الشعبية التي ما زالت تحمله على سطحها وتستأنس به ، كما انه موسيقى المقدمة والنهاية له ارتبطت لدى الناس بأسم البرنامج وليس اسم سمفونية (حلاق اشبيلية) وانها حملت اسم مؤيد البدري وليس الموسيقار الإيطالي (جواكينو روسيني).

انه برنامج (الرياضة في اسبوع) الذي ألتصق بمبتكره مؤيد البدري ، الاسم الذي له رنينه الخاص في نفوس العراقيين جميعا على مر السنوات التي تقترب من تكون نصف قرن ، واحتضنته شاشة تلفزيون بغداد ، بعد نحو سبع سنوات على تأسيس التلفزيون العراقي الذي بدأ بثه عام 1956 ، لذلك من حق البدري ان يقول بملء محبته (تاريخ 24 آذار من عام 1963 يمثل نقطة تحول مهمة خلال حياتي الرياضية التي امتدت منذ تخرجي عام 1957 وحتى الآن ، وتكمن نقطة التحول هذه بالتحول من المجالين التدريسي والصحفي اللذين كنت أمارسهما الى المجال التليفزيوني) ، ومن الطريف ان اخر حلقة قدمها البدري كانت في 31/ 3/ 1993 ، اي ان عمر البرنامج كان (30) عاما ، وقد تضاربت الانباء حول حقيقة (اعتزال) البدري لاسيما انه كان يعتبر البرنامج مثل احد ابنائه ، وكان يقضي معه يوم الثلاثاء من الصباح الباكر الى انتهاء عرض الحلقة ، يعمل كل شيء بيده ولا يترك صغيرة او كبيرة الا وهي متقنة ، خاصة مع اعتراف مخرج البرنامج ان البدري عندما اعلن اعتزاله ذلك اليوم امام الجمهور رحل وهو في حالة نفسية سيئة جداً .

ويقول مخرج البرنامج لمدة 17 سنة عبد الحليم الدراجي حول قرار اعتزال البدري : جاءني الاستاذ مؤيد البدري ذات يوم وقال لي : سأعتزل البرنامج !!، وكان قبل ذلك قد اخبر المكتب الخاص للمدير العام للاذاعة والتلفزيون بذلك ، وحينما سألته عن السبب ، قال : هناك قناه رياضية متخصصة ستفتح ، وان المجال لم يعد كافيا عندها لتقديم برنامج (الرياضة في أسبوع) ، فالأخبار الرياضية وقتها كانت قليلة فكيف الحال اذاما فتحت قناه رياضية متخصصة ، اكيد انها ستسحب البساط من تحت اقدام البرنامج تدريجياً .

واضاف الدراجي : كما ان هناك سبباً اخر وهو ان البدري لم يتلق دعما ً كافياً لانجاح البرنامج وتحقيق ديمومته من قبل القائمين على البرامج انذاك ، وليس هناك صحة لما اشيع من انه واجه ضغوطاً او اوامر بأنهاء البرنامج .

كما يشير الدراجي الى ان محاولات عديدة جرت لاعادة البدري ، ومنها كما يذكر انه ذهبت الى صباح ياسين المدير العام وأخبره ان الشارع العراقي والرياضي يقول انه وراء اعتزال البدري ، فتعجب صباح وطلب من الدراجي مقابلة البدري واقناعه بالعودة ، ويضيف : وفعلا عاد البدري وقدمت المذيعة ميسون البياتي خبر عودته للجمهورعبر التلفزيون ، وقدم البدري عدة حلقات ولكن عندما افتتحت قناة الرياضة انتفت الحاجة للبرنامج وتوقف ولم يستدع البدري بعدها.

كانت هذه الثلاثون عاما مليئة بالاحداث الرياضية العراقية ، مليئة بالشغف العراقي لاخبار الرياضة من اي كان مصدرها ، لذلك كان العراقيون ،على قلة اجهزة التلفزيون في بيوتهم آنذاك، يبحثون عن الساعة التاسعة من مساء الثلاثاء ليجلسوا امام تلك الاخبار واللقطات التي كان يدبجها البدري ويقتطعها من افلام عديدة ومن مصادر كانت قليلة ونادرة ، وكان الالتفاف حول البرنامج يتسع لاسيما انه يقيم احتفالات لمناسبات الفوز العراقي في ميادين الرياضة المختلفة حيث يستضيف الرياضيين ، وكان البرنامج يمتلك مساحة كبيرة من العفوية بالاضافة الى اسلوب البدري الذي ينتمي الى (السهل الممتنع) في مخاطبة المشاهدين ، فتجد الجميع يحلق حول البرنامج ، ولا يمكن اغفال انه لعب دورا مهما في التشجيع على ممارسة الرياضة .

لذلك .. برنامج (الرياضة في أسبوع) لم يكن ظاهرة برامجية عادية ، لم يكن ابن مرحلته ووقته وظروفه ، بل كان حالة أكدت حضورها القوي والفاعل على مدى سنوات طويلة في المجتمع العراقي ، كما ان البدري تميز في برنامجه بأنه أكسب الجمهور ثقافة رياضية رصينة ماكانت متوفرة في حينها ، وظل البدري العلامة الفارقة لهذا البرنامج من خلال اعداده المميز كونه رياضيا وكاتبا ، وفي تلقائيته في التقديم وخبرته في كيفية توظيف الأحداث الرياضية لجذب المشاهدين ، لاسيما انه مارس التعليق الرياضي فكان الاعجاب الجماهيري به مزدوجا او منسجما مع العمل في البرنامج الذي اكسب البدري احتراما اخر .

ولهذا .. بعد غياب البرنامج واعتزال مقدمه لم يظهر برنامج رياضي يوازيه او يقترب منه على الرغم من كثرة الفضائيات ووجود العديد من الصحفيين الرياضيين ، حتى حين حاول البدري في الحلقات الأخيرة من البرنامج ان يصنع بديلا ناجحا له بأستضافته عدد من الطامحين الى تقديم البرامج الرياضية ، فكان هؤلاء مقليدين له ، وحاول ان يخرجهم من التقليد ولكنهم لم يجدوا بدا من التقليد وعدم الخروج من عباءة البدري لاكتساب النجاح ، لكنهم فشلوا فغاب البرنامج تماما عن الشاشة ، ولو تمعنا في اسباب عدم بروز برنامج يضاهي (الرياضة في أسبوع) او يماثله نجد ان الخلل يكمن في الأشخاص اولا ، حيث ان من يحاول ان يبتكر برنامجا نراه يحاول تقليد البدري ورسم خطوط وفقرات للبرنامج تشبه ماكان يقدمه البدري وهنا يحدث الفشل .

مرت 47 سنة على ولادة البرنامج ، وستمر 17 سنة على غياب البرنامج ، لكنه ما زال كأنه يبث الان ، لا اسم مؤيد البدري نسته الناس ولا اسم الرياضة في اسبوع لفه النسيان ، وما زال وجه ابو زيدون بملامحه القريبة الى النفس وابتسامته التي تتغير ، وما زال صوته يرن في ثنايا الذواكر معبرا عن ذكريات حية لبرنامج اصبح جزء من الموروث الشعبي .