مع توجه عدد كبير من السياح إلى جنوب افريقيا لمشاهدة نهائيات كأس العالم، فإن المسألة المعلقة على شفاه كثيرة هي: ما مدى خطورة هذه الدولة؟

فجنوب افريقيا هو المكان الذي تقع فيه الكثير من الجرائم، بحيث من الصعب تفنيدها ومجادلتها. ففي المتوسط يقتل خمسين شخصاً كل يوم. وبالإضافة إلى هذا، هناك 18 ألف عملية اغتيال كل عام، وهناك 18 ألف محاولة القتل أيضاً.

والقتل هو العنصر الرئيسي في نشرات الأخبار، ففي نسيان الماضي تصدرت أنباء اغتيال يوجين تيربلانش المتطرف السياسي اليميني في البلاد.

وفي وقت سابق من هذا الشهر ثم العثور على جثة ايمانويل جاكسون صاحب الملهى الليلي تيزرس في منزله في كمبتون بارك الواقع على مشارف جوهانسبرج. حتى أنه في الفترة الحالية التي تسبق نهائيات كأس العالم، فإن الصحف البريطانية كانت سعيدة لنقل صور مرعبة من جنوب افريقيا، حيث ذكرت إحداها لقرائها أن ثقافة كيب تاون هي quot;رجال العصابات والمخدرات والاغتصاب والسرقة والقتل كل 25 دقيقةquot;.

لذا هل ينبغي على مشجعي كرة القدم الخوف على حياتهم في نهائيات كأس العالم؟

إنها صورة معقدة بالفعل. يجيب الدكتور يوهان برغر، الباحث الرئيسي في الجريمة وبرامج العدالة في معهد جنوب افريقيا للدراسات الأمنية. إذ يقول إن أول شيء هو أن معدل جرائم القتل في جنوب افريقيا بدأ بالتراجع: quot;على عكس ما يعتقده الكثيرون، فإن معدل جرائم القتل، على رغم أنها ماتزال مرتفعة للغاية، تراجعت بنسبة 44 في المئة منذ عام 1995. وهذا انخفاض كبيرquot;. ويمكن أن يكون الانتشار الجغرافي والاجتماعي للقتل ذات صلة بالزوار أيضاً.

وأضاف برغر: quot;ما هو مهم لفهم ارتفاع معدل الجريمة عندنا هو اننا نعرف من خلال الأبحاث أن حوالي 80 في المئة من جرائم القتل تحدث داخل سياق اجتماعي محدد جداً، ومعظمها بين أشخاص يعرفون بعضهم بعضاً. هناك شيء خاطئ في بعض مجتمعاتنا من حيث التفاعل والظروف الاجتماعيةquot;.

وبعبارات صريحة، فإن المناطق التي تعاني من مستويات للقتل، التي يمكن أن تكون عشوائية، تكون نسبتها أعلى عن المتوسط الوطني. وتتشرف كوا ماشو، وهي بلدة خارج ديربان في كوازولو ناتال، بكل أسف، بإطلاق الصحافة عليها اسم عاصمة الجريمة في جنوب افريقيا مع 300 قتيلاً في العام الماضي وحده. واستولت على هذا الشرف غير المرغوب فيه من نيانغا، البلدة التي تقع خارج كيب تاون. وهذه ليست نوعاً من المناطق التي يرتادها السياح بشكل منتظم.

ويؤكد برغر أن الابحاث التي قام بها أكاديميين آخرين تشير إلى أن الأساس الاجتماعي هو السبب لارتفاع الجريمة في هذه المناطق. ويضيف: quot;هناك معدلات جريمة مرتفعة جداً بسبب البطالة في بعض المناطق، وهذا كله يؤدي إلى عنصر كبير من الاحباط وغالباً ما يكون شرارة لاندلاع العنف. إن الفجوة بين الأغنياء والفقراء تزداد اتساعاً وتؤدي إلى ما يعتبر الحرمان النسبي. وهذه الفجوة واسعة جداً وواضحة. ويتفاقم الوضع أيضاً بسبب ضعف تقديم الخدمات، وهناك اختلال وظيفي كامل وهذا ما يقود إلى عدم الرضا وفي بعض الأحيان إلى الاحتجاج بعنف كبير للغايةquot;.

وهناك أيضاً العديد من الجرائم الأخرى، بصرف النظر عن القتل، والتي ينظر إليها على أنها مشكلة حقيقية في جنوب افريقيا. فالأرقام الوطنية تشير إلى وقوع 203777 جريمة quot;الاعتداء بقصد إلحاق أذى جسدي خطيرquot; قد تكون مثيرة للقلق، إذ أنه من الصعب مقارنة هذا مع الجرائم التي تقع في المملكة المتحدة مثلاً (662 جريمة بضمنها القتل غير المتعمد وقتل القاصرين في 2008/2009 بالمقارنة مع 18184 جريمة في جنوب افريقيا)، حيث تم جمع احصاءات مختلفة على رغم أن لدى المملكة المتحدة عدد سكان أكبر (61 مليوناً مقارنة مع 48 مليون نسمة في جنوب افريقيا).

ومثل جرائم القتل، فقد تم موازنة الجرائم الأخرى جغرافياً. فمن عمليات السطو على 18438 منزل في جنوب افريقيا في العام الماضي، كانت 8122 منها في مقاطعة غوتنغ التي تضم أيضاً جوهانسبورج.

وسرقة السيارات هي الفئة الأخطر لروايات معظم الزوار من أوروبا. وهناك اشارات وضعت في بعض التقاطعات تشير إلى أماكن سرقة السيارات. ويتجنب السواق من التوقف في تقاطعات أخرى عند الاشارة الحمراء، خصوصاً في الليل، مفضلين دفع الغرامة عن خطر الاختطاف. والكثير من السياح يستأجرون السيارات، ومثل أي شخص آخر، يتعرضون لخطر من هذا النوع. ويمكن ملاحظة بكل وضوح أنه في quot;معظم الأوقاتquot; ضحايا سرقة السيارات يتعرضون للتهديد أو ازالتهم بالقوة من السيارة ولكنهم لا يصابون بجروح خطيرة.

ويؤكد غرايم هوسكين، مراسل بريتوريا لأخبار الجريمة، أنه خلافاً لمعظم فئات الجرائم العنيفة، فإن حالات سرقة السيارات سجلت ازدياداً كبيراً في جنوب افريقيا على رغم أن الشرطة تبذل قصارى جهدها لمحاربتها. وهو ينصح: quot;الحفاظ على أغلاق أبواب السيارة أثناء القيادة، ولا تتوقف عند الغرباء أو الأشخاص المنهارين في الشوارع، والضوء الأزرق لا يعني بالضرورة أنها سيارة الشرطة، وإذا حصلت عملية السطو فلا تقاومquot;.

وهناك جريمة أخرى قد تشكل بعض الخطر على الزوار، وهي السرقة في الشوارع. ويقول الدكتور برغر: quot;الناس نادراً ما يصابون بجروح خطيرة أو الطعن بالسكين أو اطلاق النار عليهم. وفي معظم الحالات فإنهم مهددون. وسيجد المجرمون في نهائيات كأس العالم فرصة كبيرة للقيام بعملياتهمquot;. وهو بدوره ينصح الزوار باتخاذ عدداً من الخطوات للحد من فرص تعرضهم للسرقة في الشوارع، إذ يقول: quot;تجنب الدعاية، ولا تظهر أنك تحمل أشياء ثمينة، واتخذ الاجراءات الوقائية من خلال الذهاب إلى بعض الأماكن في مجموعات من خمسة أو ستة أو سبعة أو أكثر من الأشخاص. والأهم من كل ذلك، حاول أن تجد مركزاً لالتماس المشورة، فالسكان المحليين يعرفون الأماكن والأوقات التي ينبغي تجنبها من قبل الزوار الذين يجب أن يبقوا بعيدين عن مناطق معينةquot;.

وبطبيعة الحال فإن مسألة الجريمة كانت وماتزال على رأس جدول الأعمال لمنظمي نهائيات كأس العالم. فقد أعدت دوائر الشرطة في جنوب افريقيا الخطة التي تشمل إضافة عدد كبير من ضباط الشرطة ووضوح رؤية أفراد الشرطة بكثافة في الشوارع ونشر فرق متخصصة بدرجة عالية. وعلى رغم ارتياح الدكتور برغر من هذه الخطة التي شاهدها وأثارت إعجابه للغاية، إلا أن هوسكين يؤكد أن هناك شعوراً عميقاً من عدم الارتياح: quot;تقول الحكومة ان الجريمة في طريقها إلى الانخفاض، ولكن هناك 50 شخصاً يقتل كل يوم في أماكن متفرقة، وهناك شكوكاً حول حقيقة ما يجريquot;. وأضاف: quot;على رغم أن الجريمة آخذة في الانخفاض، إلا أنه في كثير من الأحيان تكون عنيفة للغاية: السطو المسح واختطاف الأشخاص مروعة جداً. ويأتي اللصوص ليس للسرقة فقط بل لمهاجمة الزوجين، باغتصاب الزوجة والاعتداء بشدة على الزوجquot;.

وبينما يمكن لشرطة جنوب افريقيا أن تشير إلى انخفاض الجريمة بسبب الجهود التي تبذلها، إلا أنه تبدو محاربة الخوف من العنف أكثر صعوبة