يعتقد البعض في جمهورية روسية مضطربة بأن امتلاك ملياردير لنادٍ لكرة القدم هو الحل لمشكلة البلاد، في حين يختلف الآخرون عن هذا الرأي.

تدفق الآلاف من الرجال والفتيان نحو الضوء الساطع المنبثق من بين المباني المتداعية وسط ماخاتشكالا عاصمة داغستان الفقيرة لحضور مباراة لناديهم، مع ملاحظة عدد لا يحصى من رجال الشرطة يصطفون على الأرصفة يصرخون محذرين المشجعين للبقاء قبالة الطرق، وبعضهم معه كلاب وجميعهم كانوا يحملون بنادق.

وفي الجمهورية التي تعودت على هجمات المتمردين التي تأتي على شكل يومي تقريباً، فإنه يمكن أن يُغفر المرء بالتفكير أن محلاً آخراً تم تفجيره أو ضابط شرطة تم اغتياله. ولكن في تلك الليلة كانت هناك إجراءات أمنية مشددة للغاية للسبب آخر: كرة القدم.

فمنذ أن اشترى الصبي المحلي الذي أصبح مليارديراً سليمان كريموف نادي أنجي ماخاتشكالا الرئيسي في الجمهورية في كانون الثاني الماضي، فقد ارتفعت كرة القدم إلى هيبة اسطورية في داغستان، وتجلت بوصفها علاجاً لكل العلل الكثيرة فيها. ففي الواقع فإن العلل كثيرة، ومنها ارتفاع معدل البطالة إلى عنان السماء وتفشي الفساد وتمردات متزايدة التي جعلت داغستان مركزاً للعنف في روسيا. ولكن جيرمان كيستياكوف، المدير العام في أنجي، يقول: quot;باستطاعة كرة القدم أن تغير المظهر الكامل لداغستان. قد تغير وجهات نظر الناس وتبيّن لهم أن الحياة ستتغير أكثرquot;.

وراهن كريموف، وهو مقرب من حكم الأقلية في الكرملين الذي تقدر ثروته بـ4.9 بليون جنيه استرليني التي جعلته الرجل الـ118 الأغنى في العالم وفقاً لتصنيف مجلة فوربس، على الكثير من أمواله على هذا التغيير.

وعلى رغم أن كريموف لم يعلق على علاقته مع الكرملين، إلا أنه من المعروف أن القيادة الروسية quot;طلبتquot; من الرجال الأكثر ثراء بالالتزام بتنمية المناطق الأسوأ حالاً في البلاد وتطويرها.

وكريموف كان حريصاً على إظهار مشاركته بذلك، بتنظيمه رحلات لعدد من الصحافيين الأجانب، بما فيهم صحيفة quot;ذي غارديانquot; البريطانية، للحضور إلى داغستان لمشاهدة هذا التغيير بأنفسهم.

ومنذ شراءه النادي، فقد انقض على مهاجم الكاميرون صامويل إيتو واسطورة البرازيل روبرتو كارلوس. وبعضهم يقول إن الأول يتقاضى الأعلى أجراً في العالم حيث يبلغ 22 مليون يورو (19 مليون استرليني) سنوياً (وبعضهم يدعي أن أجره 9 ملايين). وهناك ملصقات إعلانية له في كل شارع في ماخاتشكالا، إما للترويج لأنجي أو للراعي quot;مكافونquot; شركة تجهيز الهاتف النقال.

ومازالت شائعات الاستحواذ على لاعبين نجوم قائمة، فقد نوقش جلب ليونيل ميسي من برشلونة ولاعب تشلسي آشلي كول ويوهان كاباي من نيوكاسل. ويشاع على أن كريموف عرض على جوزيه مورينيو أجراً شهرياً قدر بـ1.83 مليون استرليني لتولي تدريب النادي بعد إقاله مدربه كادجي كادجييف في أيلول الماضي.

كل هذا يطرح السؤال البديهي: هل كانوا يعرفون أين يتوجهون؟

يرد إيتو لمراسل quot;ذي غارديانquot; بعد مباراته الأخيرة في الدوري الروسي: quot;أنا سعيد بوجودي هنا. أريد أن أنمو مع هذا الفريقquot;.

وعلى رغم هذه المشاعر الدافئة، إلا أن الوضع في داغستان مضطرب جداً، فلا يسمح لأي من اللاعبين أن يعيشوا هناك. بدلاً من ذلك فإنهم يعيشون حياة مترفة في موسكو. أما مراكز التدريب الخاصة بهم فتتمركز خارج العاصمة، وأنهم يطيرون إلى ماخاتشكالا قبل يوم واحد من مباراتهم على أرضهم، فيتدربون ويلعبون مباراتهم، وبعد ذلك يستلقون الحافلة التي تقلهم فوراً إلى المطار لتعود بهم طائرة خاصة مباشرة إلى موسكو.

ولكن كيستياكوف يؤكد أن هذا الإجراء لا يتعلق بالحالة الأمنية، إذ يقول: quot;نحن بحاجة إلى توفير ظروف وخدمات جيدة للاعبين وهذه لا وجود لها في عاصمة داغستان لحد الآن. نحن نلعب هنا، لذا فإن الأمر لا يتعلق بالأمن. قد يحدث أي شيء في أي لحظةquot;.

ولكن هذا الشيء غالباً ما يقع. فقد نصبت مصابيح لبدء العمال في إعادة إلاعمار بعد تفجير واجهات محلات مؤخراً قريبة من مدرجات الملعب.

وأسفرت اعتداءات منسقة بانفجار ثلاث سيارات مفخخة عن مقتل 6 أشخاص وإصابة 50 آخرين معظمهم من أفراد الشرطة. وكان هذا الهجوم الأكبر في الجمهورية منذ أشهر، حيث أن عملية القنص هي أكثر شيوعاً وتقتصر الهجمات إلى حد كبير على أفراد الشرطة على رغم أن المارة يصابون أيضاً.

وتعتقد الحكومة وقيادة أنجي، بأن نادٍ من الدرجة الأولى يمكنه أن يغير هذا الوضع. ويعلق على ذلك رسول خابولايف، المتحدث باسم رئيس داغستان محمد سلام محمدوف: quot;لداغستان كرة القدم ليست فقط لعب كرة القدم. إنها ظاهرة اجتماعية بأكملهاquot;.

ويقوم كريموف برمي مبالغ في النادي لا حصر لها، حيث يتم ترميم الملعب وانفاق ما لا يقل عن 15.6 مليون استرليني لبناء مراكز لكرة القدم مع ملاعب للأطفال في كل أنحاء الجمهورية. لذا يؤكد خابولايف أن كل هذا يلعب دوراً ايجابياً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية من حيث تجهيز شيئاً ما للشباب للقيام بهquot;.

أما التوقعات بالنسبة إلى معظم الشباب في داغستان فهي قاتمة، فالصراعات متزايدة مع المتمردين ونسبة البطالة الرسمية تبلغ 11.6 في المئة، على رغم تأكيد بعض الخبراء على أنها أكبر من ذلك بمرات عدة. وعلى الأرجح تأتي معظم الوظائف من قبل الحكومة. في الوقت الذي يقول غولنارا رستاموف، وهو ناشط محلي في مجال حقوق الإنسان: quot;إنهم يغلقون أعينهم على المشاكل الرئيسية، فطالما الأموال تتدفق على العاصمة، فإن هناك تقسيماً أكثر. هناك شيئاً أكبر للكفاح من أجلهquot;.

وبالإضافة إلى تعزيز نادٍ لكرة القدم، أعلن الكرملين أيضاً عن خطة بمبلغ 9.4 مليون استرليني لبناء سلسلة من منتجعات التزلج على الجليد في منطقة القوقاز المضطربة، في محاولة لخلق المزيد من الأعمال وجلب الآمان إلى المنطقة.

ولكن العديد من نشطاء يقولون إنها مجرد علامة أخرى على أن الكرملين في حيرة من أمره حول ما يتعين القيام به حيال المنطقة وسط تصاعد العنف فيها وتنامي حركات قومية في قلب روسيا، في الوقت الذي تريد موسكو التخلي عن الفلول الأخيرة من امبراطوريتها.

ويحتل أنجي حالياً المركز الثامن في الدوري الروسي الممتاز، على رغم أنه يضم لاعبين بارزين. ولكن على الأقل هو أعلى ترتيباً من تيريك غروزني، النادي الذي روّج له بصخب شديد رمضان قديروف زعيم الشيشان المجاورة والذي يحتل الترتيب الحادي عشر.

ويقول ارتور دومبونرافوف، عضو في نادي محبي أنجي: quot;إن منطقتنا متوترة وهي بقعة ساخنة، ولكن كرة القدم هي جيدة بالنسبة إلى العلاقات العامة. والآن الجميع في كل أنحاء العالم يعرفون كل شيء عن أنجيquot;.

ويحلم أرتور أن يشاهد منتخبات دولية تلعب على أرض داغستان عندما تستضيف روسيا نهائيات كأس العالم 2018، إذ يؤكد: quot;ستكون فرصة لإظهار جانب آخر من داغستان، حيث سيستطيع الناس أن يأتوا ويروا بأم أعينهمquot;.

وهذه هي شهادة على الحياة في انخفاض مستوى التمرد، فاغتيال أفراد الشرطة هي حالة شائعة، وعلى نحو متزايد هجمات واسعة النطاق على الزعماء الدينيين الذين تعترف بهم الدولة الروسية. ولكن الحياة مستمرة في داغستان كما لو كانت طبيعية.

فعلى ملعب دينامو في ماخاتشكالا مؤخراً، لم يعر أحداً أي اهتمام بشرطة مكافحة الشغب وبنادقهم الكلاشنيكوف، بل كان الآلاف من الرجال والفتيان ndash; وبضع فتيات ndash; يتوجهون إلى مدرجات الملعب لمشاهدة مباراة ناديهم بحماس وهم يهتفون بشعارات ويلوحون بالأعلام لنسيان، ولو لبضع ساعات، الحياة التي تنتظرهم خارج الملعب.

إلا أن أرسين ابراهيموف (42 عاماً) وهو ميكانيك سيارات الذي حضر المباراة مع نجله وابن أخيه يقول: quot;يعتقد البعض بأن داغستان هي بعض من حيوانات هذا الكوكب، لكننا نعيش بشكل طبيعي، حتى اللاعبين الأجانب فيمكنهم من الحضور إلى هناك ليشاهدوا بأنفسهمquot;.

فيما يؤكد كيستياكوف: quot;ينتقد العديد من الناس هذا النادي لإنفاقه أمولاً ضخمة في سوق الانتقالات، ولكن هذا ليس سوى غيض من فيض، حتى نتمكن من تغيير تشكيلة الفريق. وبالتوازي مع ذلك، نحن نستعد لأشياء أكثر أهمية. لدينا مهمة كبرى: تغيير الحياة (نحو الأفضل) في هذه الجمهوريةquot;.