توفي ليل الإثنين عن سن 70 عاما، أسطورة سباقات الفورمولا واحد وبطل العالم السابق ثلاث مرات النمسوي نيكي لاودا الذي اقترنت مسيرته بحادث مروع كاد أن يودي بحياته، تعرض له عام 1976 وتسبب باشتعال النيران في سيارته وهو بداخلها.

وأفاد متحدث باسم عائلة لاودا وكالة فرانس برس، أن الأخير الذي خضع العام الماضي لعملية زرع رئة، أسلم الروح ليل الإثنين على سرير في المستشفى الجامعي في مدينة زوريخ السويسرية، محاطا بأفراد عائلته.

وقالت عائلته في بيان نشرته وسائل إعلام نمسوية "بحزن عميق نعلن أن عزيزنا نيكي توفي بسلام يوم الإثنين 20 مايو 2019، محاطا بأسرته".

واعتبرت العائلة أن الانجازات التي حققها لاودا في حياته، أكان على الصعيد الرياضي أو إدارة الأعمال لاسيما في قطاع الطيران، "لا تنسى وستبقى كذلك. ديناميته التي لا تكل، وصراحته وشجاعته ستبقى مثالاً ومرجعا بالنسبة لنا"، مضيفة "بعيدا عن الحياة العامة، كان زوجا، أبا وجدا يحب ويهتم بالآخرين. سنفتقده كثيرًا".

أحرز لاودا المولود في العاصمة النمسوية فيينا، بطولة العالم للفومورلا واحد ثلاث مرات (1975 و1977 مع فيراري، و1984 مع ماكلارين)، في مسيرة تحول خلالها الى واحد من أساطير سباقات السرعة، أكان لمهارته على الحلبة، أو لقدرته على العودة الى المنافسة بعد حادثه.

طبع السباقات والحلبات خلال السبعينات ومطلع الثمانينات من القرن الماضي، لكن المحطة الأبرز كانت نجاته من الموت في الأول من آب/أغسطس عام 1976، عندما تعرض على متن سيارته فيراري، لحادث مروع على حلبة نوربورغرينغ الألمانية، أدى الى إصابته بحروق بالغة لم يمح الزمن آثارها من على وجهه.&

التهمت النيران سيارته بعد خروجها عن المسار، ويدين ببقائه على قيد الحياة إلى تدخل السائقين الآخرين الذين أخرجوه من السيارة بعدما ظل بداخلها لنحو دقيقة.&

صدمت صور الحادث العالم بأسره. لكن لاودا المقاتل عاد إلى الحياة... والسباقات. بعد نحو ستة أسابيع فقط من رقوده على سرير المستشفى بين الحياة والموت، أذهل لاودا الجميع بقراره المشاركة في سباق جائزة إيطاليا الكبرى على رغم آثار الحادث والاصابات الخطيرة على وجهه.

في ذلك الموسم، نافس على اللقب حتى السباق الأخير مع البريطاني جيمس هانت الذي توج بطلا في نهاية المطاف. هذه المنافسة المحمومة التي كشفت عن شخصية غير اعتيادية للسائق النمسوي، شكلت محور فيلم "راش" للمخرج الأميركي رون هاوارد عام 2013.

- البطل الناجي -

بعد عام فقط من نجاته من الموت، توج لاودا في 1977 بلقبه العالمي الثاني مع فيراري بعد الأول عام 1975.&

وأعرب الفريق الإيطالي في بيان الثلاثاء عن "حزنه العميق" لرحيل لاودا، مؤكدا أنه "سيبقى دائما في قلوبنا وقلوب كل مشجعي فيراري. تعازينا الحارة الى كل عائلته وأصدقائه".

بعد عامين من لقبه الثاني، اختار اعتزال السباقات والانتقال الى تأسيس أعماله الخاصة، وأولها في 1979 شركة طيران أطلق عليها اسم "لاودا إير".

شغفه بالسباقات أعاده الى الحلبات في عام 1982 ليقود سيارة ماكلارين، وعلى متنها توج مرة ثالثة وأخيرة بلقب بطولة العالم عام 1984.

حتى أعوامه الأخيرة، لم تنقطع صلة لاودا بعالم السباقات.&

أصبح رئيسا غير تنفيذي لفريق مرسيدس في 2012، وبقي دائم الحضور في كواليس الحلبات، وعلى رأسه قبعة حمراء تخفي أسفلها بعض ندوب حادثه المروع. حظي بتقدير لخبرته وصراحته، وانتقد خصوصا فقدان رياضة سباقات الفورمولا واحد "الجانب القتالي للمصارعين".

كانت كلماته مسموعة، وترك بصمته في عالم الفئة الأولى، بعدما دخل مضماره بعكس رغبة والده الثري، بدقة تحضيراته وتصميمه على الحلبات.

ابتعاده الخاطئ عن الفورمولا واحد في عام 1979 كان مرتبطا بشغفه الثاني: الطيران المدني. بصفته رائدًا في الرحلات الخاصة، أنشأ شركة الطيران الخاصة به في العام ذاته قبل أن يبيعها إلى الخطوط الجوية النمسوية في 2002.

لم تكن تلك التجربة الأخيرة لرجل الأعمال الحكيم في عالم الطيران. في عام 2004، أنشأ شركة طيران "نيكي" ذات التكلفة المنخفضة، والتي باعها في عام 2011 لشركة الخطوط الألمانية "إير برلين".

- البدايات مع ميني -

لاودا الذي كان يدير في الوقت نفسه شركة صغيرة لطائرات رجال الأعمال، شهد مأساة أخرى كرئيس لشركة. في 26 أيار/مايو 1991، تحطمت طائرة بوينغ 767 تابعة لشركته أثناء رحلة بين بانكوك وفيينا بسبب عطل فني، وعلى متنها 223 شخصا قضوا جميعا.

حياته في السباقات لم تكن أيضا سهلة. الطفل المولود لعائلة بورجوازية، حارب رفض والديه للمشاركة في سباقات السرعة. لم يكن قد بلغ بعد العشرين من العمر، عندما خاض أول سباق له في عام 1968 على متن سيارة ميني كوبر منحتها له جدته.

الغازات السامة التي تنشقها خلال حادث 1976 أضعفت جسده. بعد عمليتي زرع كلى في 1997 و2005، اضطر إلى زرع رئة في آب/أغسطس 2018، بعدما أصيب بفيروس أثناء إقامته في إيبيزا.

خضع لعملية جراحية في المستشفى العام لفيينا في اليوم التالي لذكرى الحادث، وتعافى بصعوبة. قال في هذا الصدد لصحيفة "بلايك" السويسرية "من الصعب العودة. لا تقارن بالحروق التي تعرضت لها بعد حادث نوربورغرينغ (...) لقد توفيت لفترة وجيزة، ولكني قمت مجددا".