الدمام: عندما تنجح الدراما في محاكاة الواقع وبحث أسباب المشاعر والانفعالات وردود الفعل بين البشر، وليس هذا فقط، وإنما عرض القضايا الاجتماعية التي تختلج مجتمعًا كالمجتمع الكويتي، عندها لا بد أن نشيد بالنجاح للقائمين على مثل هذه الدراما، وهذا ما ينطبق على مسلسل quot;زوارة خميسquot;، والذي حقق نسبة مشاهدة عالية، وجذب الجمهور من بداية الشهر الكريم.
وبعد الانتهاء من عرض المسلسل كاملاً والذي بلغ الثلاثين حلقة لا بد أن نتحدث عن بداية العمل، وكيف استطاعت الكاتبة هبه مشاري حمادة جذب هذه النسبة العالية من المشاهدين، وإن أخفقت بعض الشيء في عدد من الحلقات التي جاءت في المنتصف، ولكن يُحسب لها المحافظة على الذروة والصراع في حلقات كثيرة، وحتى النهاية.
أما المخرج المبدع محمد القفاص فاستطاع بث صورة إبداعية في هذه الدراما الاجتماعية التي تتشابك وتترابط خيوطها وأحداثها، وظهر هذا في عدم شعور الجمهور بالملل والكآبة بل انتابه نوع من الانسيابية في الأحداث، وتدفق في المشاعر لدى الممثلين بمختلف أدوارهم، وهذا إن دلَّ يدل على تناغم كبير بين فريق العمل ككل بدايةً من التأليف إلى الأداء التمثيلي نهاية بالإخراج.
وإذا نظرنا إلى الأداء التمثيلي فالنجاح والتألق للجميع، وهذا يجعلنا نشدد على أهمية التقارب بين الأجيال، وتناقل الخبرات، وخاصة في وجود هذا الكم من الوجوه الصاعدة والشابة وبعض الوجوه المألوفة دراميًّا، بالإضافة إلى تواجد القدرة والخبرة التمثيلية في الفنانة سعاد عبد الله quot;موزةquot;، والفنان محمد المنصور quot;ثنيانquot;.
فالجميع جذب الانتباه ونجحوا في ربط المشاهدين بكمية من الأحاسيس المفعمة بالواقعية فهذه إلهام الفضالة quot;ناديةquot; أخت موزة أتقنت دور الأخت الخائنة، وquot;موزة الصغيرةquot; شجون أدت دورها بشجون فعلاً في الأحاسيس وَضَحَ على معالمها، ونجد أن الكاتبة نجحت في صنع ثنائيات وأدوار متبادلة بين الشخصيات، فهذا خالد أمين quot;مرزوقquot; المحقق وزوجته دلال quot;لمياء طارقquot;، وسعود quot;خالد البريكيquot; وزوجته الأولى أمينة quot;مرامquot;، ومشاري البلام quot;أحمدquot; وزوجته ملاك (تسنيم).
ويأتي دور الأبناء لتكتمل الصورة الواقعية للعمل فأدوار أبناء quot;موزةquot; وquot;ثنيانquot; كانت لهم أدوار مؤثرة فالابن فيصل quot;حسين المهديquot;، والابن الجعدة عز quot;حمد العمانيquot;، وابنة موزة الوحيدة شاهة quot;بثينة الرئيسيquot; وابن شقيق ثنيان quot;عبد الله الزيدquot;.
ولكن البعض لام الكاتبة على دوران الأحداث وتمحورها حول الأم quot;موزةquot; وتحملها كل هذه الأعباء والمشاعر والمشاكل ولكن اعتقد أن هذا ليس عيبًا طالما أدى ذلك إلى نتيجة ونهاية مناسبة بموتها في المشهد الأخير من الأحداث عندما رفضت الدخول إلى بيت زوجها السابق quot;ثنيانquot; وتوفيت أمام المنزل في مشهد مثير للأشجان والأحزان وبطريقة مفاجئة فهذه النهاية من النهايات المفاجئة والصادمة ونجحت الكاتبة في تبريرها بشكل كبير وجعلت لها العديد من المقدمات المنطقية إذا صح التعبير.
في الوقت ذاته رفض البعض الآخر تحول الزوج quot;ثنيانquot; هذا التحول الشاذ دون مبررات قوية تمهد لهدم هذه الأسرة بل هدم هذه الحياة المليئة بالحب والطمأنينة، ولكن لا بد أن ننظر إلى النفس البشرية وطبيعتها، ونقول طبيعتها، وليس طبيعة الرجل فالنفس البشرية يدخل فيها الجنسان الرجل والمرأة؛ فكما أن quot;ثنيانquot; تحول هذا التحول هناك أيضًا نادية quot;إلهام الفضالةquot; -الخائنة للأمانة والعِشرة الطيبة للأسرة- أخت quot;موزةquot;.
ووسط كل هذا الزخم من التشابك والترابط بين الأحداث والشخصيات تظهر روح الأسرة؛ ليشعر المشاهد بأن الأسرة هي المكون الأساسي لأي مجتمع ناجح، وركن مهم في سعادة الفرد، كما أنها في حقيقة الأمر نعمة يُقدِّرها الله لمن يشاء مثلها مثل أي شيء في الحياة يهبه الله للإنسان، والذي يُحرم منها لا يستطيع تعويضها ولو بكنوز الدنيا جميعًا.
ولا بد أن نسجل هنا أن سوء استخدام معطيات العصر الحديث من تكنولوجيا وخلافه، وما تبع ذلك من الانفتاح والعولمة كأسباب واقعية في مجتمعاتنا أدت إلى اهتزاز القيم وتزعزع الدين الواضح كانوا حاضرين في العمل والأحداث والصراع والذروة الدرامية، فإن تحول النفس البشرية نتيجة طبيعية لذلك وإن كان هذا مبرر خفي لا بد من الإشارة إليه.
التعليقات