من المعروف أن كل من يكتب عما جرى خلال العقد الأول من القرن الـ 21 في أي بلد سيبدأ من أوائل الألفية الثالثة؛ إلا أن الأحداث في باكستان تبدأ من 12 أكتوبر عام 1999م، حيث انقلب الجيش الباكستاني مرة أخرى على الديموقراطية بقيادة الجنرال برويز مشرف الذي كان عائدا من سريلانكا ولم ينزل على الأرض بعد. وكان نواز شريف يرأس الحكومة وحزبه يتولى الحكومة الفدرالية والحكومات الإقليمية الأربعة مع حلفائه.

إسلام آباد: استهلت باكستان القرن الواحد والعشرين في ظل حكم العسكر عندما تولى الجنرال برويز مشرف حكم البلاد ألقى كلمة نارية أمام الشعب بعد منتصف الليل منددا بالحكومة الديموقراطية لسوء إدارتها مبررا للحكم العسكري بالوضع الأمني المتدهور. وبعدها أعلن برنامجا ذات سبعة نقاط بينها القضاء على الفساد وتعريف حكومة شعبية نزيهة.

هجمات 11 سبتمبر

برويز مشرف

مع مرور الوقت بدأ الشعب يكتشف أن الجنرال مشرف ليس هو الذي جاء لإنقاذ الشعب من الديموقراطية الفاسدة، فجاءت هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001م وانقلبت الموازين السياسية في باكستان رأسا على عقب؛ لأن مشرف أعلن الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة ضد حكومة طالبان في أفغانستان ردا على مكالمة هاتفية. وقد أكد وزير الخارجية الأميركي آنذاك كولن باول فيما بعد quot; قدمنا إلى مشرف سبع مطالب وكنا نتمنى أن يوافق على نصفها؛ إلا أننا فوجئنا بموافقته على الجميعquot;. وهذه كانت النفطة التي تسببت في توسيع هوة الخلاف بين الحكومة والشعب.

تشكيل حزب الرابطة الإسلامي جناح القائد الأعظم:

وكانت الحكومة الجديدة في البداية بدت جيدة إلى أن تمكن مشرف من تشكيل حزب جديد تحت مسمى حزب الرابطة جناع القائد الأعظم بحشد العديد من قادة الحكومة السابقة إضافة إلى ضم بعض الأحزاب الصغيرة الأخرى إليهم. وكان ذلك استعدادا لإجراء انتخابات عامة في البلاد خلال عام 2002م.

تشكيل مجلس العمل الموحد:

وقد أبدى الشعب الباكستاني ردا عنيفا على وقوف باكستان إلى جانب الولايات المتحدة لتدمير أفغانستان. واستغلت الأحزاب السياسية الدينية هذا الوضع ولأول مرة في تاريخ باكستان تمكنت من تشكيل جبهة موحدة باسم quot; مجلس العمل الموحدquot;. وأعلنت خوض المعركة الانتخابية لعام 2002م برعاية العسكر تحت لائحة الدفاع عن أفغانستان وحماية المصالح الوطنية الباكستانية ومعارضة النفوذ الأميركي في المنطقة.

وأخيرا جرت الانتخابات في غياب زعيمة حزب الشعب الباكستاني بينظير بوتو وزعيم حزب الرابطة ورئيس الوزراء السابق نواز شريف؛ لأن الأولى كانت تعيش في المنفى بسبب اتهامات الفساد الموجهة إليها بينما اضطر الأخير لمغادرته إلى المملكة العربية السعودية خارجا من قلعة (أتك) الشهيرة ليعيش منفيا لمدة عقد من الزمن بعد وساطات دولية لإنقاذه.
انتخابات عام 2002م:

كشفت انتخابات عام 2002م عن نتائج غير متوقعة للعديد من الجهات المعنية إذ تمكن مجلس العمل الموحد من تشكيل الحكومة في إقليمين إلى جانب مشاركته في الحكومة الإقليمية الثالثة إضافة إلى حرزه أكثر من 90 مقعدا للجمعية الوطنية ليصحب أكبر حزب معارض في البرلمان الذي يتكون من 342 نائبا، في حين شكل حزب الرابطة جناح القائد الحكومة المركزية بقيادة ظفر الله خان جمالي؛ إلا أن هذه الحكومة لم تكن أكثر من quot;دميةquot; بيد quot;الرئيس التنفيذيquot; والذي كان دائما يفتخر بكونه quot;مغواراquot;، إذ يتخذ القرارات ويعلم مجلس الوزراء عنها عن طريق وسائل الإعلام.

محاولات تحيسن العلاقات مع الهند:

ورغم جميع تحفطات المعارضة على سلوك مشرف، أعلن مشرف خطة لتحسين العلاقات مع الهند وزارها؛ لكنه عاد خالي الوفاض بعد محادثاته مع رئيس الوزراء الهندي في آغرة عن قضية كشيمر تلك الشوكة التي تغص الهند وباكستان معا.

الهدنة على خط وقف إطلاق النار والحظر على المجموعات الجهادية:

ومن خلال هذه المحاولات لتحسين العلاقات مع quot;الجارة الكبرىquot; أعلنت الحكومة الباكستانية هدنة أحادية على خط وقف إطلاق النار بين شطري كشمير عام 2003م. وبذلك مكنت الهند من تسييج الخط المتنازع عليه كما تم فرض الحظر على المجموعات الجهادية التي تحارب القوات الهندية في كشمير. وبذلك بدأ نضال التحرير يتماوت في كشمير المحتلة، رغم أن استقلال كشمير عن الهند كان على مرمى حجر حسب رأي بعض المحللين بعد بداية حركة التحرير المسلحة في عام 1989م. وهكذا أجهضت باكستان تحت الضغوط الأميركية على تلك الحركة التي قدمت أكثر من 90,000 شهيد حسب المصادر الكشميرية.

وكان مشرف في البداية يدعو المجتمع الدولي إلى التمييز بين الإرهاب ونضال التحرير في كشمير؛ إلا انه ركع أمام الضغوط في نهاية المطاف وبنفسه سوى بين الإرهاب ونضال التحرير.

المفاوضات الشاملة مع الهند:

ورغم فشل القمة الباكستانية الهندية استمرت المفاوضات السرية بين الهند وباكستان والتي سميت فيما بعد المفاوضات الشاملة للبحث عن حلول للقضايا العالقة بين الجانبين، إلا أنها لم تثمر ولو بعد مرور خمس سنين. وقد توقفت بعد هجمات مومباي في 26 من نوفمبر عام 2008م.

باكستان تتحول إلى دولة أمنية:

عناصر من الشرطة الباكستانية امام المسجد الأحمر

وبعد وقوف باكستان إلى جانب الولايات المتحدة لغزو أفغانستان، بدأ الوضع الأمني في باكستان يتدهور. إذ بدأت عمليات المداهمة والاعتقالات في كل مكان وأعلنت باكستان أنها تمكنت من اعتقال أكثر من 750 عضوا للقاعدة لتسليمها إلى أميركا؛ وبينهم السفير الأخير لإمارة أفغانستان الإسلامية الملا عبد السلام ضعيف والذي قضى سنوات في غوانتامو ليعود إلى بلاده ويكشف من خلال كتاب عما جرى له في ذلك المعتقل. وقد تسببت عمليات الاعتقال في إفشاء الذعر والخوف بين الشعب وبدت باكستان وكأنها تحولت إلى دولة بوليسية.

العمليات العسكرية في المناطق القبلية وبلوشستان:

كان الأميركيين يرون أن حركة طالبان أفغانستان لن تعود إلى ساحة المعركة بعد اختفائها عن الساحة خلال شهور من الغزو الأميركي لأفغانستان؛ إلا أن الأوضاع بدأت تتغير مع مرور الوقت وتبددت أفكار إلحاق الهزيمة العسكرية بطالبان مع ازدياد عدد هجماتهم على القوات الأجنبية. وبدأت أميركا تزيد من الضغوط على باكستان للعمل ضد المسلحين في المناطق القبلية الباكستانية مبررة باختفاء قيادات طالبان والقاعدة هناك إضافة إلى لجوء عدد كبير من المسلحين الأحانب إلى تلك المنطقة.

وفعلا بدأت المواجهة المباشرة بين القوات الباكستانية والمسلحين في منطقة وزيرستان الشمالية. وبعد تكبد خسائر فادحة من الجانبين انتهت العملية العسكرية باتفاقية عام 2006م؛ إلا أن الأوضاع لا تزال متوترة بسبب الغارات الجوية الأميركية على المنطقة.

كما وأن الحكومة أعلنت عملية عسكرية ضد المتمردين البلوش في إقليم بلوشستان عام 2006م وقد قتل خلالها زعيم الحزب الجمهوري الوطني ورئيس حكومة إقليم بلوشستان السابق شيخ قبيلية بكتي نواب أكبر بكتي والنائب للمجلس الإقليمي بالاج مري. وهذه العملية خلفت تداعيات سلبية على إقليم بلوشستان وقد لاذت قيادات التمرد إلى أفغانستان. ورغم سيادة هدوء نسبي على إقليم بلوشستان لا يزال الوضع يلمح إلى شر قادم.

عملية المسجد الأحمر وعملية سوات وباجور:

نواز شريف

أصبحت باكستان بعد عام 2006م دولة أمنية لا تهمها إلا الأمن وهذا الوضع مستمر حتى يومنا هذا. ولعل عملية المسجد الأحمر في قلب العاصمة إسلام آباد عام 2007م - والتي خلفت أكثر من 1,000 قتيل حسب المصادر غير الرسمية و94 قتيلا حسب المصادر الرسمية- أصبحت نقطة انطلاق الحركة المسلحة ضد الحكومة في منطقة سوات، حيث فقدت الحكومة سيطرتها على المنطقة وانفلتت الأمور من أيديها في حين ازدادت وتيرة العمليات الانتحارية بشكل مرهب وغير مسبق، مما دفع الحكومة إلى الزج بالجيش في المنطقة لإجراء عملية عسكرية ضد المسلحين خلال عام 2008م.

وقد تسببت هذه العملية في تشريد أكثر من مليوني نسمة من المنطقة؛ إلا أنها نجحت في الأخير وقد عاد أهالي المنطقة إلى بيوتهم قبل ثلاثة أشهر إلا أن ممتلكاتهم راحت ضحية الفوضى. وقد حصدت العملية أكثر من 1,000 قتيل في صفوف المسلحين وعدد كبير من الجيش. ولم يستقر الوضع في المنطقة بعد إذ تتواصل الاغتيالات من جانب جهات مجهولة، في حين لا يمكن للإعلام الحر تغطية ما يجري هناك، بسبب تواجد الجيش. كما وأن منطقة باجور القبلية أيضا شهدت عملية عسكرية خلال عام 2007-2008م ضد المسلحين التابعين لحركة طالبان باكستان المحظورة؛ إلا أن المنطقة هادئة نسبيا هذه الأيام.

عملية وزيرستان الجنوبية:

من جهة أخرى تواصل القوات المسلحة عملية عسكرية ضد المسلحين في منطقة وزيرستان الجنوبية منذ ثلاثة أشهر وقد بدأت العملية الأخيرة منذ شهر سبتمبر الماضي بعد مقتل زعيم حركة طالبان بيت الله محسود في غارة جوية أميركية. وتدعي الحكومة أن العملية تستمر بدون أن تشهد مقاومة تذكر من جانب المسلحين؛ إلا أنه لا يعرف أحد متى ستنتهي هذه العملية، بينما تشير الحكومة إلى استهلال المزيد من العمليات العسكرية في المناطق القبلية الأخرى أيضا. ولا تفوتنا الإشارة إلى أن الهجمات الانتحارية زادت بشكل غريب بعد عملية المسجد الأحمر وتمكنت من استهداف أهم المنشآت الأمنية في لاهور مرتين خلال هذا العام إضافة إلى هجوم على الفريق السريلانكي للعبة الكريكت والهجوم على المقر العام لقيادة الجيش.

الأزمة القضائية:

بنظير بوتو

شهدت باكستان أسوأ أزمة قضائية في تاريخها عام 2007م إذ تم منع قاضي القضاة افتخار محمد شودري من العمل بعد رفضه طلب استقالته من جانب مشرف بسبب بعض القضايا التي أثارتها المحكمة؛ لكن شودري رفض ذلك الطلب وأعرب عن تصميه على رد الاتهامات الموحهة إليه. وبالتالي عاد إلى منصبه منتصرا.

حالة الطوارئ وانتخابات عام 2008م:

وبعد عودة قاضي القضاة إلى منصبه توجس نظام مشرف خيفة من القضاء الحر، فأعلن فرض حالة الطوارئ في البلاد في 3 نوفمبر 2007م، ملغيا الدستور مرة أخرى؛ إلا أن سبعة قضاة بقيادة قاضي القضاة شودري رفضوا هذا القرار وأمروا جميع القضاة بعدم أداء يمين جديدة تحت المرسوم الدستوري المؤقت. وبالتالي أقال مشرف 62 قاضيا رفضوا أداء اليمين.

رغم ذلك لم تدم حالة الطوارئ طويلا بسبب الضغوط الداخلية والخارجية فاضطر مشرف إلى إعلان موعد إجراء انتخابات عام 2008م بعد أن أنجز البرلمان الباكستاني ولايته الدستورية لأول مرة؛ إلا أن مجلس العمل الموحد وبعض الأحزاب السياسية الأخرى رفضت المشاركة في الانتخابات التي ستجرى تحت حكم مشرف. وبذلك تمزق مجلس العمل ولم يعد له وجود في الانتخات.

حركة المحامين:

بدات حركة للمحامين بعد إقالة القضاة وأخذت تتقوى مع كل يوم يمضي بانضمام بعض الأحزاب السياسية والمجتمع المدني إليها. ويقول الخبراء أن حركة المحامين أول حركة تشهدها الساحة الباكستانية وهي تناضل من أجل القضاء الحر. وقد أعيد قاضي القضاة افتخار شودري إلى منصبه مرة أخرى في 9 مارس عام 2008م بعد قيام حركة المحامين وحزب نواز شريف بمسيرة طويلة.

مقتل بوتو وعودة نواز شريف:

انتخب مشرف رئيسا للبلاد وهو في الزي العسكري مرة ثانية بعد إبرام صفقة سرية مع حزب الشعب الباكستاني في 6 أكتوبر عام 2007م. وبالتالي تمكنت بينظير بوتو من العودة إلى البلاد؛ بيد أن نواز شريف لم يسمح له بالعودة وعندما حاول النزول في مطار إسلام آباد، أعيد على متن رحلة أخرى إلى جدة. كما وأن شقيقه شهباز شريف أيضا أعيد إلى الخارج من مطار لاهور.
بدأت بينظير بوتو تقود الحملة الانتخابية لحزبها؛ إلا أنها اغتيلت في (لياقت باغ) في 27 من ديسمبر 2007م وبالصدفة هذا هو المكان الذي اغتيل فيه أول رئيس الوزراء لباكستان لياقت علي خان عام 1949م.

وفي هذه الخلفية الأمنية والوضع السياسي الساخن أجرت حكومة مشرف انتخابات عامة في البلاد خلال شهر فبراير 2008م وقد برز فيها حزب الشعب الباكستاني كأكبر حزب في الجمعية الوطنية بحرزه لـ 120 مقعدا وحزب نواز شريف ثاني أكبر حزب بكسب 91 مقعدا.

الأزمات:

بدأت حكومة حزب الشعب أعمالها بقيادة رئيس الوزراء جيلاني؛ إلا أن البلاد أخذت تشهد أزمة بعد أزمة من أزمة الطحين والسكر والكهرباء والغاز إضافة إلى زيادة أسعار الوقود لمرات عديدة مع تدهور الوضع الأمني.

الوضع الراهن:

تشهد الساحة الباكستانية وضعا أمنيا صعبا هذه الأيام إضافة إلى غلاء متزايد سلب قوة الشعب للشراء والتضخم المرتفع الذي تجاوز حد 40 % خلال السنوات الخمسة الماضية، بينما تبدو الحكومة مترنحة لا تعرف حلا لأي مشكلة؛ وإذا ما يحين موعد إنجاز أي عمل تعلن تاريخا آخر لإنجازه، في حين يتعرض الرئيس زرداري لضغوط شديدة للتخلي عن منصب رئاسة البلاد بعد إبطال المحكمة لمرسوم المصالحة الذي مهد طريقه إلى سدة الحكم بشطب قضايا الفساد ضده.