كشفت المشاركة الواسعة للشباب الفرنسيّ الطلابي في الاحتجاجات التي تجتاح البلاد منذ أيام عن مشاكل بالجملة تشكو منها هذه الفئة العمريّة التي تميزت احتجاجاتها بالعنف في مناسبات عديدة، الأمر الذي جعل كثيرين يقارنون بين انتفاضة 1968 الشبابية وما يحدث اليوم في فرنسا.
باريس: يبدو أنّ الشباب الفرنسيّ الذي يشارك بقوّة في الإضرابات والتظاهرات ضد إصلاح نظام التقاعد، مصرّ على خطف الأضواء من الساسة الخضر واليساريين والنقابات العماليّة التي تقف وراء التصدّي لمشروع الرئيس ساركوزي في الترفيع في سنّ التقاعد.
وركّز الإعلام الفرنسيّ في تغطيته للاحتجاجات القياسيّة التي تشهدها فرنسا منذ أسابيع على quot;عودة تلاميذ الثانوية وطلاب الجامعاتquot; إلى الشوارع، في حين تنبأت بعض الصحف بإمكانية إحياء ثورة مايو 1968 الطلابية التي هزّت عرش الجنرال شارل ديغول وتسببت في تغييرات جذرية في المجتمع الفرنسيّ.
وأعرب المسؤولون الأمنيون الفرنسيون منذ بداية الاحتجاجات عن مخاوفهم من أن تدخل الاحتجاجات النقابية والعمالية ضد قانون التقاعد مرحلة المواجهات والكر والفر بين الشرطة وطلبة المدارس ومجموعات الشباب التي تشعر بالغضب لأكثر من سبب.
وكان لافتا أنّ معظم أعمال العنف quot;الشديدquot; تركزت في المدن التي شارك فيها طلاب الجامعات والمعاهد الثانويّة quot;التائقينquot; إلى الاشتباك مع عناصر الأمن عكس العمال والنقابيين الذين تميّزت تظاهراتهم بطابع سلميّ.
وتعطلت الدروس في تسع جامعات في أنحاء البلاد المختلفة، بعد أن قررت أكثر من ثلاثين جامعة من أصل ما يزيد عن ثمانين المشاركة في الإضراب، رغم استمرار الدروس في أغلبها.
ومن جانبها، أعلنت اتحادات الطلاب أنها ستستمر في الدعوة للتظاهر خلال الأيام المقبلة، في حال وجود داع لذلك، احتجاجا على إصلاح نظام التقاعد.
ومن المقرر أن تجتمع الاتحادات، لاتخاذ قرار بشأن الأعمال المقرر اتخاذها خلال المرحلة المقبلة على ضوء إقرار مشروع قانون إصلاح نظام التقاعد في الجمعية الوطنية ومناقشته حاليا بمجلس الشيوخ، الأمر الذي تحسب له السلطات الفرنسيّة ألف حساب.
وتقول آن ميكسوال وهي مديرة أبحاث العلوم السياسيّة في quot;مركز بحوث الحياة السياسية الفرنسيةquot; في إفادات لصحيفة quot;لوبوانquot; إنّ سوء فهم واضح ينشأ بين الشباب والحكومة الفرنسيّة التي ضيّعت فرصة أخرى للإنصات إلى مشاغل الشبابquot;.
وتضيف آن ميكسوال:quot; يبدو أن رسالة الشباب المحتجّ لم تصل بشكل جيّد للحكومة، التي تتعامل مع التحركات الشبابي على أنها نتاج توجيهات من النقابات العمالية فقطquot;.
وترى الصحيفة أنّ quot;العنصر الجديد في التحركات الشعبية هو دخول التلاميذ والطلبة والشباب عامة في الحركة الاحتجاجية ونزولهم إلى الشارع وبداية مواجهات بين رجال الشرطة في العديد من المدن الفرنسيةquot;، خصوصا وأنّ 312 معهدا ثانويا تمّ إغلاقه بسبب الاحتجاجات بحسب وزارة التعليم الفرنسية.
وتحت عنوان quot;هل تعود ثورة 1968 ؟quot; طرحت جريدة quot; ليبارسيان موضوع تحركات الشباب الفرنسيّ وخلصت إلى القول بأنّquot; البعض في فرنسا يتمنى حدوثها تعبيرا عن الغضب الشعبي وارتفاع مستوى البطالة وسخطا على سياسات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والذي لا يخفي بالنسبة للبعض محاباته للأغنياء ضد الفقراءquot;.
المزيد في إيلاف: |
وأعادت صور الشباب الغاضب في شوارع باريس وعدد آخر من المدن الفرنسيّة شبح احتجاجات الضواحي في 2005 أو ما سمي حينها بـ quot; شغب الضواحيquot;، علاوة على العودة لتداول مصطلح quot;ثورة 1968quot; الشبابية التي غيرت حياة المجتمع الفرنسي في العمق من جميع النواحي، النفسية، والثقافية، والجنسية، والتحررية، والسياسية، والفلسفية، واضطرت الجنرال ديغول إلى الرحيل عن فرنسا مؤقتا، بعد أن عجز عن إيقاف تمرد الشباب الطلابيّ الثائر ضدّ الوضع السياسي المنغلق، والاقتصاديّ المتأزم، وضد المجتمع وتقاليده العتيقة.
وذكرت صحيفة (باريس نورماندي) أنّ بعض الاحتجاجات التي خاضها الشباب تمت بالفعل بالتنسيق مع النقابات العمالية الكبرى التي استدعت طلاب الجامعات وتلاميذ المعاهد، وتكشف الصحيفة التي رصدت تجمعا لـ2000 من تلاميذ المعاهد الثانويّة والإعدادية في منطقة quot;ساحة مادلين quot;عن طرق الشباب في استفزاز الأمن الفرنسيّ بتعمّد إحداث اختناق في حركة مرور السيارات وإحراق حاويات القمامة أو رمي البيض على بعض السيارات.
لكن محللين فرنسيين لم يستسيغوا مقارنة ما يحدث في فرنسا 2010 بثورة 1968، لاختلاف السياقات والفاعلين على المسرح، ويرى المتابعون أنّ الفرق جوهريّ بين شباب تلك المرحلة وتلاميذ الثانويّ الذي تتراوح أعمار بعضهم بين 17 و19 سنة.
ولئن أقرّ كثيرون بوجود معضلة شبابية حقيقيّة في فرنسا نتيجة البطالة ومناخ التوظيف وصراع الأجيال والاستقطاب السياسيّ إلا أنّ مقارنة ما يحدث اليوم برومانسية الستينات يبدو مبالغا فيه من قبل الأحزاب التي تناهض سياسات ساركوزي فالتغيرات السياسية والاقتصادية والثقافية الواسعة التي أعقبت ثورة 1968 جعلت المؤرخين يصنفون الحدث في خانة quot;الثورةquot; التي نقلت فرنسا من جمهورية تبالغ في فرض الواجبات على المواطنين، إلى دولة تضع حقوق مواطنيها في المقدمة، وهو ما يبدو مستبعدا اليوم.
التعليقات