تكثف العديد من الدول جهودها لحماية مصالحها الأمنية والاقتصادية التي قد تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة الأميركية، ويأتي ذلك خشية أي إجراء من قبل واشنطن بخصوص الملف الافغاني، ولا سيما ان أوباما يؤكد أن الحل الطويل المدى لمشكلات أفغانستان يكمن في دول الجوار.


القاهرة: انطلاقاً من قلقها من أن تكون الإدارة الأميركية في طريقها لإنهاء الحرب في أفغانستان، من خلال سحب القوات أو الدخول في مفاوضات أو كليهما، بدأت تُكثِّف باقي دول المنطقة جهودها لحماية مصالحها الأمنية والاقتصادية التي قد تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة، على حسب ما أكدت اليوم صحيفة واشنطن بوست الأميركية.

هذا وقد سبق للرئيس، باراك أوباما، أن أكدأن الحل طويل المدى للمشكلات التي تعانيها أفغانستان في تلك الأثناء يَكمُن في دول الجوار. وفي الوقت الذي تقول فيه دول مثل باكستان والهند، وكذلك إيران وروسيا والصين وجمهوريات آسيا الوسطى، إنها تريد الاستقرار ووضع حد للتهديدات الإرهابية، فإن لكل دولة منها تصورها الخاص بالشكل الذي ترى أن أفغانستان ينبغي أن تكون عليه في المستقبل.

وبينما كان يتم بانتظام الأخذ بمشورة الإدارة الأميركية في ما يتعلق بالشأن الأفغاني، إلا أن الآمال التي تكونت في البداية على أساس أن الأهداف المشتركة في أفغانستان يمكن أن تؤدي إلى إقامة حوار بين الولايات المتحدة وإيران أو اتخاذ قرار بمساعدة أميركية بشأن النزاع القائم بين الهند وباكستان، قد تضاءلت منذ فترة طويلة.

ومضت الصحيفة تقول في هذا السياق إن حل الصراع في أفغانستان يطرح مشاكل معقدة تتعلق بالسياسة لما هو أبعد من دول الجوار المباشر. ولفتت في تلك الجزئية إلى أن المملكة العربية السعودية، التي سبق لها استضافة المحادثات بين حكومة الرئيس الأفغاني حميد كرزاي وحركة طالبان، لا تزال قلقة من النفوذ الإيراني. وكذلك تركيا، التي تعتبر نفسها جسراً بين الغرب والعالم الإسلامي، حريصة على أن يكون لها دور.

كما تعارض الهند، وهي المحطة الأولى للجولة الآسيوية التي بدأها أوباما يوم الجمعة، منح دور للمسلحين السابقين في الحكومة الأفغانية، وهو الاستنتاج المنطقي للمحادثات الوليدة بين الحكومة الأفغانية وطالبان. فالهند قلقة من أن يأتي دمج طالبان على حساب وكيل نيودلهي في أفغانستان، وهو تحالف الشمال السابق من الاوزبك والطاجيك.

أما عن قلق الهند إزاء المسألة، وهو القلق نفسه الذي ينتاب إيران ودول أخرى في المنطقة، فقد أكدت الصحيفة أنه يُُوَجّه بشكل كبير إلى باكستان. فلأسباب عرقية وسياسية، تؤيد باكستان البشتون في جنوب أفغانستان، الذين يسيطرون على طالبان. ولفتت الصحيفة إلى أن إيران وجدت أيضاً قضية مشتركة مع روسيا في الضغط من أجل اتخاذ إجراءات عسكرية أشد صرامة في أفغانستان ضد زراعة الخشخاش وإنتاج الأفيون، وهي الأولوية التي خفضت أهميتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة. في حين تخشى روسيا، التي تدعم معركة مكافحة الإرهاب، من تمديد التواجد العسكري للقوات الأميركية وقوات الناتو في المنطقة، ومن الإهانة خشية النجاح الأميركي حيث سبق وأن فشلت قواتها في ثمانينات القرن الماضي.

في حين قامت الصين، التي تخوض غمار المنافسة مع الهند وروسيا، بتوطيد وتعزيز علاقاتها مع باكستان وقامت بضخ أموال في مشاريع تنمية أفغانية مربحة. وبعيداً عن المناورات السياسية، ذهبت واشنطن بوست إلى التأكيد أن المصالح الاقتصادية الخاصة والحكومية تتنافس الآن من أجل الحصول مستقبلاً على أجزاء كبيرة من فطيرة وقت السلم في أفغانستان، بما في ذلك مليارات الدولارات من وراء الثروات المعدنية، وامتيازات الهيدروكربونات، وحقوق خطوط أنابيب النفط.

ونوهت الصحيفة في هذا الإطار إلى ما سبق وأن صرّح به الشهر الماضي مارك سيدويل، الممثل المدني لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان، حيث قال :quot; هناك سببيقف وراء سعي الجميع إلى الحصول على مصالح، وذلك لأن الأمور تتحركquot;. ولاتزال الدول الرئيسة في المنطقة تتحدث عن إمكانية إنهاء أميركا للعبة في أفغانستان فيما بينها، بعيداً عن مسامع الولايات المتحدة. فقد تبادلت الهند، على سبيل المثال، وفوداً رفيعة المستوى مع إيران وروسيا لمناقشة الشأن الأفغاني؛ كما أجرت روسيا مشاورات عن كثب مع جمهوريات آسيا الوسطى. وسبق لكل من إيران، وروسيا، والهند أن استضافت الرئيس الأفغاني، حميد كرزاي، هذا العام.

ومضت الصحيفة تنقل عن أشلي تيليس، من معهد كارنيغي للسلام الدولي، قوله :quot; تتفق الهند وإيران وروسيا على أنهم لا يريدون فعل أي شيء يُصَعِّب الحياة على قوات التحالف. فهم مازالوا يرون الولايات المتحدة تقوم بالشيء الصحيح في ما يتعلق بمواجهة ذلك العدو المشترك. لكن إن كانوا سيتصورون أن قوات التحالف قد تحركت في الواقع لمحاولة إبرام اتفاق مع طالبان، لا يصب في صالحهم الثلاثة، فإن الساحة ستتأهب حينها، وسيتم تشغيل خطوط الاتصال، ولاسيما أن لكل منهم وكيلا داخل أفغانستانquot;.

فيما قال مسؤول سابق في الاستخبارات الأميركية تربطه علاقات طويلة الأمد بمجموعات تحالف الشمال، بعد أن رفض الإفصاح عن هويته خلال تحدثه إلى الصحيفة الأميركية :quot; تقوم أطراف عدة في أفغانستان باكتناز الأسلحة وإرسال أفراد الأسرة والأموال إلى الخارج. وهذا هو نموذج تخطيطهم للطوارئquot;. ثم ختمت الصحيفة حديثها بالقول إنه في الوقت الذي تُدرَج فيه أفغانستان على جدول أعمال المحادثات بين أوباما ورئيس الوزراء الهندي، مانموهان سينغ، أعلن الهنود بوضوح أنهم لا يريدون ولا يحتاجون إلى المساعدة الأميركية في تعاملاتهم الثنائية مع باكستان.