رغم أنّ حكومة مارغريت تاتشر البريطانيّة أسقطت بسبب رفضها العملة الأوروبية الموحدة، إلا أنّ الأزمات الإقتصادية التي تجتاح عددا من الدول المنضوية تحت لواء اليورو تحيل على صدق تنبؤات تاتشر في تلك الفترة. وهذا ما كشفت عنه مذكراتها التي تطرقت إلى تبريرات وحجج مستندة إلى حقائق اقتصادية لا إلى مجرد عواطف.


لندن: ستمر الأسبوع المقبل الذكرى العشرون على خروج مارغريت تاتشر من دفة الحكم.

وآنذاك كانت الضغوط قد تنامت حولها من كل حدب وصوب لكن القضية التي كانت وراء سقوطها هي العملة التي لم تولد بعد حينها،اليورو.

حدث ذلك بعد مشاركتها في قمة أوروبية في روما جرت خلال عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة من شهر أكتوبر 1990، وهناك كان حلم جاك ديلور رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي على قمة جدول أعمال القمة.

لكن بينما كانت تاتشر تحارب لوحدها ضد تبني عملة اليورو في أوروبا خرج جفري هاو أكثر المنتقدين لها داخل الحكومة البريطانية إلى التلفزيون ليعلن للإعلامي الذي كان يجري معه المقابلة أنّ بريطانيا لا تعارض من حيث المبدأ اليورو.

وعند مشاركتها في جلسة البرلمان البريطاني بعد عودتها من مؤتمر القمة كان عليها أن تصفع هاو بطريقة ما حيث قالت: quot;هذه الحكومة تؤمن بالجنيه الاسترلينيquot; ما دفع هاو إلى الإستقالة وبعد أيام قليلة ألقى خطابه المشهور من خطوط البرلمان الخلفية ومعه انطلقت الحملة لإسقاطها عن الحكم حيث بدأت المنافسة لخلافة تاتشر.

وحسب ما تراه صحيفة الديلي تلغراف البريطانية فإن ما كتبته مارغريت تاتشر في كتاب سيرتها الذاتية الذي صدر عام 1993 يبدو وكأنه نبوءة بما يجري اليوم في دول الإتحاد الأوروبي.

ولم تكن محاججة تاتشر ضد إعلان ديلور ذات طابع عاطفي بل هي تستند إلى أسباب اقتصادية.

فآنذاك تمكنت تاتشر أن تستبصر بوضوح الآثار المدمرة التي سيتسبب بها تبني عملة اليورو الموحدة.

وسجل كتابها كيف أنها حذرت جون ميجور وزير ماليتها المؤيد لعملة اليورو من أن العملة الموحدة لا تستطيع أن تحتوي معا الدول الصناعية القوية مثل ألمانيا ودولا صغيرة مثل اليونان، فألمانيا ستكون مصابة بجنون الخوف من حالة التضخم في حين سيبرهن اليورو مدمرا للبلدان الفقيرة وستدمر هذه العملة اقتصاداتهم المفتقدة إلى الكفاءة.

وبدا الآن وكأن السيدة تاتشر تحمل كرة زجاجية تسمح لها بالتنبؤ بما سيقع في البرتغال واليونان وإيرلندا، وهذا ما يجري منذ قرابة العام في هذه البلدان الثلاثة.

تقول الصحيفة اللندنية اليمينية إن الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني كوهل تجاهلا كلماتها المحذرة وحينما أجبرت على مغادرة منصبها الحكومي عام 1990 فُقد صوت مهم ضد توحيد العملة وتشكلت جبهة بريطانية واسعة تضم كل الأحزاب البريطانية لصالح تبني اليورو.

قد تكون البارونة تاتشر أولى ضحايا العملة الموحدة لكن هناك آخرون كثيرون بعدها يعدون بالملايين، وهؤلاء فقدوا وظائفهم إضافة إلى تلك الدول التي خسرت كرامتها واستقلالها.

ظلت البارونة تاتشر تتهم من قبل خصومها السياسيين بأنها شخص متحجر، لكن أنصار المشروع الأوروبي على استعداد لقبول المعاناة البشرية والمضي في مهمتهم لفرض الوحدة الإقتصادية ووحدة العملة.
كانت تاتشر تعرف ما ستؤول إليه نتائج توحيد العملة ولهذا السبب حاربت بكل ضراوة وعاطفة لإيقاف مسار بروز العملة الموحدة.