فشلت كل مساعي إطالة الرقاب لتمكين العيون والآذان المتلصصة من معرفة ما يدور خلف الجدران السميكة المغلقة في الداخل الأردني، التي تعد خلفها طبخة التغيير السياسي الوشيك. ورغم التعتيم تفرض ثلاث سيناروهات سياسية نفسها على المتابعين والمحللين.


عمّان: امتنعت شخصيات سياسية أردنية رسمية عدة تحدثت معها quot;إيلافquot; عن صرف أي توقعات أو تقديرات بشأن تغييرات سياسية باتت وشيكة في الممكلة الأردنية الهاشمية التي إنتخب سكانها في التاسع من الشهر الحالي برلمانا جديدا هو السادس عشر في تاريخ الحياة السياسية.

ويأتي ذلك وسط انطباعات في الداخل الأردني بأن إحجام وسائل الإعلام، وصالونات عمان السياسية عن صرف أي تحليلات أو إنطباعات بشأن مآل الحكومة الحالية التي يقودها الشاب سمير الرفاعي، تعود أساسا الى أن عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني قد أبقى مشاوراته وإجتماعاته وملاحظاته طي الكتمان، وأنها ينتظر أن تعلن في موعد أقصاه يوم الخميس المقبل، دون إستبعاد أن تكون خلال الساعات المقبلة.

وعمليا تنتهي الإجازة الطويلة لعيد الأضحى يوم الأحد، حتى أن رئيس الوزراء سمير الرفاعي قد عاد هو الآخر في ساعات مساء السبت، بعد أن قضى برفقة عائلته إجازة خاصة في العاصمة البريطانية لندن، إذ إستفسر الرفاعي حال هبوط الطائرة التي أقلته من لندن في عمان، عن المشهد السياسي الداخلي، وعما إذا كانت أي تطورات قد تحول بينه وبين حكومة ثانية قد يرأسها، بعد حكومته الحالية التي تشكلت في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، إذ تؤكد أوساط أردنية بأن بقاء الرفاعي ليس محسوما، كما رحيله، علما بأنه درجت العادة بأن يقوم العاهل باستشارات تنويرية لا إلزامية عبر إجتماعات غير معلنة عادة مع بعض الشخصيات السياسية، وهو الأمر الذي فرغ منه الملك .

ولم يبق سوى عملية الإعلان عن التغييرات التي يتوقع أن تتعدى شكل الحكومة تعديلا أو إعادة تشكيل أو حتى تغييرا، الى تغيير بعض المناصب العليا، وفي مقدمتها مواقع متقدمة في القصر الملكي.

وحتى اللحظة فإن السيناريو السياسي الأكثر تداولا في الأردن هو أن يقدم الرفاعي خلال ساعات إستقالة حكومته الى الملك، ليصار بعدها الى تكليفه مجددا رئاسة وتأليف وزارة جديدة، ستكون هي الثانية له، على خطى والده السياسي المخضرم المعتزل حديثا زيد الرفاعي، والجد الراحل سمير الرفاعي، دون أن يعني هذا السيناريو بأي صورة من الصور أن مسألة بقاء الرفاعي رئيسا للحكومة مسألة في حكم المقضية، فالقرار الأخير وفقا للدستور هو للملك الذي يقرر في نهاية المطاف شكل التغيير إستنادا الى حصيلة تقديرات ومشاورات وإتصالات، كلها تجري خلف جدران مغلقة، ولا تخصص وقائعها للنشر والتداول.

ومن السيناريوهات الأخرى التي قد تبرز هو أن تستقيل الحكومة الأردنية وأن تعهد مهمة تأليف وزارة جديدة الى شخصية أردنية جديدة غير الرفاعي، من بضعة شخصيات دون عاهل الأردن أسمائهم على دفتر ملاحظاته الخاصة، وأخذ بالمفاضلة بينهم خلال الأسابيع الأخيرة، خصوصا وأن الملفات المهمة والثقيلة التي ستواجهها الدولة في المرحلة المقبلة هي قضايا يتداخل فيها الأمني مع السياسي والإقتصادي، ولذلك فإن الملك لا يريد أن تؤلف حكومة جديدة إستنادا الى خلفية أمنية أو سياسية أو حتى إقتصادية صرفة، وأنه يميل الى تشكيلة حكومية جديدة تحتكم الى خلفيات سياسية وأمنية وإقتصادية، فعلى الرغم من الهموم الإقتصادية الضناغطة التي يجابهها الأردن، إلا أن الشخصية الإقتصادية أو الخبيرة ماليا قد لا تكون حلا للأردن في المرحلة المقبلة، وهو الأمر الذي يقود عمليا الى إقصاء أسماء شخصيات إقتصادية إشكالية ومثيرة للجدل، ولو الى حين.

ومن السيناريوهات الأخرى المستندة الى الدستور أن يبادر الملك إلى الإيعاز لسمير الرفاعي بإبقاء حكومته دون إستقالة، على أن تخضع لتعديل وزاري هو الثالث عليها منذ تشكيلها، فالدستور لا يشترط أن تستقيل الحكومة بعد الإنتخابات، كإستحقاق سياسي ودستوري، بل أن القصة برمتها ليست أكثر من عرف سياسي جرى إتباعه أردنيا في العقود الأخيرة.

ومن شأن هذا السيناريو أن يحقق الإسترخاء السياسي الى أجل أطول، إنتظارا للحظة التغيير التي قد تتقرر في الربيع مع العام المقبل، بعد أن تكون حكومة الرفاعي قد تعاملت مع العديد من الملفات والإستحقاقات المهمة بنفس المنهجية التي أدارت بها أكثر من ملف منذ تشكيلها، وهي طريقة لا تثير حتى الآن على الأرجح إستياء المرجعيات المهمة في الأردن.

والى جانب دفعة التغييرات الوشيكة فإن عاهل الأردن سيدعو البرلمان الجديد الى دورة برلمانية عادية يوم الأحد المقبل، تستمر حتى الأول من شهر نيسان/ أبريل المقبل، إذ تبدأ الدورة العادية بخطاب شامل للملك يصح دستوريا أن تعتمده الحكومة كبيان وزاري تتقدم على أساسه لنيل ثقة البرلمان، وهي مهمة محسومة لأي حكومة أردنية بأصوات كثيفة جدا، إذ أن البرلمان الجديد فيه أكثر من 80 نائبا جديدا لا يملكون أي مواقف ضدية من الحكومة، وأنهم غالبا سيمنحونها الثقة.

وتبقى محطة تغيير أخرى في سلسلة التغييرات المتوقعة وهي حسم مصير مجلس الأعيان الحالي الغرفة التشريعية الثانية في مجلس الأمة الأردني، ويعين أعضاؤه بقرار من الملك، وتحدد عضويتهم بأربع سنوات، ويعقدون إجتماعاتهم بشكل مواز للنواب، إذ يشترط الدستور بألا يزيد عدد أعضاء مجلس الأعيان عن نصف عدد أعضاء مجلس النواب، وتدور الترجيحات بأن يكون عدد أعضاء الأعيان 60 عضوا، مع ترجيح حل المجلس السابق، وتشكيل مجلس جديد، بعد إستقال من المجلس القديم 5 أعضاء لخوض إنتخابات البرلمان، إذ من المؤكد أن يشكل برئاسة الرئيس الحالي طاهر المصري، وأن يستوعب أبرز الشخصيات التي ستخرج من الحكومة في حال تقرر تعديلها أو تغييرها، إضافة الى أبرز الشخصيات الأردنية التي خرجت من سباق الإنتخابات السابقة خالية الوفاض.