رغم تعدّد النداءات التي تطالب المُشرعين والمعنييّن بضرورة تقنين قطاع الصحافة الإلكترونية في تونس، لازال هذا القطاع الناشئ يشهد فراغا تشريعيا قانونيا يحدّ من تطوره بالشكل المطلوب. ورغم إطلاق عدد كبير من الصحف الالكترونية، لا يزال العاملون فيها بلا هويّة مهنية وقانونية.
رغم الازدهار المطّرد الذي ما فتئت تشهده الصحافة الإلكترونيّة بفضل التطوّر المتسارع لتكنولوجيّات الإعلام والاتصال، فإنّها مازالت تعدّ قطاعا ناشئا في تونس.
وحسبما ورد في البرنامج الانتخابيّ للرئيس بن علي في انتخابات 2009 الأخيرة، فإنّ quot;الفضاء الافتراضي يُسابق سرعة الصوت وأضحى من الصعب أن تجاريه أيّ منظومة قانونيّة في العالم، لكنّه أصبح أيضا واقعا معيشا يدركه مستخدمو الانترنت يوميّا لاسيّما أنّ تونس مقْبلة على تطوير المنظومة التشريعيّة للإعلام الإلكتروني بما يواكب التحوّلات في هذا المجالquot;.
رغم ذلك، ما يزال قطاع الصحافة الالكترونية يسير بخطى متعثرة في ظل الصعوبات الجمّة التي تعترض أهل الاختصاص.
أكد الباحث في علوم الإعلام والاتصال، معز زيود وهو أستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار في دراسة بحثية له أنّ تنظيم الصحافة الالكترونية لا يعني الحدّ من حريّتها أو تقييدها، وإنّما ينزع إلى حمايتها من الفوضى المعلوماتيّة غير المحتكمة إلى أيّ ضوابط أخلاقيّة ويجنّبها السقوط في اعتبارات ليست من الإعلام في شيء مثل التضخيم والمغالطة، بل ويعطي لهذا القطاع الناشئ الآليات الضروريّة سواء على المستوى التنظيمي والقانوني أو على مستوى التشجيعات والحوافزquot;.
يرى الأستاذ بالجامعة التونسية quot;أنّ التدفّق المعلوماتي أضحى ينساب على مستخدمي الانترنات من كلّ صوب وحدب، وفي الأثناء قد يحمل في غالبيّته رسائل ذات مضامين إعلاميّة غير مهيكلة ولا تستجيب لأيّ مواصفات مهنيّة وقد لا يولي أصحابها أيّ أهميّة لأخلاقيات المهنة الصحفيّة، وهذا ما يُعطي للصحافة الإلكترونيّة التونسيّة ولمهنييها دورا متزايد الأهميّة وفي الآن ذاته يلقي على عاتقها مسؤوليّة ذات بالquot;.
فلئن كانت حريّة الرأي والتعبير رديفا للصحافة الإلكترونيّة وعنصرا حيويّا لانتشارها، فإنّ ذلك يندرج بالضرورة في سياق ما ينبغي أن تتسم به أي وسيلة إعلام من مِهَنيّة ومسؤوليّة وجودة سواء على مستوى المضامين أو التقنيات المعتمدة. وهذا كفيل بأن يُتيح للصحافة الإلكترونيّة التونسية الاضطلاع بدورها في الاستجابة لانتظارات مستخدمي الانترنت التونسيين.
شهد قطاع الصحافة الالكترونيّة انتعاشة ملحوظة تجلت في إطلاق عدد كبير من الصحف الالكترونيّة التي بدأت توظف جيلا شابا من خرّيجي الإعلام، كما أنّ بعضها بات ينافس الصحافة الورقيّة سواء من حيث المضمون وسرعة نقل الخبر أو من حيث المنافسة على عوائد الاشهار.
وتدفع هذه الانتعاشة اللافتة التي تشتهدها الصحافة الإلكترونية في تونس إلى التوقف عندها واستقراء ظروف نشأتها والاستعداد لآفاق تطورها في ظل التذمر الكبير الذي يبديه صحفيو هذا الاختصاص الناشئ.
شافية براهمي صحفية بجريدة quot;التونسيةquot; التي تعرف نفسها بانها quot;الصحيفة الالكترونية الأولى في تونسquot; أكدت في تصريح لإيلاف أن الصعوبات التي تعترض الصحافيين العاملين في هذا الاختصاص تتعلق بالأساس بالوضعية المهنية خاصة بطاقات الاعتراف، إذ يبدو أنّ جميع الصحفيين غير معترف بهم ويعملون ضمن إطار غير قانوني بما انه لا توجد قوانين أو تشريعات تحميهم وتصنفهم على غرار بقية زملائهم كما أن جل المنتسبين لهذا القطاع لا يحظون بنفس الامتيازات التي يتمتع بها بقية زملائهم في الصحافة التقليديةquot;.
ويبدو أنّ ما يعطل ممارسة هذا الاختصاص بشكل قانوني في تونس، هو وجود مسائل جوهرية متعلقة بهذا القطاع مثل مفهوم الصحافة الإلكترونية و كيفية ضبط الحدود الفاصلة بين الإعلام التقليدي والإعلام الجديد و شروط ممارسته فضلا عن ملمح الصحافي الإلكتروني و شروط تقنين الممارسة وضبط الجنح والجرائم المتصلة بالنشر الإلكتروني.
لكن في ظل غياب نصوص تشريعية دولية تنظم هذا القطاع تبقى الحاجة ملحة في ظل هذا الفراغ القانوني إلى وضع نص تشريعي يقنن عمل الصحافة الإلكترونية و يحول دون توظيف الإنترنت لأغراض منافية لأخلاقيات المهنة الصحافية أو استخدامه في أعمال إجرامية أو إرهابية، كما يتخوّف كثيرون.
وزير الاتصال التونسي أسامة الرمضاني، بدوره أكد خلال إجابته على أسئلة النواب التونسيين خلال مناقشة ميزانية الدولة لسنة 2011 أن الوزارة تنكب حاليا بالتعاون مع كل الأطراف ذات العلاقة إلى تنظيم قطاع الصحافة الإلكترونية وأوضح الوزير أن ذلك لا يعني بالضرورة إصدار قانون يؤطرها مؤكدا أن الأرضية القانونية التي تنظم قطاع الإعلام بشكل عام يمكن استغلالها لتنظيم هذا القطاع و من بينها مجلة الصحافة مؤكدا أن وزارته ستعمل أولا على تحديد واضح لمفهوم الصحافة الإلكترونية سيتم من خلاله تحديد مدى أحقية حصول الصحافيين العاملين في هذا القطاع على بطاقة quot;صحافي محترفquot;.
يقول الإعلامي خالد الحداد رئيس تحرير مساعدة بجريدة الشروق التونسية وصاحب موقع quot;السياسيةquot; الالكتروني لـ(إيلاف):quot; من المهم الإشارة إلى أنّ حالة الفراغ القانوني ما تزال تعطّل تطوّر الصحافة الالكترونية في تونس ذلك أنّ تنظيم القطاع أصبح أكثر من ضروري اليوم بغاية هدف وحيد هو الارتقاء بأدائه وإتاحة الفرصة أمام المشتغلين به لاكتساب الإمكانيات والمهارات اللازمة الضرورية و إنّ عدم الاعتراف القانوني بالصحافة الالكترونية يحرم هذه الأخيرة من مجال للتطور السريع عبر تملّك الهوية المهنية أوّلا والتمتّع بصفة فانونية تسهّل عملية التمويل وكذلك تلقّي جزء من الإشهار العمومي الموجه حاليا لبقية أصناف الصحافة أي المكتوبة والمرئية والمسموعة.الإعلامي خالد الحداد
ويرى خالد الحداد أنّ الاعتراف القانوني بالصحافة الالكترونية مهمّ جدّا من حيث فتح الباب لها للتواصل مع المؤسسات المالية والاقتصادية والتقصي في مصادر الخبر وتعميق المحتوى الرقمي الوطني على شبكة الانترنت بالشكل المهني والحرفي المضبوط، معتقدا أنّ الإرادة الرئاسية في تونس مؤمنة بجملة هذه الرهانات والتحديات المطروحة و التي ما فتئ رئيس الدولة يؤكّد على ضرورة إيجاد النص القانوني الّذي ينظّم الصحافة الالكترونية ويعزّز موقعها وسط المشهد الإعلامي والاتصالي المحلي والدولي.
ويضيف الحداد قائلا:quot; لا بدّ من ضوابط تحدّد هذه الماهية الصحافية الالكترونية وتوفّر إمكانيات وآليات وأساليب لتقييم الأداء وفتح الآفاق في المستقبلquot;.
وعلى الرغم من ذلك الفراغ القانونيّ يرى الحداد أنّ العديد من المبادرات قد قطعت طريقا مهمّا في التواجد على الساحة الإعلامية والاتصالية وهي مبادرات لعدد ممّن كانت لهم تجربة في الصحافة المكتوبة بالأساس.
التعليقات