الجدل مستمر في واشنطن حول السياسة الواجب إتباعها في التعامل مع المعارضة الإيرانية .

واشنطن: منذ اندلاع الأزمة الداخلية الإيرانية في أعقاب الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 12 من يونيو من العام 2009، لم يتوقف الجدل داخل الولايات المتحدة حول السياسة التي يجب اتباعها في التعامل مع المعارضة الإيرانية، أو ما اصطلح بعد ذلك على تسميتها بـ quot;الحركة الخضراءquot;.

وانقسمت الآراء بين من يرى أن مصلحة المعارضة في إيران أن تنأى واشنطن بنفسها عن التدخل في الصراع الداخلي تفاديًا، لاتهام المعارضة بالعمالة للخارج والسعي لإسقاط النظام. ومن ينادي بضرورة أن تضع الولايات المتحدة الديمقراطية، وحقوق الإنسان في إيران على أجندة المحادثات مع الأخيرة. وفي هذا الإطار عقدت لجنة الؤئون الخارجية بمجلس النواب الأميركي جلسة استماع لمناقشة الخيارات الأميركية لدعم الحركة الخضراء في إيران، في 3 من فبراير 2010.

واشنطن والمعارضة الإيرانية، التقاء المصالح

يشير مهدي خلجي، باحثفي الشأن الإيراني،إلى أن الحركة الديمقراطية الحالية في إيران هي حركة لا تتبنى العنف بل تسعى إلى الاعتماد على ذاتها دون الحصول على أي دعم أجنبي. ويرى المنخرطون في هذه الحركة - كما يقول خلجي - أن الديمقراطية ليست هبة تمنح من قبل الآخرين، بل هي نتاج جهد داخلي quot;لتحرير الناس من الاستبداد وتحقيق حلم العدالة والحرية والسيادة الوطنيةquot;. ويُقدر هؤلاء موقف الرئيس أوباما من عدم التدخل في الشئون الداخلية الإيرانية. ومن ثم فإن أي سياسة تجاه إيران، quot;يجب اختيارها بطريقة حكيمة وحذرة لكي لا تؤثر سلبًا على الحركة الديمقراطية في إيرانquot;.

ومع ذلك يؤكد خلجي على أن مصالح المجتمع الدولي قد التقت مع مصالح الحركة الديمقراطية في إيران في اللحظة الراهنة، رغم أن اهتمام الجانبين مختلف، فالأول يركز على البرنامج النووي الإيراني في حين أن الشاغل الرئيس للمعارضة الإيرانية هو تأمين الحقوق السياسية، وحقوق الإنسان الأساسية ودمج البلد في المجتمع الدولي. ويبرر خلجي ذلك بأن تحقيق السلام في المنطقة والديمقراطية في إيران أمران لا ينفصلان. quot;وذلك لأن القوى ذاتها التي تهدد السلام في المنطقة، هي القوى ذاتها التي تهدد الديمقراطية وتستخدم القمع ضد الشعب الإيرانيquot;.

واعتمادًا على ذلك يقدم خلجي مجموعة من التوصيات للولايات المتحدة والمجتمع الدولي، تتمثل في ثلاثة أمور رئيسة، تقضي أولها بإضعاف الحكومة العسكرية في إيران والضغط على الحرس الثوري، من خلال استهداف القدرات المالية والعسكرية للحرس الثوري الإيراني. مساعدة الإيرانيين على الاتصال بالعالم الخارجي، وتبدو أهمية هذه الخطوة بالنظر إلى أن quot;علي خامنئيquot; - المرشد الأعلى للجمهورية - ينظر إلى وسائل الاتصال والإنترنت وتكنولوجيا الأقمار الصناعية بوصفها أدوات غربية لهزيمته، كما يقول خلجي. ومن ثم فهو ينظر إلى كل المدونين والكتاب ونشطاء حقوق الإنسان، بل وحتى بعض رجال الدين المتنقدين له، على أساس أنهم جنود الغرب في هذه الحرب.

كما ينفق النظام الإيراني مليارات الدولار من أجل التحكم في البث التليفزيوني والإذاعي، وفلترة الإنترنت، وفرض رقابة على المنتجات الثقافية الغربية، والتصنت على المكالمات الهاتفية واستجواب الفنانين والكتاب وأساتذة الجامعات الذين يسافرون إلى الغرب لمهرجانات ثقافية أو مؤتمرات.

كمايجب على الولايات المتحدة أن تميز بين الديمقراطية وحقوق الإنسان، فالإيرانيون يحتاجون لدعم المجتمع الدولي فيما يخص حقوق الإنسان، وكثير من المسؤولين الذين يشاركون في انتهاكات حقوق الإنسان يتبعون الحرس الثوري، وعلى مقربة من الفريق الذي يدير البرنامج النووي. فعلى سبيل المثال، أدين الجنرال محمد رضا نقدي - قائد ميليشيا الباسيج والموضوع على القائمة السوداء للأمم المتحدة - بالسجن لمدة ثلاثة أشهر، لتورطه في تعذيب السجناء. وقد شارك أيضًا في قمع الطلاب خلال الحركة الطلابية في عام 1999.

فشل الخيار العسكري والعقوبات

يشير quot;فاريبورز غادارquot; إلى أن الأحداث الأخيرة في إيران، من قبيل موت آية الله منتظري القائد الروحي للمعارضة، والمحاكمات الاستعراضية والقمع الذي يمارسه النظام الإيراني ضد المتظاهرين، تدل على حدوث تحول جذري في البيئة السياسية الإيرانية. فرغم التحذيرات المتكررة من قبل قادة النظام والحرس الثوري الإيراني والباسيج والشرطة من أن المظاهرات سيتم التعامل معها بحزم، والقبض على المتظاهرين، فإن مظاهرات الإصلاحيين والمعارضة استمرت بل أصبحت أكثر جرأة مما كانت عليه عقب انتخابات يونيو 2009.

وبمرور الوقت تنتقل الحركة الخضراء الإيرانية - كما يقول غادار- من معارضة حكومة أحمدي نجاد إلى معارضة النظام والمرشد الأعلى علي خامنئي، فشعارات quot;الموت للديكتاتورquot; التي رفعها المتظاهرون، وتمزيق صور الخميني ومطالب العدالة تظهر أن الحركة تتحدى شرعية النظام الإيراني. لكن غادار يؤكد على أن الاضطرابات الداخلية لا تعد التحدي الوحيد الذي يواجه النظام الإيراني، حيث يوجد عديدٌ من تحديات أخرى الداخلية والخارجية، فإيران تواجه صعوبات اقتصادية، تتمثل في البطالة ونقص الاستثمارات الأجنبية وحتى الداخلية، كما أنها في حاجة إلى التكنولوجيا لتطوير صناعاتها، خاصة في قطاع الغاز والنفط. وتعاني إيران أيضًا من تبعات الهجرة الأفغانية غير الشرعية، وقضية المخدرات (15% من الأفيون الأفغاني يستهلك في إيران).

مجلس النواب يبحث دعم quot;الثورة الخضراء في إيرانquot;

وفي الوقت الذي تسعى إيران للعب دور إقليمي خاصة في النواحي الاستراتيجية والاقتصادية، يواجه النظام تحديًّا كبيرًا من قبل رجال دين وعلمانيين. وأصبح من الواضح - كما يقول غادار- أن الحرس الثوري وقوات الباسيج هما دعامة النظام الرئيسة لإبقاء السكان تحت السيطرة.

وينتقد غادار الخيارات التقليدية المطروحة أمام صانع القرار الأميركي والمتمثلة في الحل العسكري أو العقوبات، على اعتبار أن هذين الخيارين يعبران عن فشل واشنطن في إدراك أن المستقبل يكمن في الشعب الإيراني وليس مع النظام الإيراني. كما أنهما يتناقضان مع مبدأ quot;الاستقلالquot; المترسخ في العقل الإيراني. quot;فالهجوم العسكري سيثير الشعب الإيراني ضد المعتدين، ولن يؤخر التقدم على صعيد البرنامج النووي الإيراني إلا لوقت قليل، كما سيشجع المتشددين على الاستمرار في برنامجهم النووي، ويعطي للنظام مبررًا في تكثيف قمعه تجاه أي معارضة محتملةquot;.

أما فلسفة العقوبات فتقوم على افتراض أنها ستؤدي إلى إضعاف النظام الإيراني الذي يحتاج للواردات والاستثمارات الغربية. لكن quot;غادارquot; يرى أن هذه الافتراضات غير صحيحة، quot;فالعقوبات تفيد النظام، وتحرم الجمهور الإيراني من النمو الاقتصادي، وتقلل من دور القطاع الخاص في مقابل تدعيم دور الحرس الثوريquot;. وبدلاً من ذلك، يجب على واشنطن - كما يقول غادار- أن تدعم الديمقراطية في إيران دون أن تفقد الإيرانيين إحساسهم بالاستقلال، وذلك من خلال تبني استراتيجية تقوم على عدة أمور، منها استمرار وسائل الإعلام العالمية في التركيز على سوء الإدارة والفساد الموجودين في النظام الإيراني.وعلى عملية قمع المعارضين والإنتهاكات لحقوق الإنسان

ويخلص الكاتب إلى أن الحركة الخضراء في إيران لا تبحث عن دعم كبير من واشنطن، quot;لكن بعض الخطوات المعتدلة سوف تعطي المعارضة شرعية داخل المجتمع الإيراني. وفي المقابل قد يكون المتشددين أكثر ميلاً للتوصل إلى تسوية تاريخية ستكون أضرارها أكثر من منافعها خاصة مع وجود ديكتاتورية عسكرية تحت حكم الحرس الثوري الإيرانيquot;.