يثير توجه مواطنين ألمان إلى معسكرات تدريب الجهاديين قلق الأجهزة الأمنية الأوروبية، حيث نمت المستوطنات الألمانية في وزيرستان بشكل سريع، وأصبحت ملاذًا أمنًا لممارسة قناعاتهم الجهادية، وخطرًا محدقًا في الوقت عينه، بسبب الهجمات الاميركية بدون طيار المتكرّرة في هذه المنطقة .

برلين: اثار توجه مواطنين ألمان الى معسكرات لتدريب الجهاديين قلق الأجهزة الأمنية في اوروبا عمومًا.وتقول مجلة quot;شبيغلquot; في تقرير لها ان المجندين يتجذرون بسرعة وان عائلات كاملة ترحل الى بؤر ارهابية بل يُعتقد ان مستوطنات نشأت لاستقبال الاسلاميين الالمان في منطقة الحدود بين باكستان وافغانستان. ومن بين الاسلاميين الألمان الذين غادروا للالتحاق بهذه المعسكرات يان وزوجته الكساندرا اللذان سافرا في ايلول 2009 الى بودابست مع رجل آخر وزوجته، ابنة السبعة عشر عامًا، والتي كانت فيشهرها السادس من الحمل.

سافر الأربعة بسيارة مستأجرة الى العاصمة المجرية ومن هناك استقلوا طائرة الى اسطنبول.واجرى يان اتصالًا اخيرًا بوالديه من الفندق. ومنذ ذلك الحين اقتصرت الاتصالات على رسائل الكترونية بين حين وآخر يؤكد فيها ان عودته الى المانيا للعيش بين quot;الكفارquot; لم تعد واردة.وفي كانون الأول كتب انه لا يعرف ما إذا كان سيحيا ليرى الصيف القادم.ومنذ ذلك الوقت يعيش والداه في خوفمما سيحمله البريد.

وتقول مجلة شبيغل ان أجهزة المخابرات الالمانية تفترض ان يان وزوجته الكساندار يعيشان في منطقة الحدود الافغانية ـ الباكستانية، وهي منطقة نفوذ تنظيم quot;القاعدةquot; وطالبان.والنزاعات في هذا العالم الصغير تُحل وفق الشريعة الاسلامية، كما يفهمها هؤلاء، وبموجب القواعد التي يضعها الزعماء المحليون.ويُقال ان المنطقة هي ايضا ملاذ اسامة بن لادن الأخير، في الوقت الحاضر على الأقل.

في هذه المنطقة النائية نشأت مستوطنة المانية.ويحتفظ المكتب الاتحادي الالماني للتحقيقات الجنائية بقائمة بمن يُشتبه انهم غادروا الى افغانستان أو باكستان، أو حاولوا الذهاب الى هناك، خلال السنوات القليلة الماضية. وتتضمن القائمة نحوالمئة اسم، وهي بمثابة دليل للجيل الثالث من الارهابيين الاسلاميين منذ هجمات 11 ايلول، وما يُسمى quot;خلية زاورلاندquot; في المانيا.وهم افراد متلهفون quot;على الجهاد والاستشهادquot;.وتتساءل اجهزة المخابرات مَنْ بينهم سيصبح محمد عطا الجديد، أو فريتس غيلوفيتش زعيم خلية زاورلاند، أو جُنيد جيفتجي الذي غادر مدينة انزباخ الالمانية الهادئة ليفجر نفسه في عملية انتحارية في افغانستان في آذار 2008 التي اوقعت اربعة قتلى.

ويضيف التقرير ان القائمة تضم يان والكساندرا من برلين، ومايكل دبليو من هامبورغ، الذي حاول التسلل في الربيع الماضي لكنه اعتُقل في باكستان واعيد إلى ألمانيا، والبرليني عمر ايج،ابن التسعة عشر عامًا الذي اختفى مع صديقته في كانون الثاني هذا العام،وكلهم يريدون مقايضة العالم الغربي بحياة بدائية في اكواخ بائسة حالمين بحياة يعتبرونها انعاكسًا نقيا لتعاليم الاسلام.

ويتألف الجيلان الاول والثاني من شبان غاضبين يريدون القتال وقرروا ان يتركوا نساءهم ويرحلوا.ولكن الجيل الثالث يختلف عنهم، فهم اصغر سنًا ومن اصول اثنية مختلطة،يغادرون في احيان كثيرة يغادرون المانيا معًا أو حتى بعد فترة قصيرة على مولد اطفالهم،متوجهين الى وزيرستان على الحدود الافغانية ـ الباكستانية.

وتنظر اجهزة المخابرات الالمانية بقلق بالغ الى سرعة هؤلاء الشبان والشابات في التحضير للرحيل وحرق كل الجسور وراءهم. وفي بعض الأحيان، كما في حالة يان وزوجته، لا تمر إلا أشهر قليلة قبل ان يصبح التواصل معهم متعذرًا، سواء من حيث استعدادهم للاستماع الى الرأي الآخر أو بالمعنى الحرفي للاتصال والتواصل.

والدا يان اللذان انتقلا الى برلين من اوروبا الشرقية قبل 20 عامًا لاحظا بوادر التغير في ايار 2008 عندما امتنع ابنهما الوحيد فجأة عن أكل لحم الخنزير،وكان قد ابلغ والدته في وقت سابق انه ابتاع نسخة من المصحف.
لم يهتم والدا يان في البداية لهذه التحوّلات، لأنه إبنهما أكمل الدراسة الثانوية وكان يخطط لأن يصبح عسكريًا محترفًا. كما كان يرتبط بعلاقة مع صديقته الكساندرا التي تصغره عامين، وكان الشابان يريدان الزواج.وعُقد قرانهما في ايلول 2008 باحتفال أُقيم في شهر رمضان، ولم يأكل العروسان إلا بعد الغروب ولكن الموسيقى كانت تصدح والعروس ترتدي فستانًا ابيض. وفي تشرين الثاني تزوج الاثنان مرة اخرى ولكن على الطريقة الاسلامية.

بعد ذلك اخذت الأحداث تتسارع، وبحلول آذار/مارس 2009 لم يعد يرى الوالدان كنتهما إلا متلفعة بالسواد من قمة الرأس الى اخمص القدمين، وبدأت الخلافات تتزايد بين الوالدين والزوجين الشابين. حاول يان ان يهدي والده الى الاسلام ورافقه والده الى المسجد ليرى مع مَنْ يلتقي هناك،كما وحاول ان يهدي حتى جدته الطاعنة في السن والتي كانت كاثوليكية متدينة. وقرر يان صرف النظر عن الانخراط في سلك الجيش قائلًا لوالديه انه قد يُجبر على قتال اشقائه في العقيدة،كما توقف عن الدوام في المدرسة المهنية.

وفي اوائل 2009 اشار الزوجان الشابان لأول مرة الى انهما يريدان ممارسة شعائرهما الدينية بلا منغصات تلهيم عن ديانتهم، في بلد مثل اليمن أو الصومال او باكستان، بعيدًا عن المدن الكبيرة.وفي الخريف الماضي بدأ يان والكساندرا يبيعان ممتلكاتهما سرًا على الانترنت، واستغرفت عملية تجذرهما اكثر من عام.

ويعتقد مسؤولون المان ان يان يظهر في شريط فيديو سجلته جماعة جديدة نسبيًا تطلق على نفسها اسم quot;حركة مجاهدي طالبان الالمانquot;،ولفتت الجماعة الانظار اليها بدعاية صاخبة حتى الآن، حيث هددت الجماعة في شريط فيديو في الخريف الماضي بنقل الحرب الى المدن الالمانية، وأُرفقت الرسالة بصور لبوابة براندبرغ ومحطة القطارات الرئيسية في هامبورغ.

ويبدو ان المسؤول الاعلامي للجماعة هو احمد م. (32 عامًا) الذي يستخدم لقب صلاح الدين على الانترنت، ويبث كل بضعة اسابيع شريط فيديو يهدف الى تجنيد متطوعين للقتال في افغانستان. وتقول شبيغل ان تخصص احمد بتجنيد الجهاديين يرتبط بتاريخه مشيرة الى ان مشاكله مع القانون بدأت في مرحلة مبكرة وضُبط متلبسًا بالسرقة لأول مرة في سنة الخامسة عشرة. وأُدين لاحقا بتهمة تعاطي الحشيش والكوكائين وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات ثم أُبعد الى تركيا في نيسان 2000.

ويعتقد المحققون الالمان ان احمد، الملقب بصلاح الدين، هو من المسؤولين الأساسيين عن تجنيد المتطوعين الناطقين بالالمانية،وحاول قبل اسابيع ايصال مجند من المانيا الى هندو كوش ولكن الشرطة الالمانية اعترضت المجند البرليني في الطريق.ويفخر احمد بأنه كان ناطقًا باسم اتحاد الجهاد الاسلامي خلال السنوات الماضية ولكنه يقول انه يعمل الآن لحركة طالبان.ويُعتقد ان احمد، وهو مواطن الماني من اصل تركي، يقوم بدور حلقة الوصل بين المجندين الشباب وجبهة القتال.

وتبدو اشرطة الفيديو المسجلة في مناطق القتال غريبة لكنها فعالة في كسب متطوعين مثل مايكل دبليو من هامبورغ، وهو الماني اصوله من كازخستان قرر الرحيل عن المانيا في آذار 2009،وغادر مع صديق على احدى طائرات الخطوط الجوية القطرية من فيينا الى الدوحة، وعندما سُئلا في فيينا عن سبب الرحلة قال احدهما لقضاء الاجازة وقال الآخر انها زيارة عمل للمتاجرة بالسجاد. واكتشفت الشرطة لدى مايكل ملحوظتين مكتوبتين لا تمتان بصلة الى الاجازة أو تجارة السجاد، واحدة بعنوان quot;قواعد السلوك الجهاديquot; والأخرى رسالة توصية من شخص يُدعى quot;ابراهيم من هامبورغquot; لتمكين حاملها من دخول معسكر التدريب على ما يبدو.

وكان لدى الأثنين حاسوبان وهواتف جوالة،وقد سمحت لهما السلطات النمساوية بالمرور، وسافرا عن طريق الدوحة الى كراتشي حيث اعتُقلا لانتحالهما شخصية كاذبة وأُبعدا لاحقًا الى المانيا، ويقيم مايكل الآن في هامبورغ حيث قالت الشرطة انه quot;عنصر خطرquot; ويحقق المدعون الاتحاديون في نشاطاته،وهو يُعد من quot;اعداء الدولة الجددquot; من المرجح ان يكون زميل له في الصف المنتهي من المدرسة الثانوية قام بتجنيده عام 2006.

وتقول شبيغل ان هناك في هامبورغ مجموعة يجتمع افرادها منذ صيف 2008 ويقال ان مايكل عضو فيها، وكان زعيم المجموعة تسلل عبر الحدود وهو الآن في وزيرستان، والذين بقوا من بعده يلتقون كل يوم جمعة في مبنى جامع القدس سابقًا، وهي دار العبادة نفسها التي كان يتردد عليها محمد عطا وتُسمى الآن مسجد طيبة.

في غضون ذلك بدأ الجيش الباكستاني عملية واسعة منذ الخريف الماضي وزحفت قواته على منطقة وزيرستان حيث اصبح وجود الجماعات الاسلامية مهددًا، وتنقل شبيغل عن تقرير ارسلته احدى هذه المجموعات من منطقة القتال quot;ان الكفار يهاجموننا بكل ما لديهم من قوةquot;، وهناك ايضا المان بين المصابين بجروح بليغة،ويخشى ذووهم في المانيا ان يُقتل ابناؤهم بنيران الجيش الباكستاني او الضربات الجوية التي تنفذها طائرات اميركية بدون طيار.