كنيسة سانت سيدز التي أقيم فيها القداس |
عاشت الجالية البولندية في بريطانيا حالة من الصدمة بعد مقتل الرئيس ليخ كاتشينسكي في حادث تحطم طائرته، وقد استطلعت laquo;إيلافraquo; آراءعددا من البولنديين كان في مقدمتهم، كبير القساوسة، الذي لخص إحساس الجالية بأنها laquo;في حال من فقد أباه وراعيه وصديقه في الآن نفسهraquo;.
لندن: تقاطر آلاف البولنديين الأحد في بريطانيا لحضور القداسات التي اقيمت في الكنائس الكاثوليكية على مقتل الرئيس البولندي ليخ كاتشينسكي وعقيلته ماريّا وكبار المسؤولين الذين قتلوا معه في تحطم طائرته بالقرب من مطار سمولينسك بغرب روسيا السبت.
وفي كنيسة laquo;سنت سيدزraquo; بشرق لندن أقيم قداس مطوّل انتحب فيه البعض خلال كلمة كبير القساوسة في أبرشية المنطقة. وتقرر إقامة مأتم في laquo;المركز البولنديraquo; بحي laquo;غودميزraquo; القريب، على أن يخصص اليوم للصيام حدادا على الرئيس وصحبه ونظرا لفداحة الخسارة.
وقد استطلعت laquo;إيلافraquo; عددا من البولنديين كان في مقدمتهم ، كبير القساوسة، الأب فويتشيخ روجدينسكي، الذي لخص إحساس الجالية بأنها laquo;في حال من فقد أباه وراعيه وصديقه في الآن نفسهraquo;. وقال إن laquo;الصلاة في هذه اللحظة هي خير السلوى العزاء لكل المكلومين في تلك المأساة المروعةraquo;.الأب فويتشيخ روجدينسكي
وتحدثت laquo;إيلافraquo; أيضا إلى دانوتا غرادوسيلسكا، التي تعتبر laquo;أم الجالية البولنديةraquo; في شرق لندن على الأقل. فقد قضت هذه السيدة، التي تبلغ من العمر 81 سنة، لكنها تتمتع بحضور جسدي وعقلي مدهش، قرابة 60 عاما في مهجرها الى هذه المنطقة. وآلت على نفسها على مدى عقود طويلة تسهيل أمور المهاجرين البولنديين من ترجمة وإسكان وإيجاد وظائف لهم وتعليم ورعاية صحية لأبنائهم.
وقالت دانوتا إنها خاضت أهوال الحرب العالمية الثانية جندية في صفوف الجيش البولندي، ورأت في عمرها الطويل الكثير من المآسي الشخصية والعامة. لكنها تعتبر السبت الذي قتل فيه الرئيس وعقيلته بين الأقسي في حياتها. وقالت إن بلادها laquo;فقدت جزءا غاليا من صفوتها في يوم واحدlaquo; وهذا أمر تجد صعوبة في تصديقه. وتضيف: laquo;أنا كمن يعيش كابوسا يعجز عن الاستيقاظ منهraquo;.دانوتا غرادوسيلسكا، laquo;أم الجالية البولنديةraquo; في شرق لندن
لكن دانوتا، التي عملت سائقة شاحنة لقوات الفيلق البولندي الثاني خلال الحرب الثانية وتجولت عليها بين العراق وفلسطين ومصر، تمضي لتشرح أن الأمر laquo;خسارة شخصية أيضاraquo;. فقد التقت بالرئيس القتيل وعقيلته في أكثر من مناسبة، كان آخرها قبل عامين في السفارة البولندية بقلب لندن. وقالت إن هذه اللقاءات أتاحت لها التعرف نوعا ما على laquo;ليخ ومارياraquo;، فتبيّن لها أنهما laquo;شخصان بسيطان مثلي ومثلكraquo;، رغم ما يتمتع به الرئيس من سلطة وعلم غزير ورؤية ثاقبة للخروج ببلاده من وهدتها بعد سنوات الشيوعية الطويلة، ورغم أن ماريا هي سيدة البلاد الأولى.
وتحدثت laquo;أم الجاليةraquo; بحنو شديد عن عقيلة الرئيس قائلة إنها laquo;مثال لربة المنزل التي تحمل أيضا هموم الوطن في دواخلهاraquo; وlaquo;رمز لكرامة المرأة البولنديةraquo;. واختتمت حديها بنطقها عبارة laquo;السلام عليكمraquo; بالعربية.
وعبرت بسشكل مطول يستينا (22 عاما) وزوجها البولندي من أصل نيجيري آينلا (26 عاما)، اللذان يعيشان في بولندا ويقومان بزيارة لبريطانيا هذه الأيام، عن فداحة الخسارة. وكان حديث آينلا، رغم جذوره الافريقية، يحمل الكثير من الألم في نبرته وبدا صادقا في ألمه وتساؤله تحديدا عن السبب في أن تجتمع زبدة البلاد في طائرة واحدة. يستينا وزوجها البولندي من أصل نيجيري آينلا
وكان واضحا ممن تفضلوا وسط الآخرين بالحديث إلى laquo;إيلافraquo; الإجماع على أمور أربعة:
الأول، أن ثمة إحساسا بالصدمة يجتاح سائر البولنديين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية وما إن كانوا مؤيدين أو معارضين للرئيس كاتشينسكي.
والثاني، أنهم حزينون بالقدر نفسه على عقيلته ماريا، باعتبارها مغرقة في التواضع الجم وتمتنع تماما عن الخوض في السياسة مفضلة عليها الأعمال الخيرية بكل الصمت الممكن.
والثالث، استغرابهم أن يجتمع الرئيس عقيلته وكبار مسؤولي الدولة في طائرة واحدة، خاصة وأنها قديمة وربما لم تكن أهلا لنوع الطقس في المنطقة.
والرابع، أنهم لا يشيرون بأصبع الاتهام لموسكو laquo;حالياraquo;! وعلى حد قولهم فمن المبكر إلقاء الاتهامات هنا وهناك، لكنهم يتنظرون نتائج التحقيق بعقل مفتوح.
وبينما قالت شابة تدعى دوروتا بايك (28 عاما) إنها تعتبر الفاجعة laquo;قدرا مكتوباraquo;، كان آخرون أكثر جرأة. فقد قال أحد رفض الإفصاح عن هويته إن الأيام laquo;ستكشف ما إن كان ذلك قدرا مكتوبا من السماء فعلا أو من جهات أخرىraquo;!
وفي هذا الاتجاه تحدثت جوانا غلواتشكي بقدر أكبر من الصراحة. فتساءلت عن مصير laquo;صندوق الطائرة الأسودraquo; والأسباب التي منعت موسكو من إعادته في التو واللحظة للسلطات البولندية. وقالت أيضا إنه في ما عدا جثة الرئيس وعقيلته، لا تزال موسكو تحتجز بقية الجثث، وتلقي بالسؤال: laquo;لماذاraquo;؟جوانا لم تخف شكوكها في دور خفي لموسكو
ولدى سؤالنا من جانبنا عن الأسباب التي تحدو لإثارة الشكوك حول موسكو، أجابت قائلة، أولا، إن رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين laquo;لم يعرف بحبه الجارف للرئيس كاتشينسكيraquo;! وثانيا، ان الرئيس نفسه كان كاثوليكيا متدينا، وأحرص الناس على استقلال بلاده عن المؤثرات الخارجية التقليدية.. laquo;وكل هذه أشياء قد لا تعجب البعضraquo;!
ويذكر ان البولنديين يشكلون إحدى أكبر الجاليات المهاجرة في بريطانيا إذ يقدر عددهم بقرابة المليون. وبهذا فهم يبلغون أكثر من نصف عدد المسلمين مجتمعين من سائر الأقطار إذ يقدر عدد هؤلاء الأخيرين بحوالي 1.7 مليون. كما يقدر عدد البولنديين الذين يعيشون في لندن بحوالي ربع المليون، وتتركز مناطق سكناهم في أحياء هامرسميث وإيلينغ بغرب لندن وهارينغاي في شمالها وإنفيلد في شمالها الشرقي. وفي السنوات الأخيرة أصبحت مطاعمهم ومقاهيهم وحاناتهم منظرا مألوفا في الشوارع وجزءا لا يتجزأ من من الحياة في العاصمة، مثلما هو الحال في العديد من المدن البريطانية الأخرى. ولهذا السبب، ربما، يصح القول إن لندن في هذه الأيام تشعر على نحو ما بنوع الحزن الذي يغوص في إحدى أكبر جالياتها حتى النخاع.
التعليقات