أجرت إيلاف تحقيقاً تحدثت فيه عن مدينة الناصرية التي كانت أغاني مطربيها ترفرف على سعف النخيل وتحولت إلى الندب وبث الحزن مع سيطرة الميليشيات الدينية عليها.

النجف: على ضفاف نهر الفرات في مدينة الناصرية كانت تنتشر المقاهي ويكثر روادها من الأهالي من مختلف الاعمار وتكتظ ليلا ليشجن احدهم الآخر بصوته حين يبدأ المطرب بترداد الموال والعتابة اولا حتى ينتهي بالاغنية، لكن الميليشيات حوّلت نشوة الغناء الى اللطم على الصدور فكانت الاغاني ترفرف على سعف النخيل لكنها اليوم تحولت الى الندب وبث الحزن بعد ان بدلت الحياة بالموت حيث البكاء وضرب الصدور هي من مرضاة الله باعتقادها.

لا تقتصر القراءة او الاغنية على فرد معين في الناصرية بل كانت توصف هذه المدينة قبل الوجود الاميركي البريطاني للعراق عام 2003 quot;ببيت الطربquot;. لأنها خرّجت اوائل المطربين العراقيين والموسيقيين وابرزهم quot;حضيري ابو عزيز وداخل حسن وناصر حكيم وحسين نعمة والملحن والمطرب المشهور طالب القرغولي وعلي جوده واخيرا جاسم الاسمرquot;.

لم تدم هذه الحال في هذه المدينة الجنوبية بل سرعان ما تغيرت مع حالة التغيير التي حصلت في العراق بعد الغزو، وفجأة ترى شبابها يطربون بالترتيلات الحسينية ويلبسون السواد ويلتحقون بالميليشيات المسلحة التي تنتمي إلى زعامات دينية ويقومون بملاحقة المطربين والفنانين وحتى المثقف والصحافي لم يسلم من بطشهم ، وصارت هذه المقاهي سوداء حزينة كلبس مرتاديها quot;جيش المهديquot; الجناح العسكري لتيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر.

من الطرب إلى الندب

وكانت الناصرية (385 كلم جنوب بغداد) في زمن نظام صدام تتمتع بحريات عامة حيث اشتهرت بالنوادي الليلية والبارات التي كانت تحفّ بالرواد على امتداد النهر الذي يشق المدينة الى صوبين. وتعد المدينة معقلا للحزب الشيوعي وشهدت عبر تاريخها حياة ثقافية وسياسية متعددة التوجهات كما انطلق حزب البعث المحظور من هذه المدينة.

وقال مطرب المدينة المشهور والذي فرّ منها مؤخرا جاسم الاسمر لـquot;ايلافquot; ان افراد نظام الحكم quot;قبل الوجود الأميركي كانوا يحبون الغناء ويغدقون علينا بالاموالquot;، واضاف quot; لكن اليوم تقوم الاحزاب الدينية بكمّ الافواه من منطلق ان الغناء رجس من عمل الشيطانquot;، واشار quot; كان صدام يريدنا ان نمجده لكننا اليوم لا نعرف ماذا تريد منا الاحزاب الدينية الامر الذي عرضنا للقتل والتهديدquot;.

ولفت quot;ان هنالك اختلاف رؤى عند رجال الدين فمنهم من منع آلات وترية وآخرون حرموا الايقاع لك ان تتخيل فوضى الفتاوى وتعددهاquot;. quot;الميليشيات تعد الغناء نوعاً من الالحاد وتحاربه بكل عنف وشراسةquot;.

وقال نقيب الصحافيين في الناصرية كاظم العبيدي quot;ان الفنانين كانوا ضحايا لاضطراب واسع، ولا يمكن للسلطات الأمنية حمايتهم لانها عاجزة عن فرض القانون في المقام الاولquot;. واضاف العبيدي quot;من النادر ان تسمع مغنيا في هذه المدينة التي انجبت أروع الاصواتquot;. واشار quot;هنالك حفلات افراح زواج يحييها مطربون لكنها تقام بالخفاءquot;. واجبرت الميليشيات الدينية الى تحول اكثر المطربين عن عملهم الى الندب والرثاء كما فعل احد اصدقاء المطرب جاسم الاسمر وصار من اكبر الراثين لمقتدى الصدر.

وقال احد المطربين الذي رفض نشر اسمه لـquot;ايلافquot; إن الميليشيات حولت نشوتنا بالغناء الى اللطم على الصدورquot;. واضاف quot;كانت اغانينا ترفرف عليها سعف النخيل لكن اليوم ارغمنا ان نكون ندابين ونبث الحزنquot;، مشيرا quot;هؤلاء يبدلون الحياة بالموت هم يرتدون السواد وكل شيء يريدونه اسود ليس في عقولهم ثقافة الحياة بل الموت اولا واخيرا والبكاء وضرب الصدور هي من مرضاة الله باعتقادهمquot;.

وتعرضت النوادي الليلية ومحلات بيع الخمور والتسجيلات الصوتية الى الاحراق من قبل المتطرفين واعتقال المطربين لكن الكثير منهم افرج عنه بعد اعلان توبته وتغير عمله الى راثي حسيني كما يصفوه.

رأي الدين

ويقول الشيخ حكيم الصالحي المناهض للاحتلال الاميركي quot;ان الغناء عند السيد مقتدى الصدر عمل شيطاني يسلب روح الصلاة من الانسانquot;. وأكد منع الغناء وفقا لتعليمات السيد مقتدى الصدر quot;نحن مجتمع مسلم وعلينا رعاية ديننا والقواعد التي يريدها الله ومعاقبة كل من يمارس الاثم والابتعاد عن الدينquot;.

واعتبر رجل الدين تحسين البقي الغناء من المحرمات، لكن اغلب الفقهاء لم يجزموا بقتل المغني. وقال البقي الذي عرّف نفسه بالمستقل quot;ان ضرر المطربين يكمن في تخليهم عن الرسالة الاسلامية، لذلك يجب إعادتهم الى الطريق بالاقناع والتوجيه ومنعهم من تحدي العقيدة الاسلاميةquot;.

اما رجل الدين أحمد الفرطوسي فنفى ان تكون هناك فتاوى بتحريم الغناء ومنع استخدام الآلات الموسيقية.وأكد تطرف بعض الجهلة في استهداف المغنين، اضافة الى الشخصيات العامة من أجل مصالح سياسية، مؤكدا عدم مسؤولية رجال الدين عن قتل واضطهاد المطربين والشعراء. وأجبر التهديد بالقتل العديد من الفنانين على التواري والتخلي عن الفن والعيش في منازل بعيدة نسبياً عن المدينة او عند شخصيات اجتماعية قادرة على حمايتهم.