المجتمع السعودي يحمل بطيّاته الكثير من المعطيات التي تظهر الصراع بين تياراته والتي تفتقد قدرتها على التعايش مع بعضها البعض في quot;أحيانquot; كثيرة، وربما كان الدليل الأكبر على ذلك هو عدم قدرة نخب هذه التيارات على إيجاد وسيلة للتخاطب. ومثال على ذلك أثناء انعقاد إحدى جلسات الحوار الوطني السعودي والذي تجاوز الصراع بين النخب إلى حد quot;شخصنة quot; الخطاب والهجوم العنيف بين المتحاورين حتى ابتعد كثيراً عن كل ما يهيئ وجود طريقة للشراكة مع أطياف المجتمع.

الرياض: ترى الغالبية العظمى الموضوع من منظور أن من يقف ضد آرائها يعتبر منفيا وتتبرأ كل الجهات منه وتبدأ مضايقته ومضايقة كل من يتبع له من أفراد عائلته وأصدقائه ووضع الحملات عليه دون حتى أن يتم مناقشته في رؤيته.. والتي ربما أن تؤدي إلى انفصاله عن عائلته. فهل أصبح إبداء الرأي إبحار ضد التيار؟

قال الكاتب السعودي شتيوي الغيثي في حديث quot;لإيلافquot; أن الإشكالية هنا في مفهوم الحرية عند متداوليها من الطرفين، سواء كان ذلك الذي يحاول تجذير الحرية في المجتمع السعودي أو ذلك الذي يرفضها، والاثنان حسب الواقع السعودي ما زالا ينظران إلى الحرية، بوصفها تلك الوسيلة التي تساعده على نفي الآخر. إشكالية مفهوم الحرية أنها مفهوم مراوغ في استخدامه فهو بحكم منحه إياك حرية التعبير، فهو أيضا يمنحها لغيرك، وهنا تكمن قيمة الحرية وفرادتها من ضمن القيم المدنية الأخرى المعاصرة.

وأضاف الكاتب الغيثي أن الحرية سلاح ذو حدين. مع وضد في نفس الوقت، ولذلك كان لابد من أن نعي أنها منح ومصادرة في نفس الوقت، وحذر شتيوي من أن يتم استغلال الحرية في الرأي لضرب الآخرين ونفي أحقيّتهم في التعبير الذي هو ضد مفهوم الحرية من أساسه.

القبيلة تطمس حرية الفرد
وفي الوقت الذي عانى من يبدي الرأي من هجر ورفض الكثير من أطياف المجتمع له وجعله معزولا، حيث يتجاوز الأمر ذلك إلى أن يصل إلى هجر وبراءة quot;قبيلتهquot; منه،مما يفتح السؤال أمام المجتمعات عن قوة الخطاب quot;القبليquot; في تأثيره على خطاب المتمدن.

قال الغيثي أن quot;الفترة الأخيرة بدأت العودة إلى القبيلة تأخذ شكل طمس حرية الفرد وهذا جزء أساسي في مشكلة القبيلة والقبائلية هي نفي لفرديتي بحكم إني ابن لقبيلة كونها قائمة على مفهوم الجماعة أكثر من مفهوم الفرديةquot;. وعلل الكاتب السعودي quot;أنها جاءت بسبب أنها نتاج فكر ما قبل المدنية المعاصرة، وإشكاليتها أنها مازالت تسيطر في الكثير من الأمور على حرية الفرد في اختيار مصيره الفرديquot;.

الشيخ الغامدي آخر الضحايا
الشيخ احمد الغامدي رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (أو ما تسمى بالشرطة الدينية) بمنطقة مكة المكرمة كان الأكثر إثارة للجدل خلال الأشهر الماضية من خلال آرائه التي صاحبت افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، والتي تعتبر أول جامعة سعودية تسمح بالاختلاط بين الجنسين، ورأيه الذي أيد وجود وإباحة الاختلاط، وهو ما خلق له العديد من الرؤى المضادة والتي ذهبت معها التيارات المحافظة إلى شن هجوم عنيف عليه من كافة الجبهات، وذهبت إلى مضايقة عائلته وأبنائه وأصدقائه على حد تعبيره، وذهب البعض إلى التأثير على قبيلته للبراءة منه.

وكون أن الغامدي يمتلك الحجة والقوة في الرأي على رأيه في أن الاختلاط مباحًا، إلا أن ذلك لم يشفع له في تشتيت هذا الهجوم ضده من قبل هذا التيار. فهل هذا دليل على أن الأمور الدينية لا تقبل المناقشة؟

قال الكاتب الغيثي أن quot;هذه إحدى القضايا التي هي نتاج عصر غياب الاجتهاد، كون هذا المفهوم يغيب مع اتساع الرؤية السلفية التي تهيمن على كل مجريات الأمور، فالحق ما سبقك به الأولون خطا فكري قاتل، بسبب أنها إغلاق بند كبير من بنود الفقه الإسلاميquot;.

التشدد سمة للتخلف وquot;الاستمراريةquot;
وذكر الغيثي أن التشدد سمة العصور المتخلفة فكما ان التشدد هو ناتج العصور المتخلفة فهو كذلك المحافظ على استمرارها، على حد تعبيره. وأضاف شتيوي أن الخلل ظاهر جدًا في مشكلة التشدد ويمكن ملاحظة ذلك من الموقف الرافض لكل ما هو جديد وعصري وطارئ حتى إذا ما سارت قوافل الآخرين نجد أننا نمشي خلف الركب وبمراحل متأخرة جدًا.

شهادات البراءة تضلل الرأي
وعن إصدار القبيلة أو المجتمع براءتها من صاحب الرأي، قال الكاتب شتيوي ان شهادات البراء هي طريقة في تحجيم الرأي والمخالف وحصره في زاوية التضليل لكي لا ينتشر فكره، وتابع quot;الرأي خطورته ليست على صاحبه بقدر انتشاره، كونه يعتبر زلزالا فكريا يسحب البساط من تحت الهيمنة الفكرية التي يحظى بها من أطلق شهادات البراءةquot;.

الخطاب الحضاري يُصنع منذ الصغر
وعن إمكانية حل الخلافات بين التيارات داخل المجتمع واحترام الرأي للتعايش قالت الدكتورة أمل رياض، الأكاديمية بكلية التربية بجامعة الملك خالد، أن ما ينقص المجتمعات عموما لكي يصلوا إلى كيفية التحاور هو تعلم كيف يستمع إلى الأخر، وكذلك كيف يتعلم احترام آراء الآخرين.

ورأت الدكتور أمل quot;أن التخلص من أسلوب التسلط فى تربية الأطفال وإصدار الأوامر فقط وإنما تنمية حب الاستطلاع والإجابة عن أسئلة الطفل بطريقة صحيحة ومقنعة، وتدريب المعلمين على كيفية الاستماع للطالب، وتنمية روح الحوار بين الطلاب على الا نعاقب الطالب عند إبداء الآراء حتى ولو كانت خطاء، وإنما نتبع أسلوب الإرشاد والتوجيه والإقناع، فالعقاب فى النهاية يصنع شخصية ضعيفة غير قادرة على المواجهة والحوار وعندما يفشل الفرد في التعبير عن رأيه يؤدي إلى ارتفاع الأصوات، وفي النهاية تضيع الحقيقة بينها.

وعن إمكانية إيجاد أرضية مشتركة للتعايش، قال الكاتب السعودي الغيثي، أن هنالك أرضية مشتركة تجمع شتات الجميع وتنافرهم الفكري وهو الوطن، بمعنى أن تبقى المصلحة الوطنية هي الأساس، أما الآراء الشخصية فهي على مسماها شخصية لا تلزم الآخرين إلا بالقدر التي تحافظ على المعطى الوطني، والذي هو مصلحة الجميع بأي شكل من أشكاله، على الاعتراف بأحقية الآخرين في الاختلاف. وأيدت الدكتورة أمل كلام الغيثي ورأت أن الحل الوحيد للحوار والتعايش هو البعد عن أحادية الرأي وعدم أخذ الأمور على الصعيد الشخصي.

وكانت الساحة الثقافية والاجتماعية السعودية قد شهدت العديد من الهجمات ضد أصحاب الآراء الذي يبتعدون عن التقليدية في الخطاب والرؤية منذ عهد قديم، ولعل أن جميع الكتاب الصحافيين السعوديين والوزراء قد عانوا كثيرا من ذلك، ويذكر على رأس القائمة الوزير الأديب السعودي غازي القصيبي الذي أعلن فتح مهنة بيع الملابس النسائية للمرأة السعودية، القرار الذي قوبل بعاصفة شعبية رافضة والذي أصبح بعد ذلك هذا القرار حبيسا لأدراج وزارته.

وكذلك الحملة التي تعرض لها وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور محمد الرشيد بسبب قرار دمج وزارتي التربية والتعليم ورئاسة تعليم البنات تحت مظلة إدارية واحدة. ولم يسلم التيار الديني المحافظ من ذلك الهجوم بل تعرض المفكر السعودي سلمان العودة إلى هجوم مماثل لما رآه من جواز الاحتفال بعيد الميلاد.