لا تقتصر الجرائم في العراق اليوم على نوع واحد ولا يمكن حصرها بنمط معين فالانفلات الأمني والتهاون في تنفيذ القوانين من أهم اسبابها. عشرات الجرائم تحصل يوميا، بعضها يدرج في السجلات الرسمية والأغلب لايعرف به درءا للفضيحة، وذلك وسط دعوات لإعادة العمل بنظام الإعدام العلني الذي يجبر الجناة على التفكير ألف مرة قبل الشروع بتنفيذ جرائمهم.

أثارت جريمتا قتل وقعتا في الأيام الثلاثة الماضية صدمة البغداديين وذهولهم، وهم الذين لم يتعافوا بعد من صدمة الاقتتال الطائفي والقتل على الهوية. وطبقا لبيان تلقت إيلاف نسخة منه فقد قام مسلحان بتاريخ 27/5/2010 بإطلاق النار من مسدس كاتم للصوت باتجاه عبد الكريم شبيل محمد أستاذ اللغة العربية في جامعة العلوم الإسلامية (الشريعة). الجريمة وقعت في منطقة باب المعظم، في الحرم الجامعي وداخل غرفة الأستاذ في الطابق الرابع من مبنى الكلية. وتم العثور على المسدس مع جهاز كاتم للصوت في مسرح الجريمة وتم تسليمه الى الجيش العراقي. كما وتم العثور على بطاقتين في الاستعلامات تعودان لـquot;أسامة ماهر خليلquot; وquot;حسن مصطفىquot;. ما زال التحقيق جاريا في مركز شرطة الاعظمية لمعرفة ملابسات الحادث.

أما الجريمة الثانية فقد حدثت في منطقة البنوك، حيث اتفقت امرأة على لقاء عشيقها الذي يسكن في دار على سطح المبنى الذي تقطنه مع زوجها. وبعد انتصاف الليل صعدت الزوجة لملاقاة عشيقها، لكن الزوج شعر بتحرك زوجته فانسل وراءها حاملا مسدسا الى السطح. وهناك اشتبك الزوج مع العشيق الذي انتزع المسدس وأردى الزوج قتيلا وفرّ هاربا وتم إيداع الزوجة السجن!

وتتعدد وتتنوع أسباب القتل، فهناك من قتل لغرض الحصول على مبلغ 300 دولار فقط، او من تشاجر مع شخص وقتله بسبب قنينة غاز. وهناك الزوجة الشرطية التي تآمرت مع عشيقها على قتل زوجها وشهد طفلها على ضلوع أمه بالجريمة. هذه وغيرها من الجرائم تحدث يوميا. بعضها يدرج في السجلات الرسمية والأغلب لايعرف به درءا للفضيحة. لكن لماذا القتل ولماذا الجريمة؟ للرد على هذا السؤال نقلت إيلاف وجهة نظر موسى الكناني الناشط في مجال حقوق الإنسان، والقاضي ماهر السعيدي و الدكتورة اسيل المفتي، منظمة الشباب امل العراق.

انفلات امني وتهاون في تنفيذ القوانين

البداية كانت لموسى الكناني الناشط في مجال حقوق الإنسان، عضو منظمة اهل الحضارة التثقيفية الذي لفت الى ان ازدياد الجرائم في العراق وبغداد خصوصا سببه الانفلات الأمني وعدم وجود آلية وتصميم على تطبيق صارم وحاسم للقوانين والأوامر القضائية، وقال: quot;من آمن العقاب أساء الآداب. فالحكومة عاجزة تماما أمام جرائم من هذا النوع والقضاء مغيّبquot;.
وتابع أن هناك جرائم سياسية وأخرى إجرامية وأخلاقية واقتصادية وجنائية. quot;لابد من الحزم والحفاظ على أرواح الناس. ويبدو أن ليس هناك نية حقيقية مخلصة للحكومة لتحقيقه بإجراءاتها الأمنية والقضائية والرقابية!quot;.

اما القاضي ماهر السعيدي فقد قال: quot;أهم أسباب الجريمة في العراق هو استسهال الإجرام الذي سيطر على المجتمع وجهل الحكومة. فدورة العنف المستمرة منذ أكثر من أربعين عاما لا يمكن ان تخلق الا أجيالا فاقدة لأعصابها واخلاقها، فالعنف لا يولد الا عنفا. والمشكلة الاكبر ان الجرائم لا تقتصر على نوع واحد ولايمكن حصرها بنمط معين، بل تمارس في العراق كل انواع الجرائم المنظمة كالإرهاب والخطف وتبييض الأموال والاختلاس والسلب والنصب والاحتيال، اضافة الى الجرائم الأخلاقية كاللواط والزنى وجرائم غسل العارquot;. وأردف أن هناك جهلا عاما وشاملا يبدأ من الحكومة الى اصغر فرد في المجتمع، خصوصاً وان تطور وممارسة كل أنواع الجرائم في العراق يتطلب وعيا في محاربتها واعتماد المنهجية والعلمية والثقافة القانونية.فنحن نحتاج الى جهاز فعّال رادع للجريمة والحكومة بحاجة الى المعرفة المتطورة والإرادة في معالجة أنواع الجرائم إضافة الى بناء نظام قضائي صلب ومعاقبة المجرمين بأقسى العقوبات وامتصاص البطالة وبناء مجتمع سليم معافى.

أما الدكتورة اسيل المفتي، منظمة الشباب امل العراق فقالت إنه من المحزن ان يتواصل ارتكاب جرائم بهذه البشاعة ونحن نقف مكتوفي الأيدي، كان بالإمكان إنقاذ الأرواح التي أزهقت، لو وفرنا برامج تدريبية وتأهيلية للشباب. وذلك بتدريب الشباب على اكتساب مهارات حياتية واجتماعية وإنسانية يجعل منهم أفرادا صالحين في المجتمع، انما لا يوجد من يقوم بواجبه: quot;فالمدرّس الذي كان ينبغي ان يكون أبا لطلابه، تحول إلى مستغل همه الأول الحصول على الأموال، عن طريق الدروس الخصوصية. المدرسة لم تعد تعلم طلابها الأخلاق والعلم والبيت العراقي تزعزعت أخلاقياته وأولوياته بسبب الظروف التي مررنا بهاquot;.
وتابعت أن الحمل ثقيل لكن إصلاحه ليس بمستحيل، إنما لن يكون بمقدور جهة واحدة إنقاذ الأمر. فالمؤسسات الدينية يجب ان تنشئ جيلا مؤمنا بحرمة إراقة دم الإنسان مروراً بالمدرسة، والبيت ووسائل الإعلام، إضافة الى استحداث برامج الحكومية وغير حكومية، المتطورة لبناء الشباب وانتشالهم من ارتكاب الجرائم والخطايا. كيف لنا ان نقبل ان يقتل شاب زوج عشيقته، او أستاذه! مجرمون من هذا النوع بحاجة الى إعادة تأهيل، كما يجب تفعيل قانون محاسبة الجميع من دون استثناء وتحسين الوضع الاقتصادي للمواطنين وخاصة الشباب منهم فهذه الأمور من شأنها الحد من الجريمة.

أرقام

وطبقا لأرقام وزارة الداخلية التي تلقت إيلاف نسخة منها فان جرائم القتل في بغداد لعام 2009 بلغت 315: الموصل 277، كركوك 38، صلاح الدين 19، ديالى 53، بابل 13، واسط 6، العمارة 3، البصرة 17، ذي قار 2، النجف 3، الديوانية 7، الانبار 7، وبلغ مجموع حالات القتل او الشروع بالقتل المسجلة رسميا في سجلات وزارة الداخلية 761 حالة. اما حالات الخطف المسجلة فقد بلغت 310 حالات. وسجلت بغداد اعلى حالات خطف بواقع 130 حالة. وبلغ عدد مجهولي الهوية الذين تم العثور عليهم 552. 328 حالة منها في بغداد و77 في ديالى. وسجل العراق في عام 2008: 1898 حالة قتل و 730 اختطافا، وتم العثور على 1294 حالة من مجهولي الهوية.

وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات لمعدل الجرائم للأشهر الأولى من العام الحالي، إلا ان ضابطا في وزارة الداخلية أعلن ان معدل الجريمة مرتفع قياسا بالأعوام الماضية خصوصا في بغداد. ولفت الى أن هناك أيضا الاغتيالات التي تطال أفرادا وضباطا في الأجهزة الأمنية، ومواطنين. لكن موسى الكناني الناشط بحقوق الإنسان أشار إلى ان الكثير من الجرائم لا يتم التبليغ عنها او تسجيلها في مراكز الشرطة كجرائم غسل العار، والقتل بدافع السرقة او النصب او الاحتيال وغيرها وقال: حسب العرف السائد فان ذوي المجني عليه يعتمدون الحل العشائر(الفصل)، وهو أسلوب قد يكون بدائيا، لكنهم يتقاضون مالا مقابل التنازل عن حقهم في القتيل من عشيرتهم. وهو أمر لا يحل جذور المشكلة، بل قد يعمد في أحيان الى تجذيرها. الجاني يجب ان ينال عقابه من المؤسسة القضائية، ولو ان الحكومة تعمد إلى إعادة العمل بنظام الإعدام العلني، فانه أمر يجبر الجناة على التفكير ألف مرة قبل الشروع بتنفيذ جرائمهم بكل أنواعها!