حول أطباق الفلافل يتجمّع ابناء الجالية العربية مساء كل يوم في مقهى اشتهر لتحوله إلى ناد ثقافي. النقاشات العامة والمختلفة تدور في اجواء ديمقراطية بعيدة عن التشنج والتعصب، وقد يحضرها أيضًا مواطنون ألمان سحرتهم الثقافة العربية ليصبحوا مخلصين لأطباقها ولتدخين الشيشة.

ميونيخ: تتركز المقاهي العربية والمطاعم في وسط مدينة ميونيخ في المنطقة القريبة من محطة القطارات الرئيسة في قلب المدينة ، كثيرون من أبناء الجالية العربية يتجمعون في المساء في المقاهي العربية للسهر، والحديث، وإحياء ذكريات الأوطان التي قدموا منها.

أحد هذه المقاهي الذي يقع في شارع quot;شفانتلر شتراسةquot; أصبح ملتقى للشباب من كافة الأقطار العربية، يقدم للزبائن أطباق الفلافل، والشيشة ،والوجبات، العربية الخفيفة . لقد نجح زبائنه من الطلاب العرب والألمان في تحويله إلى ناد ثقافي من أجل التجمع واللقاء وتبادل الآراء دون ترتيب أو تنظيم.

أطباق الفلافل في ميوينخ

حول أطباق quot;الفلافلquot; في المساء يبدأون في التجمع والتواصل، وتنفتح شهيتهم أكثر مع سخونة الأحداث العالمية وتواتر الأخبار العربية والألمانية من أجل النقاش وتبادل الأراء حول بلدانهم وكل مايجري على الساحة العالمية ، وكل ذلك يجري في جو ومناخ ديمقراطي صحي قلّما يتوافر في بلادهم.

يبدو المقهى وللوهلة الأولى من دخوله ــ وكأنه مقهى في مصر او تونس او سوريا، ولكن على الأراضي الألمانية، إسم المقهى فلسطيني، وصاحبه مصري اما الذي يديره فهو سوري .. الرواد فيه من كل الجنسيات العربية من مصر، العراق، السعودية ، سوريا، لبنان، الإمارات ، بل وأيضا بعض الألمان المحبين للثقافة العربية وأصناف الطعام العربي مما يساعد على التواصل بين الثقافتين.

حول الطاولة الكبيرة الوحيدة في المطعم يأخذون أماكنهم المعتادة ، ثم على الفور تبدأ اكواب الشاي على الطريقة العربية في الدوران على الحضور في جو من المودة الخالصة ، كثيرون يأتون الى هنا من خارج ميونيخ أيضًا من أجل الإستمتاع بالنقاش والحوار ومعرفة آخر آخبار الأوطان من الأخرين والتزود بلحظات من دفء الاوطان قلما يتوافر في مكان آخر في تلك البلاد مختلفة الثقافة والعادات.

النادل السوري يبدو نشيطًا في تقديم أطباق الطعام إلى الرواد الشباب ويقول عن ذلك: انني استمتع كثيرا بتجمع أبناء الجالية العربية هنا ،الأحاديث لا تتوقف والنقاش بينهم فيه الكثير من الصراحة والمكاشفة ،لا أحد يغضب أو يثور، تجد هنا الشيعي ،السني ،المسيحي وغير المؤمن ،ألمان ايضا يأتون الى هنا خاصة من الذين عاشوا لبعض الوقت في الدول العربية وآلفوا الثقافة العربية، إنه بحق بيت عائلة كبير.

وهو لايعتقد أن النقاش والإنفعال أحيانا يضر بالمقهى بل على العكس فقد تسبب ذلك في شهرته ويقوم هو نفسه بدور التعارف بين أبناء الجاليات العربية هنا، الطريف أيضا أنه يشارك في النقاش والحوار وهو يعمل، ويقول : لقد أتيت من منطقة مشهورة بالثقافة من شمال شرق حلب، انها مدينة quot; منبج quot; على طرف الطاولة يجلس الطالب المصري quot;ممدوحquot; الذي يرى أن قضاء بعض الوقت في المقهى حيث يتناول وجبة من الفلافل يعيده إلى أجواء وشوارع القاهرة الشعبية، فهو لا يستطيع التغيب عن المقهى لفترات طويلة لأنه يتقابل هو وأصدقائه أيضًا فيه.

حوارات في الثقافة والسياسة والدين

يدخل الشباب العربي هنا في كثير من النقاشات حول مستقبل الأوطان، ويرىquot;عباسquot; وهو مهاجر عراقي أن فكرة التسامح الديني مهمة ويرى أن الطائفية في الإسلام يجب أن تختفي بين الشيعة والسنة وأن يبقى المسلم مسلمًا دون الدخول في المذهب.

ويسعى quot;عباس quot; مع عرب آخرين إلى إنشاء ناد ثقافي عربي يضم في عضويته العرب دون تفرقة بين جنس أو دين أو طائفة حتى تحدث الألفة بين الجميع وأن يتدارسوا فيما بينهم أوجه الخلاف التي قد تنشأ بين دولهم من أجل العيش في سلام وإطمئنان. على الطرف الآخرمن الطاولة يجلس المخضرم الفلسطينيquot; سمعانquot; الذي هاجر الى المانيا شابا ودرس الهندسة ويعمل الان في الترجمة ويعيش في ميونيخ وهو احد رواد المجموعة الثقافية في المقهى الدائميين. ورغم كل هذه السنوات في المانيا يبقى سمعان مهتما ومنشغلا بوطنه فلسطين، ومن وجهة نظره يرى ان حل القضية الفلسطينية سهل ويسير ويلخصه في انسحاب اسرائيلي كامل من الاراضي المحتلة الى حدود ما قبل سنة 1976 وقيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة. وعندما يتطرق النقاش الى اوجه الخلاف بين الديانات السماوية اليهودية ، المسيحية والاسلام يقص علينا قصة طريفة شخصية لا تعرف التعصب ان اخته في فلسطين وهي مسيحية اطلقت على مولودها الاول اسم quot;محمدquot; وعندما تنبهت الى ذلك عادت واسمته quot;بلالquot; وهو ايضًا اسم اسلامي، لا يزال يحمله حتى هذه اللحظة.

عمر الكاشف من مصر وخالد حسن تشغلهما اوضاع مصر الداخلية في اطار الاخبار المتواترة من مصر حول الأوضاع السياسية، ومستقبل الحكم في مصر ، وينتقل النقاش الى نفس القضية في باقي الانظمة العربية وأحوال الديمقراطية فيها ، ويدور حوار طويل وممتد وفي أغلبه مضحك وساخر تتخلله نكات سياسية مضحكة تظهر إلى اي مدى لا يؤمن فيه المهاجرون العرب بقضية غياب الديمقراطية في بلدانهم، لكن خالد حسن يعود ليطرح سؤالاً مهمًّا عن مدى فعالية الجاليات العربية في بلاد المهجر؟ ويقول هو نفسه انها غير فعالة في التاثير باي شكل من الاشكال على سياسة بلدانهم، ولا حتى في القيام بخدمات من اجل الجالية المهاجرة ويبقى الامر برمته في اعمال فردية ليست بروح الجماعة ووفق مايراه فإن السبب يكمن في عدم تلقي اي دعم حكومي يزيد من فاعلية مثل هذه الجمعيات.

إنتشار ظاهرة الشيشة في المقاهي العربية

إنتشرت أيضًا في كثير من المقاهي ظاهرة تدخين الشيشة بين الشباب، ويمكن ملاحظة ذلك بسهولة في الكثير من مقاهي المدينة. فقد اصبحت الشيشة ظاهرة شبابية وهي تقريبًا موجودة في جميع المقاهي العربية أو التركية في نفس الشارع الذي زادت نسبة المقاهي فيه كثيرًا في الفترة الاخيرة بعد تضاعف هجرة الكثير من العراقيين إلى المانيا وقيامهم بفتح المقاهي والمطاعم.

وراحت نسبة كبيرة من الشباب الالماني ترتاد هذه المقاهي لتدخين الشيشة وهو الأمر الذي ليس له أي تفسير، غير أنه أحد تمرد الشباب الأوروبي على المألوف والمعتاد، بالضبط كموضة إرتداء الكوفية الفلسطينية أو وضع صور الثائر غيفارا على الحقائب والقمصان . فيما البعض الآخر يراها طريقة للتعارف بين الشباب خصوصًا من الجانب الألماني الذي يجذبه سحر الشرق، ويقول الدارسون لهذه الظاهرة إن نسبة من الشباب الأجانب الذين يعيشون في المانيا يقبلون أيضًا على تدخين الشيشة.

وتذكر الإحصائيات المتعلقة بهذا الشأن أن الذين يعرفون الشيشة في المانيا تصل نسبتهم الى 85% بين سن 12 الى 17، وان 38% قد قاموا بتجربتها بالفعل. وفي كثير من الأحيان يحدث التعارف بين الشباب الألماني والعربي في تلك المقاهي ويدخلون في نقاشات ممتعة تساعد في الإندماج والتكامل بينهم.