إقرأ المزيد:

أولى محطات تاريخ الطموحات الإيرانية النووية

مصنع الساعات تحول لمنشأة للطرد وواشنطن لم تأبه بمحاولات طهران

كشف اولي هاينونين عن quot;خارطةquot; البرنامج النووي الإيراني وفي قلبه محسن فخري زاده، الذي يعتبر quot;أبا القنبلة الذريةquot; في ايران، وتبعا لتقارير ايرانية فقد شهد برنامج طهران النووي نقلة في مسيرته بعد افتضاح أمر مفاعلات نتانز. ويبقى المؤكد أن إيران تسعى إلى صنع قنبلة quot;بأي ثمن كانquot;.

الفصل الثالث في هذه الدراما الإيرانية يأتي بعنوان quot;رجل خطر حقاquot;. والحديث هنا عن اولي هاينونين الذي يمكن وصفه بأنه المعادل الواقعي لجيمس بوند، إضافة الى كونه أحد أبرز خبراء الطاقة النووية في العالم.

نشأ هذا الرجل في هيلسنكي حيث نال الكتوراه في الكيمياء الإشعاعية وعمل في مركز الأبحاث النووية الفنلندي قبل انضمامه إلى وكالة الطاقة الدولية في 1983. وصار صديقًا لمحمد البرادعي (مديرها من 1997 إلى 2009)، وأمضيا أشهرا معا في كوريا الشمالية. لكنهما طُردا من البلاد عندما بدأ نظام بيونغ يانغ تنسيق نشاطه لإنتاج القنبلة مع باكستان وإيران.

ووجد مفتشو وكالة الطاقة المصير نفسه في ايران بعد افتضاح أمر مفاعلات نتانز وأراك. ولكن هاينونين اكتشف، مع عودته اليها بعد ستة أشهر، علامات في مصنع كلايه للساعات على أن الأمر أخطر مما يبدو عليه في الظاهر وأن لعبد القدير خان يدا في الأمر، فكلفه البرادعي مهمة سرية تتعلق بهذا.

وفي غضون ذلك كانت الاستخبارات الغربية تكثف نشاطها ايضا. وعندما أغارت سي آي ايه على السفينة quot;بي بي سي تشايناquot; في مرفأ تارانتو الايطالي في تشرين الأول/اكتوبر 2003، اكتشفت شحنة من خان الى الزعيم الليبي معمر القذافي. وهكذا أسدل ستار الختام على شحنات العالم الباكستاني الى ليبيا.

ضغوط على باكستان
كثف الغرب في تلك الفترة ضغوطه على باكستان. فسحب رئيسها برويز مشرف دعمه لبطل البلاد القومي خان. وفي اعتراف من 11 صفحة في مطلع 2004، اعترف هذا الأخير بأنه عقد صفقات مع النظام الإيراني قيمتها مليارات الدولارات. وعندها تأكدت شكوك هاينونين القائلة إن العالم الباكستاني هو مصدر مكونات البرنامج النووي الإيراني.

وذات يوم في ايار/مايو 2004، تلقت وكالة الطاقة زيارة من امرأة بدا أنها محيطة علما بالشوون النووية. فنظم معها هاينونين لقاء في مقهي في فيينا، وكان على قناعة بأنها من سي آي ايه. وتنظم هي من جهتها لضيفها سلسلة من اللقاءات في فندق انتركونتينيتال وفي ليك كونستانس في فيينا مع اسرة فريدريك تينير السويسرية التي صادقها عبد القدير خان. كما تفتح الباب لوكالة الطاقة لمعاينة سائر محتويات quot;لاب توب الموتquot; التابع لـquot;الدولفينquot; الإيراني.

وكانت تلك هي المواد التي استخدمها هاينونين في لقائه مع الدبلوماسيين الـ35 في مقر الوكالة في فيينا في شباط/فبراير 2008، كما ورد في مطلع الحلقة الأولى من هذه السلسلة.

أبو القنبلة الإيرانية
في ذلك الاجتماع يعرض هاينونين أيضا quot;خارطةquot; البرنامج النووي الإيراني وفي قلبه محسن فخري زاده، مدير quot;مركز أبحاث الفيزياءquot; في طهران، ويشبهه بروبرت اوبنهايمر، عالم الفيزياء الأميركي الذي يعتبر quot;أبا القنبلة الذريةquot; بعد تصميمه quot;مشروع مانهاتنquot; الذي انتج أول قنبلة من هذا النوع خلال الحرب العالمية الثانية.

وكان فخري زاده، المولود في 1961، يحاول قدر ما استطاع، وبعيدا عن الأضواء، إخفاء الجانب العسكري في المشروع النووي الإيراني. ويذكر انه انضم للحرس الثوري في شبابه الباكر ثم لوزارة الدفاع، وما زال الى اليوم يلقي بعض المحاضرات في جامعة الإمام الحسين في طهران. وكما هو بارع في الفيزياء، فهو بارع ايضا في تفادي الدعاية ويحرص على عدم الظهور حتى في أي صورة فوتوغرافية.

وقد أعاد فخري زاده تسمية مشروع نتانز عدة مرات، لكنه يعرف اليوم باسم quot;فيداتquot; المكون من الأحرف اللاتينية لـquot;حقل توسيع وتطوير التكنولوجيا المتقدمةquot;. ويعتقد أن نحو 600 موظف يعملون تحت إمرته. وتبعا لتقرير استخباري دار بين واشنطن وفيينا وتل ابيب فترة من الزمن، فإنه يدير 12 قسما تسلمت منه في 29 كانون الأول/ديسمبر 2005 دراسة بعنوان quot;مستقبل الأنشطة المتصلة بالنيترون في السنوات الأربع المقبلةquot;.

ويذكر ان مولِّد النيوترون أساسي في الطريق الى القنبلة النووية لأنه المسؤول عن بدء السلسلة التي تؤدي الى الانفجار. وقد تكون هذه هي الطريقة التي أجرت بها باكستان تجاربها وتسعى إيران لتقليدها. ويبدو أن دراسة فخري زاده خطة كاملة تشرح بالتفصيل نوع التعاون المطلوب بين quot;فيداتquot; وجامعة الشهيد بهشتي. ويقول فيها: quot;إمكاناتنا كافية حاليا لكنها ليست مثاليةquot;.

وقد طلب مفتشو وكالة الطاقة مرارا لقاء فخري زاده، لكن المسؤولين الإيرانيين قالوا إنه لا علاقة له بالبرنامج النووي وإنه يعمل في مجال السلاح التقليدي في وزارة الدفاع. وفي 2007 وضعت الأمم المتحدة اسمه على لائحة سوداء. وقال الاتحاد الأوروبي عنه إنه quot;عالم رفيع المستوى في وزارة الدفاع ومسؤول عن إمدادات السلاح الجويquot;.

رجل خطر
يقول الخبير الأميركي، ديفيد اولبرايت، إن فخري زاده quot;رجل خطر للغايةquot;. وما يضيف ثقلا لهذا التصريح هو ان اولبرايت عالم نووي ذو سمعة عالية وكان ضمن فريق التفتيش في العراق. ويمضي قائلا إن العالم الإيراني quot;سيمضي في حال إكماله الرأس الحربية، لإقناع القيادة السياسية الإيرانية بصنع السلاح النووي. هذا هو ابو القنبلة الإيرانيةquot;.

ومع ذلك يقدم مدير المخابرات الأميركية مايك ماكونيل تقريرا في 2007 الى الرئيس بوش من 140 صفحة أهم جملة وردت فيه هي: quot;نستطيع أن نقول بكل ثقة إن إيران أوقفت برنامجها النووي في خريف 2003quot;!

وقال وزير الدفاع ومدير سي آي ايه سابقا، روبرت غيتس، إنه لم ير تقريرا مشابها كان له الأثر الدبلوماسي نفسه. فقد نزعت تلك الجملة فتيل القنبلة التي كان يمسك بها المحافظون الجدد في واشنطن. كما انتزعت من بوش نفسه اي مبرر لغزو إيران على غرار ما فعل في العراق. فلماذا هذا التغير؟

إيران تكمل حزام الإنتاج
تبعا لتقارير ايرانية حصلت عليها quot;سي آي ايهquot; وquot;إن إس ايهquot; الأميركيتان، فقد شهدت ايران نقلة في مسيرة برنامجها بعد افتضاح أمر مفاعلات نتانز. وتوضح تلك التقارير أن أولوية القيادة في طهران هي الحفاظ على برنامجها النووي سرا، وأن فخري زاده وفريق علمائه تذمرا في 2003 من فقدهم صنع القرار والأموال المخصصة لمشاريعهم.

ويستمر هذا الوضع الى أن تعلن الحكومة الإيرانية أنها بلغت منعطفا مهما بعد بدء منشآتها في نتانز تخصيب اليورانيوم في الثاني من شباط/فبراير 2007. ولاحقا يواجه الرئيس المنتخب حديثا باراك اوباما مشكلة جديدة هي المنشأة النووية في قم.

هنا شيد الإيرانيون مصنعا للتخصيب عميقا داخل أحد الجبال. وأجبرت التقارير الغربية طهران على الاعتراف لمفتشي وكالة الطاقة بوجوده وسمحت لهم بزيارته. ويشير هؤلاء الأخيرون الى أن نية الإيرانيين تزويده بثلاثة آلاف طاردة أمر يثير الشكوك في الغرض الحقيقي منه لأن هذا العدد يكفي لإنتاج قنبلة نووية كل عام.

بحلول هذا الوقت كانت إيران قد طورت كل مستلزمات حزام الإنتاج: اليورانيوم المعدّن في مناجم غاشين، ومنشأة تحويله الى يورانيوم التيترافلورايد في اصفهان، وتخصيبه في نتانز ولاحقا في قم أيضا.

فلا يتبقى في هذه الحال إلا طريقة الإشعال المعقدة وأيضا المهمة الشاقة المتمثلة في إعداد صواريخ quot;شهاب 3quot; بالقنبلة. ونظريا فإن طهران قادرة على إنتاج 15 كيلوغراما من اليورانيوم الصالح لإنتاج القنبلة كل عام في منشآت نتانز. وتبعا للخبراء فإن هذا يكفي لإنتاج قنبلة نووية في خلال عامين. وتبعا لوكالة الطاقة فإن لإيران اليوم 2427 كيلوغراما من اليورانيوم منخفض التخصيب. وإذا نجحت حتى الآن في تغذية الطاردات بـ1952 كيلوغراما كانت قد نقلت الى نتانز سابقا، صار لها 200 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بدرجة 20 في المائة. وفي هذه الحالة فلن يستلزم الأمر غير أشهر معدودة قبل أن يكون لها ما يكفي لإنتاج قنبلتها النووية الأولى.

خطأ وتخريب
يقول اولبرايت إن الإيرانيين quot;ارتكبوا خطأ كبيرا باستعجالهم الأمور. فحوالى 3700 طاردة فقط تعمل اليوم من مجموع 8610 طاردات نصبت في كانون الثاني/يناير الماضي. ومن المرجح أيضا أن الأميركيين نجحوا في تخريب عدد غير معروف منها بشكل أو آخر. وعموما فإن العلماء الإيرانيين يقفون بمواجهة مشاكل قد تستغرق حلولها سنينا. لكن العامل الحاسم هنا هو أن إيران تسعى للقنبلة بأي ثمنquot;.