يستذكر العراقيّون أول هبوط للإنسان على سطح القمر، وهم ينظرون إلى ذلك الحدث الكبير بروح السخرية المرة من واقعهم ذلك انهم يربطون ذلك الحدث بقيمة كبيرة للتطور والمدنية والرفاهية ايضًا، فلا تجد بدًا من أن تسمع للتعبير عن سخطهم على التخلف مثلا الذي أضحى شائعًا في حياتهم، والعتب ايضًا: (الناس وصلت للقمر..) وتجدهم ايضًا يحمدون الله ويشكرونهم ولا سيما على نعمة القمر الذي يضيء لياليهم ويزيل عنهم مظاهر الخوف التي تتراكم في العتمة لأنهم يتخذونه مصدرًا مهمًّا جدًّا افضل بكثير من (كهربائهم الوطنية) التي تذكرهم بأصنام الجاهلية التي لا تنفع.

الاستذكار موعده 20 تموز/ يوليو الذي يمتد الى العام 1969 يوم هبط أول انسان على القمر، ليس من الصعب ان نتذكره ذلك هو نيل أرمسترونج أول إنسان يخطو بقدميه على سطح القمر بوساطة المركبة الفضائية أبوللو ومعه زميله اودين الدرين، ولا يمكن نسيان ذلك والتفاصيل والصور التي علقت في الذاكرة، ولكن الحديث هنا عن العراقيين في واقعهم، ومشاعرهم تجاه هذه الذكرى.

سألت quot;إيلافquot; عشرة اشخاص، كانت كلمات اغلبيتهم تشكر القمر الذي يأنسهم من الوحدة والظلمة، واشاروا الى انهم في كل ليلة من ليالي الصيف يصافحونه بنظراتهم ذلك لانهم يفترشون سطوح البيوت للنوم فتذهب نظراتهم مباشرة الى وجهه الجميل، كما سخر بعضهم من حالة التخلف التي اصابت العراق خلال الـ (41) سنة الماضية فيما العالم تقدم كثيرًا واستفاد اكثر من ذلك الحدث العظيم، وها هو الان ينتظر ان تنفرج الامور وتتغير الاحوال.

تقول الباحثة والاعلامية زينب القصاب: نحن العراقيين والقمر اصدقاء، لأنه مؤنسنا في احيان كثيرة، واضافت: انا اخاف على القمر من الانسان، يمكن انا متطبعة بحالة (افلام الكارتون) او الطفولة عمومًا عندما نشاهد العصافير تخاف على اشجارها ومكانها من الانسان.. كنا نضحك، الان انا مؤمنة بهذا الامر، فعندما اشاهد افلام كارتون، نظرتي تصححت اننا نؤذي حقًا، وانا اخاف على القمر.

وتابعت: نحن العراقيون استفدنا من القمر بإضاءته لنا ليالينا المظلمة فقط، اما العلوم الاخرى فأينها ونحن اصحاب العلوم والحضارات والاداب والفنون، هذا كله نحن بمعزل عنه، نحن اول الناس الذين اعتمدنا على الافلاك بالطب وحتى بالحلاقة، كان حلاق بغداد يعتمد على الاسطرلاب وعلى القمر حتى يحلق شعر امير او تاجر او شاهبندر في يوم غير نحس، فنظر اين كانت عقولنا واين اصبحنا، نحن لازلنا نعتمد على نواميس الطبيعة الاعتيادية، ما زلنا ننظر الى القمر فقط كرومانسي، نحن لا نخرق حدود رب العالمين ولكننا لم نصل الى اي شيء.

ومضت في حديثها: الذكرى لا توحي لي شيئًا، ذلك لان العجز الفكري يسيطر علينا، على الرغم من اننا مثقفون، وانا احمل شهادتين علمية وادبية الا ان العجز الفكري اصبح يتملكنا، فليس لدي القدرة على ان اعرف ماذا توحي لي هذه المناسبة بسبب ظروف بلدنا، اقول عجز فكري لان المثقف في كل دول العالم متفرغ لثقافته، الاديب متفرغ لادبه والعالم متفرّغ لعلمه، نحن الان لا نعرف متفرغين لماذا، من الجيد اننا ما زلنا نعيش، احاديثنا اليومية في البيت ومع الزائر وفي الدائرة كلها عن الكهرباء، الماء، البنزين، كيف نأخذ كيف نعطي، هذه اسباب العجز الفكري التي تلهيك عن امورك الفكرية الخاصة، ذات مرة قلت لمجموعة من الزملاء والزميلات: انا في حالة فضول شديد، اريد ان اعرف المجتمعات الاخرى البعيدة من ظروفنا، ماذا تناقش يوميًّا في الدائرة ؟، ما حكيها في البيت ؟، زوارهم بماذا يتحدثون ؟ هل نحن فقط لدينا مواضيع ؟، والغريب ان هذا الكلام اليومي نتحدث به يوميًّا ولا نشعر بالملل.

اما الفنانة الدكتورة عواطف نعيم فقالت: بالتأكيد نحن والقمر احباب، ولكن 41 عامًا على هبوط العقل الانساني على مجهول، معناها كيف العقل الانساني يبتكر الوسائل ليخترق هذا المجهول ويكتشفه ويتعلم منه ويتعرف عليه، اما آن لنا ان نشكل حكومة عراقية لنسبر اغوار هذا المجهول الذي يكتنف العراق ؟ والله كلنا خوف على العراق، آن لنا ان نتكلم ونقول احموا العراق، احموا العراق فهو في خطر.

واضافت: انا كعراقية احزن عندما ارى المواطن العراقي يغرقه الساسة في الجهالة ويعتمون عليه ويظلمون يومه وهم يتحكمون بمصيره وهو لا حول له ولا قوة، هذا هو الذي يحزنني والذي يؤلمني، واعود واقول: احموا العراق لان كرامة العراق من كرامة العراقي، وكرامة العراقي من كرامة وطنه.

أما الكاتب سعدون شفيق فقال: نحن والقمر جيران، هذا صحيح، ولكنه جار لايفعل سوى ان يضيء لنا ما عتم من ليالينا وياليتنا نستطيع الذهاب اليه والعيش على ارضه، ربما يرحمنا اكثر من الاارض، وهذه حالة فريدة يمكن ان تخلد للانسان الرافض للموقع الذي هو عليه واقصد به الارض، اما حبا بالحياة الجديدة او هروبا من الحياة التي يعيشها، فالكل يعلم ان الحياة على الارض اصبحت لا تطاق لذلك بدأ العلماء يفكرون بالهروب من هذه الارض غير المعطاء، الملآى بالحروب والويلات، لذلك فكروا في اقرب النجوم فكان القمر، اختاروا القمر لكي يكتشفوا المعالم التي هناك.

واضاف: ان الحياة التي يعيشها الانسان العراقي جعلته يتمنى الانطلاق نحو القمر اما ليشارك او ليكون تاريخًا له، النزول على القمر امنية عراقية بعد ان صار واقعنا يرثى له وحياتنا تتراجع، نقول ان العالم وصل الى القمر.. ونضحك من انفسنا اننا ما زلنا نستخدم الالات والمواد البدائية في اضاءة الليل، وما عليك سوى ان تتلمس الجو الحار لتشعر كم نحن متخلفون وبعيدون عن العالم، الحياة لا تطاق ونتمنى ان نذهب الى القمر لنستريح من عناء الارض !.

وقال القاص والكاتب عبد الرضا الحميد: شخصيا لست معنيا بهذا الامر، امر الهبوط على القمر، لسببين، اولا نحن لم نبلغ للان هذه المرحلة، فهو منجز انساني غيري، فالمنجز الانساني الغيري طالما نحن موجودون في اسفل الركب الحضاري فغير معنيين به، هذا من ناحية الاطار العام، اما من ناحية الاطار الخاص جدا الذي يمثل طموحي فأعتقد نحن اكثر الناس جدارة احتفاء بهذا لسبب بسيط هو نحن اصحاب الحضارة الاولى، اصحاب الحرف الاول، والعجلة الاولى والنحت الاول والقانون الاول واللغة الاولى.

واضاف: هي كوميديا سوداء، لكن الازمات التي تعصف بالشعب العراقي هل هي تعبر عن ارض الشعب العراقي او علمائه او مفكريه وادباء العراق، هذا لا يمثل، العجز هو عجز النخبة السياسية الحاكمة فقط، لانهم وضعوا الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب وهذه فلسفة صهيونية قديمة سبق ان تعرض لها العديد من شخصيات العالم.