الحديث الأبرز الذي يلف مجالس النخبة المثقفة، والمسيّسة في مصر، لا يبرح منطقة تداول فرضيات إختفاء اللوحة العالمية الشهيرة quot;زهرة الخشخاشquot;، وسط إتهامات لمسؤولين حكوميين بالتراخي والتقاعس عن حماية لوحة تقدر قيمتها الفنية العالية بعشرات ملايين الدولارات.

تكثف السلطات المصرية الحكومية تحريات وتحقيقات في إتجاهات متعددة في إطار مساعي الكشف عن مصير لوحة الفنان الهولندي العالمي فان كوخ، المعروفة بإسم quot;زهرة الخشاشquot;، التي تقدر قيمتها الأثرية بأكثر من 55 مليون دولار أميركي، إذ لوحظ قبل أيام فقدانها من متحف مصري شهير، كانت تودع فيه ضمن أعمال أثرية أخرى معروضة للمهتمين والشغوفين بالآثار، علمًا أن التحريات الأولية لا تزال تشير الى أن السرقة تمت في وضح النهار، وأثناء ساعات العمل الرسمية للمعرض، إذ أدى كشف النائب العام على مسرح السرقة بأن الأداء الحكومي في هذا المتحف في الكثير من الإهمال والتراخي، وهو وضع قد يكون سهل السرقة، دون إستبعاد فرضية التواطؤ، إذ فتحت النخب المصرية المثقفة النار على وزير الثقافة فاروق حسني بإعتباره الوزير المختص في هذا الإطار.

وحتى الآن لم تكشف لا التحقيقات ولا التحريات سر فشل أكثر من 43 كاميرا مزروعة في زوايا متحف محمود خليل وأنحائه في العاصمة المصرية القاهرة، في تسجيل وقائع السرقة، أو ملامح من نفذوها، إذ كشفت التحقيقات عن أن 36 كاميرا، كانت معطلة، فيما الكاميرات الباقية لم تصور ولو مشهدًا واحدًا لعملية السرقة، وسط تساؤلات حادة في الشارع المصري، عن السبب الكامن وراء هذا الأمر، لاسيما أن سجلات الصيانة الدورية لمرافق المتحف الذي يحتضن زهرة الخشخاش، لم يكن يشير الى أي أعطال من أي نوع للكاميرات المخصصة لأغراض الرقابة، وهو الأمر الذي بات يسوق نظرية المؤامرة حول التعطيل المتعمد لتلك الكاميرات، لتسهيل سرقة اللوحة العالمية، التي أدى الكشف عن سرقتها، الى فتح ملف الفساد السياسي في مصر، خصوصا وأن هذه اللوحة مستهدفة عالميًا، وتم تسجيل حالات سرقة لها في الماضي القريب، وهو الأمر الذي يجعل تكرار سرقتها من متحف خاضع لسلطة وإشراف الجهاز الحكومي مثيرا للريبة والشك.

وعلى الرغم من أن سلطات الأمن المصرية تتشدد في إجراءات التفتيش، والمتابعة لأمتعة المسافرين في ميناء القاهرة الجوي، في مسعى لإحباط عملية تهريبها الى خارج مصر، لبيعها في السوق السوداء، خصوصا وسط إتهامات لإيطاليين زاروا مصر مؤخرا، إذ أبدت السفارة الإيطالية التعاون الكامل في هذا الإطار، إلا أن التقديرات الأمنية المواكبة حتى الآن تشير الى أن من سرقوا اللوحة، قد لا يتمكنوا مطولاً من تهريبها، قبل تسهيل الأمر، وهو الأمر الذي تتعامل أجهزة الأمن المصرية بموجبه، إذ صدر قرار عن المستويات الأمنية العليا، بأن يتم تشديد عمليات الرقابة في جميع المنافذ الجوية، والبرية والبحرية المصرية، لإحباط أي تهريب محتمل، وتعزيز مراكز التفتيش بخبراء من سلطة الآثار والمتاحف، لتسهيل العثور عليها، ومنع تهريبها.

يذكر أن الملياردير المصري نجيب ساويرس رصد مكافأة قدرها مليون جنيه مصري (175300 دولار) لمن يدلي بمعلومات تؤدي الى العثور على اللوحة لفان كوخ سرقت من متحف مصري. وساويرس رئيس شركة أوراسكوم تليكوم أكبر شركة لتشغيل شبكات الهاتف المحمول في العالم العربي هو أول رجل اعمال يشارك علنا في جهود البحث عن اللوحة التي تقدر قيمتها بنحو 55 مليون دولار.

إستدعاء حسني

وفي تطور مهم فقد شوهد وزير الثقافة المصري فاروق حسني يترجل من سيارته الحكومية بإتجاه مكتب النائب العام في العاصمة القاهرة، وذلك بسبب رغبة الأخير سماع أقوال الوزير، وتقديراته، على اعتبار أن المتحف مسرح السرقة للوحة العالمية، يعد واقعا تحت سلطته المباشرة، إذ تشير التقديرات الى أن الوزير المصري الذي تكبر حملة الهجوم، عليه، ومطالبته بالإستقالة، وتحمل المسؤولية السياسية والأدبية قد أقر بوجود أنواع رهيبة من التقصير الحكومي، وإنعدام المخصصات المالية الكفيلة بتشديد الرقابة، إذ أكد الوزير في أقواله الى النائب العام، أن من تم توقيفهم في إثر هذا السرقة، يحتمل جدا أن يكونوا قد تورطوا في السرقة عبر مستويات متعدّدة، إلا أن الوزير رفض إتهامهم رسميًا.

وعلى الرغم من أن لوحة زهرة الخشخاش قد تعرضت لسرقات معلنة، وأخرى سويت بصمت خلال العقود الماضية، إلا أن مستويات عدة من المثقفين المصريين يرون بأن اللوحة العالمية المشار إليها، وتعد عملا تشكيليا نادرا، إلا أن ما تحتفظ به مصر ليست النسخة الأصلية من اللوحة، بل هي نسخة مقلدة، إذ كانت اللوحة نفسها قد تعرضت لعملية سرقة غامضة عام 1978 على يد لص يدعى حسن العسال ثم أعيدت بعدها بقليل إلى المتحف بطريقة أكثر غموضًا، وهو ما جعل البعض يردد أن الغرض من السرقة كان نسخ اللوحة وأن الموجودة في المتحف quot;المسروقةquot; هي النسخة المقلدة، بينما اللوحة الأصلية هربت إلى الخارج. وأثيرت حول quot;زهرة الخشخاشquot; ضجة كبيرة العام 1988 حين أعلن الكاتب المصري الراحل يوسف إدريس في صحيفة quot;الأهرامquot; الرسمية أن اللوحة الموجودة بالمتحف نسخة مزيفة وأن الأصلية بيعت في إحدى أكبر صالات المزادات بلندن بمبلغ 43 مليون دولار اميركي.

قصة اللوحة

quot;زهرة الخشخاشquot; هي لوحة رسمها في 1887 الفنان الهولندي الراحل بعمر 37 سنة، فينسنت فان كوغ، حين كان يقيم في جنوب فرنسا، حيث أمضى آخر سنوات حياته وهو يكد ويجهد هناك للحصول على لقمة العيش ولا يجدها، إلا بعد أن يصله مبلغ صغير كان يرسله إليه كل شهر شقيقه، ثيو، من باريس.

ولم يستطع فان كوغ بيع أي لوحة رسمها في حياته، سوى واحدة باعها له شقيقه بمبلغ زهيد. لكن الفنان الذي كان يعاني من مرض الصرع ترك بعد انتحاره في 1890 برصاصة أطلقها في صدغه، أكثر من 800 لوحة يعيش من التعامل معها منذ عشرات السنين آلاف الموظفين والفنيين والحرس والعمال بمتاحف في 5 قارات.