تأتي تبرئة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لسوريا من جريمة اغتيال والده رفيق الحريري وسط معلومات تشير بوجود توجه دولي لرسائل تفاهم في المنطقة يشمل لبنان والعراق والأراضي الفلسطينية ويمتد حتى اليمن ويكون لسورياالدور الأبرز فيه.

تستمر شظايا القنبلة السياسية التي فجرها رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري بالتطاير في كل الاتجاهات، عبر الاعتراف بخطأ جسيم ارتكبه تيار المستقبل بحق سوريا، من خلال اتهامها سياسيًّا بجريمة اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، وتأكيده بوجود شهود زور، ضللوا التحقيق في هذه القضية، حيث من المتوقع ان تشكل هذه الخطوة، نقطة النهاية لمرحلة سياسية كاملة، امتدت ما يقارب الخمس سنوات، تعرضت اثناءها العلاقات اللبنانية السورية لاختبار غير مسبوق.

ياتي هذا التطور السياسي النوعي لبنانيًّا، في ظل اتجاه دولي واقليمي، لارساء تفاهم يمتد ما يقارب السنة ونصف السنة، ويشمل العراق ولبنان والساحة الفلسطينية وامتدادًا حتى شمالي اليمن، يكون لسوريا فيه دور الضامن للعلاقة بايران، وبالتالي دورًا سوريًّا كبيرًا في المنطقة، وفقًا لما ذكره موظف كبير سابق في الادارة الاميركية، ما زال يتابع ملفات المنطقة، وذلك خلال زيارة اخيرة له للبنان منذ مدة وجيزة، وبالتالي لا بد ان يترجم ذلك اذا ما صحت معلومات الموظف الاميركي، دورا امنيا هاما لسوريا على الساحة اللبنانية، وخصوصا حيال ما يسمى المنظمات الارهابية وضبط quot;الزواريب quot; اللبنانية والذي لا بد ان يترجم عبر حكومة جديدة، يراسها سعد الحريري، يكون لسوريا دورا حاسما فيها من خلال امساكها بملفات الدفاع والامن والفضاء، مما يؤمن شراكة سورية حقيقية في مراقبة عمل المحكمة الدولية، وضمان النتائج التي سينتهي اليها عمل المحكمة، ويساعد سوريا في تحسين حصتها اقليميا، والحفاظ على حزب الله في نفس الوقت الذي سيبقى دوره، ومهما توسع، محكوما بالمرور عبر القناة السورية، خصوصا وان القرار الظني للمحكمة الدولية في المعطيات الراهنة، بات يشكل مقدمة لحرب اسرائيلية قاسية على لبنان تهدف الى ضرب حزب الله.

ويتوقع ان تحدث المواقف الاخيرة للحريري الكثير من الارتدادت السياسية، سواء داخل تياره وكتلته النيابية والجبهة السياسية لقوى الرابع عشر من اذار، أو في صفوف المعسكر الاخر، اي قوى الثامن من أذار واللذان خاضا مواجهة سياسية قاسية، استعملت فيها كل أساليب التعبئة السياسية والطائفية والمذهبية واحيانا القوة العسكرية، للامساك بزمام السلطة في لبنان، وانتهت أخيرا بعد تبدل السياسة الاميركية التي تحولت من اعتماد سياسة الفوضى البناءة الى سياسة التسويات والحلول الوسط، واقفال ملف الحروب التي شنها الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش الابن .

واكتسب الموقف الاخير للحريري دلالات استثنائية بكل المعايير، وضعته في موازاة حدث زيارته الاولى للعاصمة السورية دمشق، عقب تسلمه رئاسة الحكومة في تشرين الثاني الماضي، على اثر التوافق السعودي السوري الذي شكل مظلة للوضع اللبناني، بغية الحؤول دون انفجاره، بفعل هشاشة وضعه الداخلي، جراء التشنج المذهبي السني الشيعي الذي تفاقم بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وحدة الصراعات الاقليمية التي تتجاذب المنطقة، وخصوصا حول ملفي المشكلة النووية الايرانية والقضية الفلسطينية، المعقدين والكبيرين و اللذين ينعكسان بشكل مباشر على الاستقرارا السياسي والامني في لبنان .

واذا كان كانت خطوة الرئيس الحريري قد اثارت الكثير من التساؤلات والتحليلات والافتراضات لدى القوى السياسية والكتا ب الصحافيين والمحللين السياسيين، واحدثت خلطا جديدا للاوراق، ودحرجت كرة ثلج، لم تتوقف حول دلالات الخطوة التي أقدم عليها الحريري، فان مصدرا قياديا في تيار المستقبل، على صلة يومية ومباشرة برئيس الحكومة، وفي ظل تقشف اعلامي تعتمده قيادة التيار، اوضح الملابسات التي أحاطت بالموقف الاخير للحريري، واعتبر بداية بان كل فريقه موافقا على كلامه الاخير، وتحديدا المتعلق بالمتهمين بفربكة شهود الزور، واوضح بان مقدمات هذا الموقف، بدأت خلال انعقاد مؤتمر التيار منذ اشهر، عندما اعلن حينها، بان هناك اخطاء ارتكبت في العلاقة بسوريا، يعمل على تصحيحها، والان يتم يرد الاعتبار لها، والذي سينجز بشكل نهائي، عند صدور قرار المحكمة، حيث يمكن حينها تبرئة سوريا والاعتذار منها، علما ان الرئيس السوري بشار الاسد، كان قد اعترف بان سوريا اقترفت اخطاء في لبنان، خلال فترة وجودها العسكري فيه، اضافة لما اعلنه وزير خارجيتها وليد المعلم، بانه اذا ثبت ضلوع اي سوري في الجريمة، فانه سيحاكم من قبل القضاء السوري بجريمة الخيانة العظمى. .

واعتبر المصدر بان ما دفع بالرئيس الحريري الى اعلان موقفه في هذه اللحظة، كان الكلام الأخير لرئيس المحكمة الدولية القاضي بيلمار، عندما اعلن اهماله افادة ما سمي بشهود الزور، بما فيهم محمد زهير الصديق، حيث بادر الرئيس الحريري اثر ذلك الى اعتبار البناء على شهادة هؤلاء الكاذبة، خطأ ارتكب من قبل تيار المستقبل بحق سوريا، خصوصا وان الاعتراف بالخطأ والاعتذار ليس عيبا، اذا ما كان ذلك جزءا من ثقافة ديمقراطية وليبرالية، وليس اعتبار السياسة عمل الهة، يجب التضرع اليهم لاكتساب رضاهم، واشار الى ان ما يسمى بشهود الزور يجب انزال أشد العقوبات بهم، بما في ذلك الاعدام، وان الرئيس الحريري ينتظر حاليا رأيا قضائيا يؤكد تصنيفهم كشهود زور، كي يتم الاعتماد عليه ومحاكمتهم، وحول ما يطلبه البعض، لجهة اقدام الرئيس الحريري على تبرئة حزب الله من جريمة اغتيال والده، سأل المصدر هل اتهم الرئيس الحريري حزب الله كي يبرئه؟ وأكثر من ذلك فان الرئيس الحريري لم يبرئ سوريا من الجريمة، لكنه توقف تحديدا عند اتهامها سياسيا، استنادا الى افادات شهود الزور، واعتبر ذلك خطأ يجب تصحيحه، اما الاعتذار فهو مرتبط بصدور القرار الظني الذي يمثل البراءة او الاتهام النهائي والحاسم.

واشار المصدر الى ان هناك قتاعة لدى الرئيس الحريري، بان لا علاقة لحزب الله بجريمة الاغتيال، خصوصا وان هناك اكثر من حديث علني له، يستغرب فيه اتهام الحزب بالجريمة، ولفت الى ان عدم صدور القرار الظني وتاخيره في ضوء المعطيات السائدة، يشكل عاملا مساعدا على اتهام الحزب، وتحديدا اذا ما تم تعطيل القرار نهائيا، لان المواطن العادي حينها سيعتقد بان الحزب هو المسؤول عن جريمة الاغتيال، وتم الحؤول دون اتهامه علنا، خوفا من السلاح الذي يمتلكه، وللحد من التداعيات المذهبية والسياسية التي ستنجم عن ذلك، وأكد بأن ما يتحكم بشكل رئيسي وحاسم في مواقف الحريري، هو ادراكه العميق لما يحاك للمنطقة، وخصوصا التخطيط الاسرائيلي الدائم من اجل توجيه ضربة لحزب الله بعد عزله عن محيطه اللبناني والعربي، والتاسيس لفتنة مذهبية، تولد مشكلة اسمها المسألة الشيعية، وقد شكل كل ذلك العنصر الحاسم في التحرك السعودي من اجل افشال المخطط المذكور، واعتقد المصدر بان ايران ادركته مؤخرا، بل وادرك الايرانيون، بان المدخل الى ذلك هو المحكمة الدولية، عبر اصطدام حزب الهر بها، وخلق تداعيات سياسية وعسكرية، تدفع عددا من المجموعات المتطرفة الى اعلان امارة اسلامية، واخرى الى المطالبة بالتقسيم، يتم على اثرها اعلان لبنان دولة فاشلة، واعتبر المصدر بانه تم تجاوز قطوع هذه المؤامرة التي يعمل الرئيس سعد الحريري جاهدا لمحاصرتها، على ان ذلك لا ينفي بانها قد تطل برأسها مجددا عبر وسائل اخرى .

وشدد المصدر بان رفض المحكمة الدولية سيرسخ في اذهان الناس مسؤولية حزب الله عن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهو ما تنبه له رئيس المجلس النيابي نبيه بري، عندما دعا الى التميز بين المحكمة والقرار الظني، وختم المصدر بان المواقف الاخيرة للرئيس سعد الحريري تهدف الى حماية المحكمة الدولية من ضربها عبر ملف شهود الزور، وبان لقاء سيحصل قريبا بين الرئيس الحريري وامين عام حزب الله، وناشد الحزب الحفاظ على بقاء المقاومة خيارا وقناعة لدى الناس، وليس خوفا من سلاحها، لان ذلك سيؤي الى انتظار اي مخلص، وتكرار تجربة رش الارز من قبل بعض اللبنانين على الجيش الاسرائيلي في العام 1982 .