مقاتل من حزب العمال الكردستاني

في تركيا التي تضع مسألة الولاء للدولة فوق حرية التعبير، فإن أي حديث علني عن وطن مستقل للأكراد يعني عقوبة السجن تلقائيا.. والأكراد أنفسهم أول من يعلم هذا. لكن ثمة تطوراً جديداً في ما يبدو.


نشر quot;حزب السلام والديمقراطيةquot; الكردي على موقعه الالكتروني بيانا جاءت فيه مطالبة بما أسماه quot;حكما ذاتيا ديمقراطياquot;. ومع ذلك فلم يُعتقل أحد. ورغم ان الرئيس عبد الله غول قام بزيارة الى المنطقة الكردية بهدف نزع الفتيل من بارود الكلام عن الاستقلال الذاتي، فإن المحللين يقولون إن مجرد زيارته الإقليم علامة على أن حكومة أنقرة تعيد النظر في سياسة القبضة الحديدية التي تواجه بها الأكراد وذلك في وجه quot;الوطنيينquot; الأتراك الذين لا يساومون في رفضهم أي تساهل تجاه quot;الأقلية المتمردةquot;.

ويذكر أن هذه ليست الزيارة الأولى وإنما الثالثة التي يقوم بها غول الى الإقليم منذ تسلمه منصبه في العام 2007، وهو تغيّر واضح في سياسة الحكومة التركية التي يعزف قادتها تقليديا عن شيء كهذا.

إردوغان مستفيد أيضا

يقول المحللون إن هذا التغيّر يأتي جزئيا كثمرة لسياسات رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان الساعية منذ زمن لنوع من التصالح مع الأكراد. وهذا أمر حسن بالنسبة لأردوغان نفسه. فقد صار العديد من الأتراك مرهقين نوعا من الصدامات المسلحة ومستعدين لتنازلات في هذا الشأن.

كما ان المصالحة قد تصب لصالح مساعي البلاد الدؤوبة للانضمام الى الاتحاد الأوروبي. ويتتوج كل هذا بأن الانتخابات العامة على بعد أشهر قليلة وحتما فإن إردوغان يريد خوضها باعتباره صانع السلام والرجل الذي أدخل البلاد الى الحظيرة الأوروبية.

ويقول المحلل الكردي اوميت فراد في لقاء مع صحيفة quot;نيويورك تايمزquot;: quot;أمام الحكومة التركية فرصة سانحة للفوز بقلوب الأكراد عبر تخليها عن خطابها القديم. وهي تعلم - كما يعلم الأكراد - أن أي صيغة مقبلة يجب أن تتخلى عن مقولة إن الجميع أتراكquot;.

وفي غضون هذا ينشط المقاتلون الأكراد على الصعيد الدبلوماسي وصعيد العلاقات العامة. فبعد نضال دامٍ لأكثر من ربع قرن أودى بحياة حوالي 40 ألف شخص، أعلن حزب العمال الكردستاني تمديده وقف إطلاق النار من طرف واحد، وراح يتحدث لوسائل الإعلام عن أهمية التوصل الى حل سياسي.

مصالح مشتركة

السنوات القليلة الماضية شهدت تغيرات مبشّرة بهذا السلام، مثل السماح باستخدام اللغة الكردية في الأماكن العامة وعلى شاشات التلفزيون وخلال زيارات الأكراد أهاليهم وأصدقائهم في السجون. وهذا كله جزء من مساعي حكومة انقرة لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي الذي اشترط عليها تحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان، لكنه يصب لصالح الأكراد وعملية السلام.

وفي الأشهر الأخيرة وعد quot;حزب العدالة والتنميةquot; الحاكم بدستور جديد يحل محل الذي فرضته المؤسسة العسكرية في اعقاب انقلابها العام 1980 ويعتبره العديدون مخلّاً بالحريات. ورغم ان الحكومة لم تكشف عن الكيفية التي سيؤثر بها الدستور الجديد على وضع الأكراد تحديدا، فقد وعد إردوغان بأن التعديلات لن تجرى عليه الا بعد مشاورة كبار رجالات المجتمع وقادة الجاليات والمنظمات غير الحكومية.

ومن غير المرجح أن يوافق إردوغان على حكم ذاتي لأكراد البلاد البالغ عددهم 14 مليون نسمة. لكن المحللين يتوقعون أن ينظر في مسائل مثل استحداث لوائح انتخابية جديدة تتيح للأحزاب الصغيرة منافذ أكبر الى البرلمان ومثل السماح باللغات العرقية كالكردية.

وليس واضحا ما إن كانت الإصلاحات الجديدة سترضي الأكراد. لكن المحللون يعتقدون إن الجو الحالي الذي يتحدث فيه حزب العمال الكردستاني نفسه عن السلام، يجعل من الفرص في التوصل الى تسوية دائمة قريبة المنال الآن. ورغم أن الحكومة ترفض التفاوض علنا مع هذا الحزب الذي يصنّفه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة quot;إرهابياquot;، فليس سرا أنها تحاول - خلف الستار - التوصل مع سائر القادة الأكراد الى بناء أرضية مشتركة يقوم عليها السلام مستقبلا.

مصاعب على الطريق

مع كل هذا فالأمر ليس سهلا. فعلى حكومة إردوغان السير على طريقها محفوف بخطر تأجيج مشاعر العداء من جانب القوميين المعارضين لأي نوع من التنازلات للأكراد. والتاريخ يعج بالانتكاسات التي نسفت محاولات التقارب بين الطرفين.

ففي 2009 دعت الحكومة وفدا صغيرا من أعضاء حزب الشعب الكردستاني للعودة الى تركيا كبادرة على حسن النوايا السياسية. لكن هذا أثار حفيظة القوميين الى حد اضطرت معه السلطات لقطع برنامج الزيارة.

وفي وقت لاحق من ذلك العام، اعتقلت الحكومة مئات نشطاء الأكراد بتهم الإرهاب، ولكن فقط من أجل إرضاء القوميين، والتزمت، منذ ذلك الوقت، الحذر في تعاملها مع الصراع. والأسبوع الماضي فقط عادت للتحدث بالخطاب المعهود. فقد قال تشميل تشيتشيك وهو مسؤول حكومي رفيع المستوى: quot;وطن واحد وأمة واحدة ودولة واحدة ولغة واحدة هي التركيةquot;.

ومع كل ذلك فمن الواضح أن المزاج العام في تركيا يتجه الى آفاق سلمية جديدة منذ إعلان حزب الشعب الكردستاني وقف إطلاق النار من جانب واحد ثم إعلانه مجددا تمديد هذه الهدنة. وبلغ هذا الأمر أوجه في حدث غير مألوف في الآونة الأخيرة. فقد تجمع الآلاف في وسط اسطنبول مطالبين بالسلام ورافعين شعارات مثل quot;اتركوا الحرب واختاروا السلمquot; وquot;احتضن أخاكquot;.