رفض عضو مجلس الشورى المصري نبيل بباوي اعتبار ان يكون الاقباط يعانون الإضطهاد في مصر، لكنه أكد ان هناك مشاكل مزمنة. وفي حديث مع إيلاف، نوه بباوي الى قرب صدور قوانين للأحوال الشخصية وبناء الكنائس ستحل جزءًا من الازمة، مؤكدا ان تفجير الإسكندرية عمل إرهابي.


نبيل بباوي

يعدّ عضو مجلس الشورى اللواء نبيل بباوي احد الرموز القبطية في مصر وهو كان من قيادات وزارة الداخلية سابقاً. يتمتع بعلاقات قوية ومتشعبة مع السلطة، كما لديه علاقات على الدرجة نفسها من القوة والمتانة مع البابا شنودة وقيادات الكنيسة، فضلاً لعلاقاته مع شيخ الأزهر ووزير الأوقاف.

وهو باحث في الشأنين الإسلامي والمسيحي، كما أنه أول مسيحي يحصل على درجة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية، وقدم العديد من المؤلفات للدفاع عن الإسلام، والتقريب بينه وبين المسيحية، منها quot; الإرهاب ليس صناعة إسلاميةquot;، quot;إنتشار الإسلام rlm;بحد السيف بين الحقيقة والإفتراءquot;، quot;الجزية على غير المسلمين..عقوبة أم ضريبةquot;، quot;خطورة مناقشة العقائد في الإسلام والمسيحيةquot;، quot;مشاكل الأقباط في مصرquot;، quot;الوحدة الوطنية ومأساة التعصبquot;، quot;السيد المسيح وإدعاءات المفترينquot;.

وأكد اللواء بباوي في حديثه لـquot;إيلافquot; أن حادث كنيسة القديسين في الإسكندرية عمل إرهابي موجه ضد مصر كلها، وليس الأقباط فقط، متهماً جهات أجنبية بالمسؤولية عنه، رجح أن يكون الموساد. كما شدد على أهمية تكاتف حكماء الأمة لنبذ التعصب والدعوة إلى التمسك بالوحدة الوطنية. وأعلن أن أخطر مشكلتين تواجهان الأقباط وهما بناء الكنائس وقانون الأحوال الشخصية ستنتهيان قريباً، مع إقرار القانونين في البرلمان.

في ما يلي نص الحوار:

س: بصفتك خبيراً أمنياً ومواطناً قبطياً، كيف ترى الاعتداء على كنيسة القديسين؟

هو حادث إرهابي موجه إلى مصر كلها، وليس إلى المسيحيين فقط. فجميع الأدلة تؤكد ذلك، ولا بد من تحويل الجناة عندما يتم القبض عليهم إلى القضاء العسكري، فليس من الحكمة محاكمة من يرتكبون جرائم إرهابية أمام القضاء العادي، لتستمر المحاكمة لسنوات، كما هو الحال في حادث نجع حمادي الذي راح ضحيته ستة مسيحيين ومسلم في إحتفالات أعياد الميلاد العام الماضي، ولم تصدر بحق الجناة أية أحكام حتى الآن.

في حين أن القضاء العسكري سيصدر حكمه في غضون شهر أو ثلاثة على الأكثر، قبل أن تبرد دماء الضحايا. كما ان الأقباط وحدهم ليسوا المستهدفين من الاعتداء، بل المجتمع المصري ككل، تنفيذاً لأجندات أجنبية تهدف إلى زعزعة الإستقرار لدينا، وهناك جهات داخلية لديها أجندات تهدف أيضاً إلى زعزعة إستقرار مصر. وهذا يستدعي أن يعي المسلمون والأقباط المؤامرة جيداً، وأن يدركوا أن نجاتهم من المخططات التي تستهدف القضاء عليهم عبر زرع الفتنة بينهم، هو التمسك بالوحدة الوطنية، وليس الخروج بمظاهرات طائفية. هؤلاء يرفعون القرآن، وهؤلاء يرفعون الصليب، ولا بد أن تخرج جميع المظاهرات رافعة القرآن مع الصليب، كما حدث في مظاهرات شبرا التي اندلعت بعد الحادث. نعم هناك مشكلات، لكن ينبغي أن يتم حلها في إطار من الحكمة معاً دون السماح لأي طرف خارجي التدخل فيها. وعلى حكماء الأمة ألا يقفوا موقف المتفرج، وأن يتدخلوا لفض هذا الإشتباك.

س: من تقصد بـquot;حكماء الأمةquot;؟

أقصد المثقفين ورجال الدين المعتدلين، هؤلاء لهم دور كبير في وأد الفتنة وعدم السماح لها بالإشتعال، خصوصاً أني أخشى قيام من أحدثوا تفجيرات الإسكندرية بتفجير أحد المساجد في المرة القادمة، مما يزيد الأمر اشتعالاً بدرجة لا يمكن لأحد أن يحتويها.

س: ومن تقصد بالجهات الأجنبية التي تقف وراء الحادث: تنظيم القاعدة، الذي أصدر تهديدات بإستهداف الكنائس منذ نحو الشهرين؟

من الصعب التكهن بماهية تلك الجهات، ما دام لم يتم التوصل للجناة، ولكن الرئيس مبارك قال إن هناك أجندات وجهات خارجية تقف وراء الحادث، وهو لا يتحدث إلا بناء على معلومات موثقة متوافرة لديه من الأجهزة الأمنية. ويأتي على رأس تلك الجهات الموساد الإسرائيلي، حيث قال الجنرال عاموس يادلين حرفياً خلال حفل تسليم قيادة الموساد إلى خلفه آفيف كوخفي quot;لقد تطور العمل فى مصر حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979. فقد أحدثنا إختراقات سياسية وأمنية وإقتصادية في أكثر من موقع، ونجحنا في تصعيد التوتر والإحتقان الطائفي والإجتماعي لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائماً ومنقسمة إلى أكثر من شطر، لتعميق حالة الإهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصريةquot;. وهذا الكلام أكبر دليل على تورط الموساد في الحادث، وإسرائيل تهدف دائماً إلى زعزعة إستقرار مصر، وتهديد أمنها القومي، فهي حالياً تتواجد في أثيوبيا بقوة، بهدف التأثير على حصة مصر من مياه النيل، لدرجة أنها صارت أشبه ما يكون بمستعمرة إسرائيلية، فمن يحمي رئيس الوزراء الأثيوبي هم ضباط الموساد. كما تريد إيران زعزعة استقرار مصر، بالإضافة إلى القاعدة، لكن من الصعب الجزم بهوية الجهة التي تقف وراء الحادث الآن. لأن التحقيقات لا تزال جارية.

القوانين المنصفة قريبة

س: لكن ذلك لا ينفي وجود مشكلات يعاني منها المسيحيون في مصر، وهي كثيرة، وتحتاج إلى حلول جذرية؟

نعم هناك مشكلات، لم يعد يجدِ معها الخطاب الإعلامي الذي كان سائداً في عهد الرئيسين عبد الناصر والسادات، الذي كان ينفي وجودها، ويؤكد أن كل الأمور على ما يرام. وتعتبر أول وأخطر مشكلة ما يخص ترميم وبناء الكنائس، وهي مشكلة قائمة منذ العام 1856، والحق أن نصفها تم حله، ألا وهو الترميم، حيث أصدر الرئيس مبارك قراراً في العام 1988 يقضي بأن يكون ترميم الكنائس من إختصاص المحافظين، ثم أصدر قراراً في وقت لاحق بأن يكون ضمن إختصاصات الإدارة المحلية.

أما النصف الآخر من المشكلة وهو بناء الكنائس، فنحن لدينا مشروع قانون موحد لبناء دور العبادة، ولكنه يلاقي معارضة شديدة من التيارات الإسلامية، وتخشى الحكومة من ردود الفعل. وأنا أرى من خلال علاقاتي في الدولة، أن هناك إتجاه لحل المشكلة عبر إصدار قانون منفرد أو قرار جمهوري لبناء الكنائس، ينص على أن المنطقة التي يبلغ تعداد سكانها من المسيحيين رقماً معيناً يسمح ببناء كنيسة فيها، من خلال المحافظ الذي تتبع له تلك المنطقة.

أما المشكلة الثانية فهي قانون الأحوال الشخصية، حيث أن القانون الحالي جائر يطبق منذ العام 1938، وهو يبيح الطلاق لتسعة أسباب، رغم أن الإنجيل لا يسمح بالطلاق إلا لعلة الزنى، ولذلك يرفضه البابا شنودة، وعندما تصاعدت المشكلة بعد صدور حكم من المحكمة الإدارية العليا بإلزام الكنيسة بالسماح لبعض الحالات بالزواج الثاني، وهو ما رفضه، وأبطلت المحكمة الدستورية هذا الحكم. ولما عرض الأمر على الرئيس مبارك، أمر بإيجاد حلول قانونية للمشكلة، وتكونت لجنة من الخبراء بقرار من وزير العدل، ووضع مشروع قانون جديد بمشاركة مختلف الطوائف المسيحية. وسيتم إقرار القانون خلال الدورة البرلمانية الحالية، إذن أهم مشكلتين للأقباط ستحلان قريباً.

س: ماذا عن شكوى الأقباط من عدم تولي المناصب القيادية في مؤسسات الدولة؟

هذه المشلكة تم حلها بنسبة 80%، فمثلاً هناك اللواء مجدي أيوب مسيحي يشغل منصب محافظ قنا. كما شغل اللواء سامي سيدهم منصب رئيس مباحث مصر بوزارة الداخلية، و شغل المستشار نبيل ميرهم منصب رئيس قضاء مجلس الدولة، ونحن نطالب بأن يكون شغل المناصب القيادية بالدولة على أساس الكفاءة، وليس على أي إعتبار آخر، سواء كان مسلم أو مسيحي أو شيعي. وأعتقد أن تلك المشكلة في طريقها للحل بنسبة 100% ، ولكنها تتطلب تغيير ثقافة المجتمع.

س: من وجهة نظرك، هل يعاني المسيحيون في مصر من إضطهاد أم تمييز؟ وهل أي منهما يحدث على المستوى الرسمي أم المجتمعي أم الإثنين معاً؟

الأقباط في مصر لا يعانون إضطهادا، لأن تلك الكلمة تعني وجود إضطهاد ممنهج على المستويين الرسمي والشعبي، وهذا غير موجود، لكنهم يعانون من مشكلات مزمنة منذ ما يزيد على المائة عام، ومنها كما قلنا مشكلة بناء الكنائس. ويجب أن تعمل الحكومة على حلها، والتخلي عن سياسة الترحيل للمستقبل، خوفاً من الإسلاميين، فهذا واجب وطني ينبغي عليها أن تفتح جميع الملفات، وتقدم الحلول الشافية لجميع المشكلات. وإن وجدت أن بعض المطالب ليس للأقباط الحق فيها، لا بد أن تواجههم بالحقيقة. مع ضرورة إعلاء شأن القانون، ومحاسبة من يخطئ من الجانبين بالقانون، والتخلي عن الجلسات العرفية، وسياسة تقبيل القساوسة والمشايخ لبعضهم البعض أمام كاميرات التصوير، في حضور نواب مجلس الشعب، والمحافظين، ويبقى quot;اللي في القلب في القلبquot;.

تفجير الإسكندرية عمل إرهابي

س: بصفتك أحد قيادات وزارة الداخلية سابقاً، هل ترى أن للحادث دلالات أمنية تنذر بحدوث تغير في تكتيك ونوعية المتفجرات وأسلوب العمليات الإرهابية في مصر، مقارنة بالماضي؟

هذا الحادث جديد من حيث نوعية وكمية المتفجرات المستخدمة فيه، وأسلوب التفجير. ولم تستخدم فيه سيارة مفخخة كما يقال، بل هو تفجير إنتحاري، لأن التفجير بالسيارات يخلف حفرة في الأرض وتنصهر السيارة، وهذا لم يحدث. والأجهزة الأمنية أمسكت بخيط جديد سيقودها لتحديد هوية الجاني، لكنها لن تعلن عنه إلا بعد التعرف على من يقفون وراءه. وهو حادث إرهابي، ويجب أن يحال الجناة إلى المحاكمة العسكرية. وهناك أمر خطير، ألا وهو هجوم بعض منظمات حقوق الإنسان على الأمن، حيث أن هذه المنظمات quot;تقبض من الخارجquot;، لتنفيذ أجندات خارجية، وتوجيه الهجوم إلى الأمن بإستمرار، وإظهاره بمظهر المقصر في مواجهة الإرهاب، ليس في الصالح العام، رغم أن الثابت في العلوم الأمنية أنه لا أحد يستطيع منع جريمة تقع بواسطة شخص يريد أن يفجر نفسه.

س: دأبت بعض الفضائيات من الجانبين على تبني خطاب إعلامي متطرف، مما زاد من الشحن الطائفي، وخلق حالة من الإحتقان. كيف يمكن مواجهة تلك الأزمة، بما لا يتنافى مع حرية الرأي والتعبير؟

أرى أنه من المهم منح تلك القنوات فرصة لتوفيق أوضاعها، بما لا يضر بالمصلحة العليا للبلاد، وأن تكف عن الشحن الطائفي وإزدراء الأديان. إذ ليس من المعقول أن يسمح لقناة شيعية بتمويل إيراني أن تسب السيدة عائشة، وتصفها بأوصاف لا تليق، ونقول إنها تمارس حرية الرأي والتعبير، أو تهاجم قناة أخرى ممولة من الخارج الدين المسيحي وتزعم أن الإنجيل محرف، إنها دعوات طائفية، ومحاولات للتحريض على الفتنة. ما يحدث لا يمت لحرية الرأي والتعبير بصلة، لا سيما أن ما انتهت إليه المحكمة الدستورية يؤكد أن حرية التعبير مرتبطة بالمصلحة العليا للدولة. وهذا أيضاً ما استقرت عليه المحكمة العليا في أميركا. وفي هذا السياق يجب وضع ضوابط صارمة لعمل تلك القنوات.

س: بمناسبة الحديث عن أميركا، هل للسياسات الأميركية بالمنطقة علاقة بتنامي التطرف أو الإحتقان الطائفي؟

بالطبع، فأميركا لديها مصالح في المنطقة، وهي تريد السيطرة على البترول، بعد إثبات أنه سيظل أرخص مورد للطاقة في العالم، والدليل على ذلك سعيها لإنفصال الجنوب السوداني الغني بالنفط، بحجة إضطهاد الشمال للجنوب، وعدم حصوله على حقوقه من الثروة. وهي في سبيل ذلك تغذي الطائفية في كل مكان ومنها مصر، عملاً بالسياسة القديمة القائلة quot;فرق تسدquot;. وذلك يؤدي إلى تنامي التطرف أيضاً.