هل يقف الجيش بجانب الشعب المصريّ أم بجانب نظام مبارك؟ ... سؤال يطرحه متابعون لاحتجاجات الشارع المصريّ المطالب برحيل الرئيس، ورغم أنّ الجيش المصريّ يحظى باحترام الشارع، إلا أنّ مبارك عمل على إبعاده عن السياسة، وإن كان ذلك الاخضاع لا ينفي امكانية تحرّك الجيش في اتجاه لا يشتهيه مبارك.


الجيش يناشد الشعب الالتزام بحظر التجول والبرادعي يدعو لرحيل مبارك
آلاف المصريين يتجمّعون من جديد وسط القاهرة للاحتجاج

القاهرة: رغم لجوء النظام المصري إلى استخدام عربات عسكرية مصفحة لحراسة المؤسسات الحكومية الحساسة يوم الجمعة لأول مرة منذ عقود، يبقى من الصعب التنبؤ بدور القوات المسلحة المصرية في إخماد التحرك الشعبي أو تنحية الرئيس حسني مبارك.

وتساءل دبلوماسي غربي سابق عمل فترة طويلة في القاهرة في حديث لصحيفة نيويورك تايمز، quot;هل يقف الجيش بجانب الشعب أم بجانب النظام؟ ويضيف quot;أن هذا التمييز طُمس ولا نرى اختبارا حديثا يبين ما إذا كان هناك فصل بين الاثنينquot;.

يعتبر الجيش المصري عاشر أكبر جيش في العالم وهو مؤسسة قوية ذات شعبية، لكنها تعمل وراء ستار معتم، كما يرى مراقبون.

وبعد أن قام الجيش بانقلاب 1952 الذي اسقط النظام الملكي اعتبر نفسه حارس الثورة وكان جميع الرؤساء الذين تعاقبوا على السلطة منذ ذلك الوقت ضباطا في الجيش.

ولكن الرئيس حسني مبارك الذي كان قائد السلاح الجوي قبل أن يصبح نائبا للرئيس في عهد السادات، عمل على إبعاد الجيش عن السياسة وإخضاعه لسيطرته.

وتعيد صحيفة نيويورك تايمز التذكير في هذا الشأن بقرار مبارك إعفاء المشير عبد الحليم أبو غزالة، احد أبطال حرب تشرين/أكتوبر من منصب وزير الدفاع عام 1989.

وأُعفي المشير بالارتباط مع فضيحة تهريب ولكن غالبية المحللين يرون انه أُقيل بسبب شعبيته الواسعة.

ولم يسع ضابط بعده إلى اكتساب رصيد شعبي مثله، كما تقول صحيفة نيويورك تايمز مشيرة إلى أنّه من المستبعد أن ينبري لتحدي الرئيس مبارك وزير الدفاع الحالي المشير محمد حسين طنطاوي، وهو ضابط بلا شعبية في أواخر السبعينات من العمر، على حد وصف الصحيفة.

عندما انفجرت الانتفاضة التونسية هذا الشهر اعتبر قرار قائد الجيش بعدم فتح النار على المتظاهرين عاملا حاسما في دفع الرئيس زين العابدين بن علي إلى الرحيل.

ولا احد يعتقد أن مواليا للرئيس مبارك مثل المشير طنطاوي سيقوم بهذا الدور ولكن ضباطا كبارا اقل رتبة منه قد يفكرون في الاضطلاع بهذا الدور في مرحلة ما لاحقة، بحسب نيوويرك تايمز.

يحظى الجيش باحترام واسع في مصر، وتعالت هتافات المتظاهرين بحياته يوم الجمعة حين نُشرت دبابات أمام مبان حكومية مثل وزارة الخارجية ودار الإذاعة.

وقال محللون أن المتظاهرين كانوا يستلهمون مثال تونس، من بين أسباب أخرى، وان بعضهم كان يراهن على قيام الجيش بدور مماثل في مصر.

وعلى نقيض حاد مع موقف الجماهير من الجيش هي النظرة السائدة إلى الشرطة وقوات وزارة الداخلية الأخرى المعروفة بقسوتها والتي يُسمى أفرادها quot;بلطجيةquot; بالمصرية العامية.

الجيش المصري الذي يبلغ تعداده نحو 468 آلفا مؤسسة تختلف اختلافا تاما عن مؤسسات الدولة الأخرى، بنوادٍ اجتماعية وأسواق خاصة لمنتسبيه.

وتمددت نشاطات الجيش إلى مجالات مدنية مثل العقارات والأعمال الهندسية.

كما انه وفر وسائل للحراك الاجتماعي حيث يمكن لأفراده من الأسر الفقيرة أن ينالوا مكانة وينضموا إلى الشرائح العليا من الطبقة الوسطى من خلال الجيش.

وعين مبارك جنرالات متقاعدين لإدارة غالبية المحافظات وشركات القطاع العام.

ولكن نشر الدبابات دليل يأس ويثير تساؤلات مؤداها متى تبدأ شكوك الجيش في قدرة مبارك على البقاء.

ويرى محللون أنّ نقطة التحول يمكن أن تأتي إذا صدرت أوامر إلى الجيش بفتح النار على المتظاهرين، فان حماية المباني الحكومية من إعمال النهب شيء والنيل من سمعة الجيش بقتل المواطنين شيء آخر تماما، كما يرى هؤلاء المحللون.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن سامر شحاتة أستاذ السياسة العربية في جامعة جورجتاون انه quot;إذا فتح الجيش النار على المدنيين بعد تظاهرات من الواضح أنها تظاهرات شعبية فان هذا سيهدد سمعة الجيش ونزاهته. وهذه المرة سيكون مستقبل المؤسسة العسكرية في خطرquot;.

كما أنّ مثل هذا العمل يمكن أن يضر بعلاقة الجيش مع الولايات المتحدة دافعا القادة العسكريين إلى التحفظ والتأني، فالولايات المتحدة قدمت لمصر مساعدات عسكرية قيمتها نحو 35 مليار دولار منذ إبرام معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1978.

وقال الناطق باسم البيت الأبيض روبرت غيبس إن المساعدات الأميركية لمصر التي تبلغ الآن 1.3 مليار دولار سنويا ستخضع للمراجعة إذا استمرت أعمال العنف.

ويتوقع محللون منذ فترة أن نظرة الجيش إلى مستقبل مصر السياسي لن تتضح إلا بعد رحيل مبارك عن هذا العالم.

وإذا أطاح الجيش بالرئيس فان من المستبعد أن يستطيع ضابط آخر أن يحكم مصر أكثر من فترة انتقالية.

وقال البروفيسور عماد الدين شاهين من جامعة نوتردام quot;إن هذه لحظة الشعب لإحداث نقلة ديمقراطيةquot; مضيفا أن المتظاهرين الشباب كانوا على درجة عالية من الوعي بأن النظم الاستبدادية ظاهرة شاذة في عالم اليوم. وتساءل quot;هل يسكت الشعب على ستين عاما أخرى من الحكم العسكري المباشر؟quot;