انتقال نيكولا ساركوزي إلى طنجة لتدشين أول قطار فائق السرعة في القارة السمراء، يؤكد على متانة العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الرباط وباريس، ويعكس ثقة باريس في الإصلاحات السياسية التي يقودها العاهل المغربي بنوع من quot;الحذر والتجديدquot; بحسب أحد المحللين الفرنسيين، كما إن سيد الإليزيه بدوره حاول أن يجني من هذه الزيارة ثمارًا تعيد الحياة إلى شعبيته.


ساركوزيوالملك محمد السادس أثناء وضع الحجر الأساس لتي جي في

زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الجمعة، إلى طنجة لوضع الحجر الأساس لمشروع قطار فائق السرعة quot;تي جي فيquot;، فسّرها الملاحظون على أنها تأتي تأكيداً للعلاقات التجارية المتميزة بين البلدين، ونوعًا من الدعم السياسي للملك محمد السادس في خطواته الإصلاحية، خصوصًا بعد التصويت الإيجابي على الدستور.

يعتبر الإعلامي والمحلل السياسي يوسف لهلالي، هذه العلاقات أنها quot;تدخل في إطار علاقة التقارب الكبيرة بين البلدين، والتي تعكس كثافة التعاون بينهما في المجالات كافة،سواء منها السياسية، والاقتصادية والثقافية.

ويقول لهلالي، في تصريح لـquot;إيلافquot;، إن quot;فرنسا تعتبر المصدر والمستورد الأول بالنسبة إلى المغرب، كما إنغالبية الشركات الفرنسية لها فروع في المغربquot;، وهذه الزيارة بالنسبة إليه تدخل في إطار quot;استمرارية هذه العلاقات وتكثيفهاquot;، يفيد محدثنا.

وقدرت الاستثمارات الفرنسية في المغرب بـ 8.1 مليار يورو في 2010، من خلال مجموعة من فروع شركات باختلاف أحجامها، والبالغ عددها 750، ومن أبرزها quot;فيفانديquot;، وquot;طوطالquot;، وquot;لاكارديرquot;، وquot;افيولياquot;، وquot;باري باريباquot; وغيرها، وتشغل، بحسب الإحصائيات نفسها، مئة ألف مغربي.

انتقادات توجه للمشروع

هذا الخط السككي الذي سيربط بين طنجة والدار البيضاء مروراً بالرباط في ظرف ساعة و25 دقيقة وعوّض حوالى أربع ساعات، سيكلف المغرب ما يقارب 2 مليار يورو، ساهمت فرنسا فيه بالنصف، أي بـ 650 مليون يورو عبارة عن قروض بفائدة تفضيلية، ثم هبات من البلد نفسها قدرت بـ 75 مليون يورو.

أما البقية فتم اقتراضها من طرف الوكالة الفرنسية للتنمية، زيادة على هبات من طرف بلدان خليجية ستغطي ربع التمويل الإجمالي للمشروع.

لا يلقى المشروع كل الترحيب من طرف جميع المغاربة، على اعتبار أنه تزامن مع ظروف اقتصادية غير مناسبة لهذا النوع من المشاريع الضخمة، بحسب البعض، وسينزف أموالاً ضخمة كان من الأجدر، بحسب منتقديه، صرفها في البنيات التحتية التي يحتاجها المواطن المغربي بشكل يومي.

على عكس المدافعين عنه، والذين يرون أنه سيقلص المدة الزمنية بين قطبين اقتصاديين في المغرب، وهما طنجة والدار البيضاء، إضافة إلى أنه سيقرب العاصمة الاقتصادية من المستثمر الأجنبي في أوروبا.

كما إن إدارة السكك الحديدية من خلال مديرها العام أفادت أنها تبحث في طريقة تسمح للمسافرين التقليديين لقطارات شركتها بركوب هذا القطار، وذلك ردًا على الذين ينتقدون ويرون أن هذا المشروع لا يتناسب والقدرة الشرائية للمغاربة.

تترجم هذه الإدارة الإقبال الذي تعرفه القطارات المغربية بالارتفاع الصاروخي لعدد المسافرين، حيث انتقل عددهم من 14 مليون سنة 2003 إلى 34 مليون في 2011، ومن المنتظر بحسب هذه الأرقام أن يصل العدد إلى 50 مليون في 2015.

ويعتقد مراقبون أن المشروع جاء كتعويض عن رفض الرباط شراء طائرات الرفال، والتي كاد أن يزعزع العلاقات بين البلدين بعدما كان ساركوزي على مرمى حجر من تأجيل زيارة له إلى المغرب في أعقاب ذلك، إلا أن طلب المغرب اقتناء quot;تي جي فيquot; أعاد تدريجيًا المياه إلى مجاريها بين باريس والرباط.

يوسف لهلالي

يعلق لهلالي على هذه التضاربات في الرأي حول المشروع قائلاً: quot;من الطبيعي أن مشروعاً من هذا النوع في المنطقة، بل وفي القارة الإفريقية بكاملها أن يثير هذا الجدل بين المغاربة بين مؤيد ومعارض، لكن، في نظري، الاستثمار في البنية التحتية هو شيء إيجابي، ويعود دائمًا على البلد بالنفع، والمغرب استراتيجيًا في حاجة إلى هذا النوع من وسائل النقلquot;.

وزاد قائلاً: quot;العاصمة الإسبانية مدريد هي الأقرب جغرافيًا من الرباط مقارنة مع مدن أخرى في أقصى الجنوب أو أقصى الشرقquot;، لهذا يضيف لهلالي quot;الخيار الذي أمام المغرب مستقبلاً هو تطوير وسائل النقل السريعة. أما ارتفاع التسعيرة فيمكن للدولة أن تتدخل لدعمها، وهو أمر جار العمل به في العديد من بلدان العالم كفرنسا وألمانياquot;.

باريس تدعم الرباط سياسيًا

لا تتوانى باريس في تقديم الدعم للخطوات الإصلاحية التي يقدم عليها ملك المغرب، وأعطيت لهذه الزيارة قراءة من هذا الصنف تفيد أن الرباط حاولت أن تجني منها ثماراً بهذا الخصوص، في ظرف لم تهدأ فيه تظاهرات حركة 20 فبراير المطالبة بإصلاحات أعمق.

فيما ينظر مراقبون غربيون إلى الإصلاحات التي دخلها المغرب أنها كانت استباقية درءاً للوصول إلى وضع متأزم شهدته أو يشهده العديد من البلدان العربية، ووصفت هذه العملية، بحسب المحلل السياسي تيري أوبيرلي، quot;بالثورة من القمةquot; بتوقيع من العاهل المغربي، وذلك quot;بتسريع الانتقال الديمقراطي في مملكتهquot;، على حد تعبيره.

يعتبر هذا المحلل أن هذه الطريقة في الحكم تجمع بين quot;الحذر والتجديدquot; تدعمها باريس، بل وتعتبرها quot;مثاليةquot;، بحسب قول ساركوزي، الذي عبّر عن إرادة فرنسا في مصاحبة المغرب نحو الديمقراطية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، لاعتبار أن الإصلاحات التي عرفتها البلاد، يفيد أوبيرلي، يراها الإليزيه quot;في مستوى التحولات التاريخية التي تشهدها منطقة المغرب العربيquot;.

كما سجل ارتياح باريس للطريقة التي تتعاطى بها الدولة المغربية مع مظاهرات 20 فبراير حتى اليوم، وتعكس في تقدير باريس quot;النضج السياسي للنظام المغربي، لأن الحق في التظاهر بالنسبة إلى المعارضين تم الحفاظ عليهquot;.

ساركوزي في رسالة إلى مواطنيه من المغرب

يحاول ساركوزي أن يعيد الحياة إلى شعبيته من خلال ديناميته الدبلوماسية، وقد تبين ذلك بجلاء، وهو يوجه رسالة مغازلة للناخب الفرنسي عندما تحدث في إطار هذا المشروع عن أنه سيكسب أيامًا عديدة للعمل لمواطنيه.

ويقول لهلالي quot;إن المغرب يضم 50 ألف مقيم فرنسي، وفرنسا تضم أكثر من مليون مغربي،معظمهم مزدوجو الجنسيةquot;، وهو ما يمكن أن يشرح سعيه إلى استقطاب الفئتين، إلا أن الأمر يبدو بعيد المنال، يفيد محدثنا quot;لأن القضايا الداخلية هي التي ستكون حاسمة في اختيار رئيس الجمهورية للولاية المقبلةquot;.

وللإشارة، فآخر استطلاع للرأي أكد أن وزير الخارجية الحالي، آلان جوبي، هو المرشح الأنسب لليمين الحاكم في الرئاسيات المقبلة متقدمًا على الرئيس الحالي، وهو ما قد يعطي نقاشاً آخر في الاتحاد من أجل حركة شعبية الذي ما فتئ يدافع عن ترشيح ساركوزي، علمًا أن رئيس الدبلوماسية الفرنسية كشف في آخر حوار له عن quot;حلمهquot; بنوع من الخجل في الوصول يومًا إلى الإليزيه.