تزايدت محن الخادمات القاصرات في البيوت المغربية، بعدما تعددت أشكال الاعتداءات التي يتعرّضن لها، والتي تنتهي في بعض الحالات بالقتل. وبدأت هذه الوضعية تثير قلق فعاليات المجتمع المدني، والحقوقيين، والسياسيين، وحتى الرأي العام، الذي صدمته صور فتيات تعرضن للتعذيب بوحشية على أيدي مشغلاتهن.


خادمات المنازل في المغرب عرضة لنزوات الرجال وحالات النساء النفسية والعصبية

الرباط: من بين الحكايات المؤلمة التي ما زال جرحها لم يندمل في المجتمع المغربي، قصة الخادمة خديجة (7 سنوات)، التي توفيت، أخيرًا، متأثرة بإصابات ناجمة من التعنيف والتعذيب بوحشية.

وتشير أصابع الاتهام في هذا الملف إلى ابنة المشغلة، التي حلت في منزلها برفقة زوجها في مدينة الجديدة، للاستجمام وقضاء أوقت ممتعة.

ومن المنتظر أن تمثل المتهمة، في 20 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، أمام قاضي التحقيق في محكمة الجديدة للإدلاء بأقوالها. غير أن الصور الصادمة للطفلة، التي كانت آثار التعذيب بادية على جسمها، ليست سوى نقطة في بحر من حكايات الألم والمعاناة، التي كتبت على أجساد غضة، منها قضية زينب أشتيت (11 عامًا)، في نواحي وجدة، التي توبعت فيها زوجة قاض، بعدما اتهمت بتعذيبها.

حالات أخرى سجلت في مدن مختلفة، منها قصة حسناء (م)، وهي خادمة قاصرة في إحدى الفيلات في العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، حيث تكبدت أشكالاً من المعاناة، قبل أن تضطر إلى مغادرة المدينة، والعودة إلى مسقط رأسها في مدينة سطات.

أوضحت حسناء، في تصريح لـ إيلافquot;، أن quot;الإهانات، والسباب، والضرب أضحت من الأشياء اليومية التي تعودت عليهاquot;، مبرزة أنها quot;تعهد إليها بأعمال شاقة جدًا، وفي أوقات متأخرة من الليلquot;، رغم أن سنّها لا يسمح بذلك، إذ إنها لم تتجاوز 10 سنوات.

وذكرت أن quot;خادمات أخريات كانت تعرفهن تعرّضن إلى اعتداءات جنسية بشعة، على يدي أبناء أو أزواج مشغلاتهنquot;، مبرزة أن quot;بعضها وصلت إلى القضاء، بعد دخول جمعيات تنشط في هذا المجال على الخط، في حين أن أخرى طويت، قبل أن يجري افتضاح الأمرquot;.

وأكدت أنها غادرت المدرسة باكرًا، وتحديدًا فيالقسم الرابع ابتدائي، بعدما أقعد المرض والدها، ما جعلها تخرج إلى سوق العمل للمساهمة في مصاريف إعالة الأسرة.

وتشهد ظاهرة تشغيل الفتيات انتعاشًا، إذ كشف بحث ميداني ودراسة قانونية، أشرف عليهما الائتلاف من أجل حظر تشغيل الطفلات دون 15 سنة كخادمات في البيوت، قدم، أخيرًا، عن أرقام ومعطيات تظهر بالملموس واقع حال عشرات الآلاف من الطفلات اللواتي لا يعرف أحد طبيعة عملهن داخل بيوت لا يسمح القانون باختراق حرمتها. وأشار آخر تقرير لليونسيف إلى أنه يجري تشغيل نحو 88 ألف طفلة صغيرة في البيوت المغربية.

طفلات يتحولن إلى حقل تجارب
رغم خطورة هذه الظاهرة، إلا أن تسليط الأضواء عليها يكون مناسباتيًا، وهو ما يفرض ضرورة التعاطي معها بجدية، والعمل على وضع قانون لحماية هذه الفئة من الأطفال، وكذا تحديد دور مختلف أجهزة الدولة في حماية ومواكبة وإعادة إدماج الخادمات الصغيرات، اللواتي تم تخليصهن من العمل في البيوت.

في هذا الإطار، قال عبد الإله بنعبد السلام، القيادي في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إن quot;وضعية الخادمات مزرية في المغربquot;، مبرزًا أنه quot;رغم تسجيل العديد من الحالات، إلا أن نسبًا كبيرة لا يتم التصريح بهاquot;.

وذكر عبد الإله بنعبد السلام، في تصريح لـ quot;إيلافquot;، أن quot;هذه الشريحة تعاني هدرًا في كرامتها، وعدم احترام حقوقهاquot;، موضحًا أنها quot;تعيش في وضعية يمكن أن نسميها بأنها كارثيةquot;. وقال القيادي الحقوقي إن quot;الحديث الذي يوجد حاليًا هو حديث موسمي ومحدودquot;، مشددًا على ضرورة quot;نهوض المجتمع المدني والسياسي المغربي برمته من أجل الحد من استفحال الظاهرةquot;.

من جهتها، أكدت نجية أديب، رئيسة جمعية quot;ماتقيش ولاديquot; (لا تلمس أبنائي)، أن quot;هناك نسبة مئوية عالية جدًا بالنسبة إلى تشغيل الخادمات القاصرات في البيوتquot;، مشيرًا إلى أن quot;أي خادمة في أي منزل تتعرض لتعذيب نفسي وجسدي، وفي كثير من الأحيان لاعتداء جنسيquot;.

وذكرت نجية أديب، في تصريح لـ quot;إيلافquot;، أن quot;الخادمات تحولن إلى حقل تجاربquot;، مضيفة أن quot;هناك أمثلة كثيرة، إذ إن هناك من يجرب عليهن فحولته الجنسية، كما إن بعض المشغلات يقمن بتجريب أشياء عليهن قبل استعمالها، كصباغة الشعر أو غيرهاquot;.

وقالت الناشطة الجمعوية إنه quot;أصبحت لدينا عبودية بشكل آخرquot;، مبرزة أن quot;هناك حالات كثيرة ترد على الجمعية، غير أننا ورغم تنصبنا في هذه الملفات، إلا أنه ليست هناك أحكام رادعة تساهم في الحد من انتشار الظاهرةquot;.

وأضافت رئيسة الجمعية quot;ليس هناك لا تأهيل نفسي، ولا اندماج في المجتمع، حتى تتمكن الضحية من العودة إلى مرحلة أخرى من جديد، وتبني حياتهاquot;، مبرزة أن quot;هذا الجانب يبقى مهمًا، حتى لا تظل تلك النظرة السوداوية في أعين الضحاياquot;. ويزيد غياب قانون خاص يشرع وينظم تشغيل الخادمات في المنازل من حجم المعاناة، التي قد تزداد وطأتها مع بلوغ ردهات المحاكم.

هذا ما أشار إليه محمد طارق السباعي، المحامي في هيئة الرباط، إذ أكد أن quot;وضعية الخادمات لم يجر الحسم فيها قانونيًا، إذ إنهن ما زلن يتعرّضن لأسوأ أنواع التعذيبquot;.

واستشهد بحالة زينب، التي تعرّضت للتعذيب في وجدة، وكذا ملف لبنى، التي تعرضت للاغتصاب، قبل أن يحاول المتهم طمس القضية بتزويجها بعقد مزور. وأوضح طارق السباعي، في تصريح لـ quot;إيلافquot;، أن quot;الملف ما زال حبيس قاضي التحقيق، الذي كان أمر باعتقال الجميع، بمن فيهم أبناء المتهم، قبل أن يقرر إطلاق سراحهمquot;.

وذكر الناشط الحقوقي والجمعوي أن quot;الخادمات، خاصة القاصرات، ما زلن يعانين التعسفاتquot;، مشيرًا إلى أنه quot;يجب على المشرع أن يعالج قضيتهن طبقًا للمقتضيات والمعاهدات الدولية المناهضة للتعذيبquot;.

وأبرز طارق السباعي أن quot;المجتمع المدني تبنى العديد من القضايا، إلا أن القضاء لا يزال غائبًاquot;.

وأسفرت الدراسة النوعية حول تشغيل الطفلات كخادمات في البيوت، التي أجراها الائتلاف مع 130 أسرة تنحدر منها طفلات خادمات دون 15 سنة ومع 169 أسرة مشغلة لهؤلاء الطفلات، عن نتائج اعتبرها الائتلاف مثيرة للقلق، فـ 74 % من المشغلين يتمتعون بمستوى عيش مريح، وبإمكانهم استخدام أشخاص تفوق أعمارهم 16 سنة، و61 % من المشغلين لهم مستوى تعليم عال والمعرفة الكاملة بحقوق الطفل.