سوسة: يبدو وكأن quot;ثورة الكرامة والحريةquot; التونسية حلّت بدون استئذان في مدينة سوسة المزدهرة الهادئة، الملقبة بجوهرة الساحل، والتي كانت محظية ومقيدة في آن في عهد زين العابدين بن علي، المتحدر منها، حيث إن بعض السكان يبدون مترددين في اختيار القائمة التي سيصوّتون لها في انتخابات الأحد التاريخية.
ويتوجّه الناخبون في تونس الأحد إلى مكاتب الاقتراع لانتخاب مجلس وطني تأسيسي في اقتراع تاريخي بعد تسعة أشهر من الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي في كانون الثاني/يناير الماضي، إثر ثورة شعبية أنهت 23 عامًا من الحكم المطلق.
وقال محمد (62 عامًا) وهو متقاعد، فيما كان في مقهى على كورنيش المدينة مع أربعة من أصدقائه quot;لم نكن نتوقع الثورة. في السابق كان بن علي يحصل على 99.9 % هنا، وحتى الأموات كانوا يصوّتون. واليوم صدقًا نحن ضائعون بعض الشيءquot;.
ويدفع تعدد القائمات الانتخابية وشعور الخوف من المجهول إلى التردد في الاختيار قبيل انتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي. ويضيف محمد quot;كل المرشحين يقدمون الوعود نفسها، لكن لا توجد زعامة كبيرةquot;. وفي أحد الشوارع الكبيرة في المدينة يتوقف المارة أمام الملصقات الدعائية لـ 57 لائحة ألصقت على جدار، ويرحل الكثير منهم وهم يهزون برؤوسهم.
ونزل حزب النهضة الإسلامي، الذي يتوقع أن يحقق أفضل نتيجة في الانتخابات، بثقله في منطقة الساحل، التي كانت موطن الرئيسين الوحيدين لتونس المستقلة طوال 55 عامًا، الحبيب بورقيبة المتحدر من المنستير، التي تبعد 20 كلم عن سوسة، وبن علي المتحدر من حمام سوسة.
وتنتشر يافطات الحزب الزرقاء في العديد من مفترقات الطرق، ويرأس قائمتها الأمين العام للنهضة حمادي الجبالي، الذي سجن 16 عامًا في عهد بن علي. ويتفق محمد وأصدقاؤه على أن quot;النهضة ستحصل على نتيجة جيدةquot; خصوصًا quot;بين المعدمين والأميينquot;.
وفي احد شوارع ضاحية المدينة يقوم محمد الصغيري (57 عامًا) بجمع المعلبات الفارغة وقوارير البلاستيك ليبيعها بسعر 0.3 دينار (0.15 يورو) للكلغ. وقال لدى سؤاله عن رأيه quot;النهضة أو أي حزب آخر هذا لا يهمني. لم يفعل أحد شيئًا لناquot;. وقال تجار وعمال إنهم يريدون أن تصبح تونس quot;أكثر عدلاًquot; لأبنائهم. وينتظر الكثير من الكوادر والطلاب quot;تغييرًا في العقليةquot;، ولكن أيضًا quot;استقرارًاquot; سياسيًا واقتصاديًا.
وبعيدًا عن التفاعلات الكبيرة في العاصمة، فإن سوسة (140 كلم جنوب العاصمة) لا تريد أن تفقد مكانتها. فقد حظيت باستثمارات مهمة (ملايين الدينارات اعتمدت لتوسيع الميناء) والمدينة العتيقة فيها مصنفة ضمن التراث العالمي لليونسكو، كما تجذب شواطئها الرملية آلاف السياح سنويًا، فضلاً عن مصانعها العديدة وجامعاتها وإنتاجها الزراعي.
وتظاهر أهالي سوسة حين بدأت الشرطة تطلق الرصاص على الجموع في مدن داخلية، مثل تالة والقصرين وسيدي بوزيد (وسط غربي)، خصوصًا في الثامن من كانون الثاني/يناير. لكن بالتوازي مع الثورة المشتعلة، لم يتوقف تصدير زيت الزيتون ومنتجات النسيج والملح وغيرها باتجاه أوروبا.
وفي ميناء المدينة لم يتوقف النشاط quot;حتى يوم 14 كانون الثاني/ينايرquot; يوم فرار بن علي إلى السعودية، كما يؤكد لطفي ساسي نائب مدير الميناء. ويضيف المسؤول quot;لقد تباطأ نشاط التصدير في الأشهر الثلاثة الأولى من 2011 بنحو 20 %، لكن ذلك كان سببه خصوصًا توقف البواخر عن الوصول من فرنسا وإيطالياquot;.
وعند مدخل مدرسة للمهندسين، يتحاور طلاب حول مكاسب الثورة. ويقول مهدي (21 عاما) quot;نحن الآن في وضع افضل، وبالطريقة التي كان يحكم بها لو بقي بن علي في الحكم لباعنا جميعًاquot;. ويقول الطلاب انهم سجلوا أنفسهم في اللوائح الانتخابية بحماس، لكنهم لم يقرروا حتى الآن إلى من سيصوّتون. وتقول فيروز إن quot;النهضة واضحةquot; وترد عليها أحلام على الفور quot;كلا أبدًا أتريدين أن يعيدوننا إلى المنزلquot; لا نخرج منه.
وتقول هذه الأخيرة إنها لا تزال مترددة في الاختيار، لكنها لم تخف إعجابها بكمال مرجان، آخر وزير خارجية في حكومة بن علي، لأنه quot;رجل صاحب خبرةquot;. غير أن الشاب هادي عارضها قائلاً quot;لقد استغل وجوده في الحكم، وبنى فيلا في قرطاجquot; في الضاحية الشمالية للعاصمة.
ويضيف الشاب quot;المستقلون لا نعرفهم، باستثناء مدرب سابق للنجم الرياضي الساحلي، لكن بصراحة هذه مزحة. أما البقية فإنهم يحاولون الاستخفاف بعقولنا، فالنهضة توزع خروف عيد الأضحى (في بداية تشرين الثاني/نوفمبر)، والحزب الديمقراطي التقدمي (وسط يسار) يوزع سندويتشات في اجتماعاتهquot;.
وفي كلية الآداب، أدى اقتحام مجموعة سلفية الكلية في بداية تشرين الأول/أكتوبر بسبب رفض إدارتها تسجيل منقبة، إلى رد فعل رافض. وقالت ثلاث طالبات إنهن لسن واثقات من اختيارهن بعد، لكن الأمر الأكيد quot;النهضة لاquot;. وقالت عبير، التي ترتدي حجابًا quot;نحن خائفات، وليس من حق أي كان أن يفرض أي شيء عليناquot;.
التعليقات