تفكك أو إنهيار التحالفات الإنتخابية في مصر يؤشر على أنه في حالة عدم حصول أي حزب سياسي على الأغلبية المطلقة في تلك الانتخابات، فإنه سوف تحدث انقسامات حادة بشأن تشكيل الحكومة.


مبنى مجلس الشعب المصري
مع اقتراب الإنتخابات البرلمانية في مصر للمرة الأولى بعد الثورة، ظهرت إنقسامات حادة في التحالفات السياسية التي عقدتها الأحزاب في ما بينها، بسبب الخلافات الشديدة حول أولوية الترشح على رؤوس القوائم الإنتخابية، ما أدّى إلى انهيارها سريعاً.
حيث انسحبت أحزاب ليبرالية وإسلامية من أكبر تلك التحالفات وهو quot;التحالف الديمقراطيquot; إعتراضاً على إصرار حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي للإخوان على الإنفراد بقائمة التحالف. ويرى خبراء أن تفكيك التحالفات يشير إلى وجود انقسامات متجذرة بين تلك الأحزاب، متوقعين انهيار أية تحالفات مستقبلية في ما بينها بشأن تشكيل الحكومة.
إنهيار التحالف الديمقراطي بسبب الإخوان
يعتبر التحالف الديمقراطي أكبر التحالفات السياسية في مصر بعد الثورة، حيث كان يضم نحو 43 حزباً، تشكلت في ما بينها بعد حصول حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين على الترخيص في منتصف مارس الماضي، ومن أهم الأحزاب التي كانت منطوية تحت لواء التحالف: الوفد، الكرامة، التجمع التقدمي الوحدي quot;اليسارquot;، العربي الناصري، الوسط، النور والأصالة والحزبان الأخيران يمثلان التيار السلفي، البناء والتنمية الجناح السياسي للجماعة الإسلامية.
لكن سرعان ما تعرض للتفكك، بسبب ما رأته بعض الأحزاب محاولة الإخوان إستغلال التحالف من أجل الحصول على الأغلبية المطلقة في البرلمان، فأعلنت أغلبية الأحزاب الليبرالية واليسارية الانسحاب، وتلتها الأحزاب الإسلامية أيضاً. ورفضت أن تكون quot;محللاًquot; لجماعة الإخوان من أجل الوصول للسلطة بعد الثورة.
حيث يصر حزب الحرية والعدالة على ترشيح أعضائه على رأس قائمة التحالف، وهو المطلب نفسه الذي تصر عليه باقي الأحزاب. مع اقتراب انتهاء فترة تقديم أوراق الترشح، بدا واضحاً أن حزب الحرية والعدالة تقدم بقائمة خاصة به بعيداً عن التحالف. وتقدم ما بقي من أحزاب بالتحالف بأربع قوائم أمس الخميس، تضم أيضاً أعضاء في حزب الإخوان.
ورفض الدكتور سعد الكتاتني الأمين العام لحزب الحرية والعدالة الإتهامات الموجهة للحزب بمحاولة الإنفراد بقوائم، وقال لـquot;إيلافquot;: لا نريد الاستئثار بالحكمquot;. وأضاف أنه يجب على الجميع في الداخل والخارج أن يحترم إرادة الشعب المصري إذا أراد أن يأتي بالإخوان أو بأي فصيل سياسي آخر، أو بالإخوان مع آخرين.
مشيراً إلى أن بعض الأحزاب التي انسحبت من التحالف أعدت قوائم خاصة بها، وقدمت مرشحين يفوق عددهم العدد المطلوب قبل الانسحاب، ورفضت تخفيض العدد، وقال لquot;إيلافquot; إن الخلافات تنبع من إصرار بعض الأحزاب على ترشيح أعضائها على رأس قائمة الحزب.
ولفت إلى أن تلك الخلافات صحية، وليست مضرة بالحياة السياسية في مصر بعد الثورة، وأشار الكتاتني إلى أن الإخوان لا يسعون للسلطة منفردين، بل في إطار تحالف مع باقي الأحزاب.
تفكيك الكتلة المصرية
يعد تحالف الكتلة المصرية بزعامة حزب المصريين الأحرار، حزب رجل الأعمال القبطي نجيب ساويرس، من أبرز التحالفات في مصر، حيث يضم نحو 15 حزباً سياسياً، وكان يمثل التيار الليبرالي في مصر، لكنه انهار سريعاً، و انخفض عدد الأحزاب إلى ثلاثة أحزاب فقط هي: التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، والمصري الديمقراطي الاجتماعي، المصريون الأحرار. وكانت أحزاب: التحالف الشعبي الاشتراكي، والشيوعي المصري، والمساواة والتنمية، والمستقلين، ومصر الحرية آخر الأحزاب المنسحبة من التحالف، والحزب الأخير بزعامة الدكتور عمرو حمزاوي، لكن الأغرب أن حمزاوي أعلن ترشحه مستقلاً في الإنتخابات عن دائرة مصر الجديدة، ولم يترشح عن حزبه.
شباب الثورة يمتنعون
بعد انهيار أكبر تحالفين، ظهر تحالفان آخران عنهما، الأول التحالف الإسلامي ويضم أربعة أحزاب هي quot;الأصالةquot;، quot;النورquot;، السلفيين، وquot;البناء والتنميةquot; التابع للجماعة الإسلامية، وquot;العملquot;. أما التحالف الآخر فهو quot;الثورة مستمرةquot;، ويضم عددا من إئتلافات الثورة، إضافة إلى أحزاب: quot;العربي الناصريquot;، بزعامة سامح عاشور نقيب المحامين الأسبق، quot;مصر الحريةquot; بزعامة عمرو حمزاوي، quot;المؤتمر الشعبيquot;.
إلا أن إئتلاف شباب الثورة وهو أبرز حركة في شباب الثورة أعلن إنسحابه مؤخراً من التحالف، وقرر الترشح على المقاعد الفردية، لكن عدد المرشحين من الشباب هزيل جداً، مقارنة بالدور المهم الذي قاموا به في إشعال الثورة التي أطاحت بنظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك في 11 فبراير الماضي.
وفي ما يخص شباب الثورة، وعدم ترشح غالبيتهم على قوائم التحالفات الحزبية، أو عزوف بعضهم عن خوض تجربة الإنتخابات من الأساس، قالت بيسان جهاد عضو إتحاد ثورة اللوتس لquot;إيلافquot; إن هناك عدة أسباب وراء عزوف شباب الثورة عن خوض تجربة الإنتخابات البرلمانية الأولى في مصر بعد الثورة، وأوضحت أن هؤلاء الشباب لم يستطيعوا حتى الآن تكوين شعبية واضحة في الشارع المصري.
إضافة إلى أن الإنتخابات تحتاج إلى أموال طائلة للإنفاق عليها، وجميع الشباب ينتمون إلى الفئة الكادحة، فضلاً عن اتساع الدوائر الإنتخابية بشكل كبير، وسيطرة فلول الحزب الوطني المنحل عليها، لاسيما في ظل تجاهل المجلس العسكري إصدار قانون الغدر، الذي يحرم رموز الحزب المنحل وأعضاءه من ممارسة العمل السياسي لمدة لا تقل عن خمسة أعوام.
وأضافت: رغم أني ناشطة، ولدي أعمال ومساهمات واضحة في المجال السياسي والخدمي في دائرة حلوان مقر إقامتي، ما نجحت فيهاquot;. ولفتت جهاد إلى أن البعض من شباب الثورة قاطع الإنتخابات إحتجاجاً على عدم إصدار قانون الغدر، أو لأنهم يؤمنون بأن الإنتخابات مسرحية سياسية تهدف إلى إعادة إنتاج النظام السابق، ففضلوا الإستمرار في العمل الثوري.
داء الإنقسامات يصيب الإسلاميين والليبراليين
تفكك أو إنهيار التحالفات الإنتخابية يؤشر على أنه في حالة عدم حصول أي حزب سياسي على الأغلبية المطلقة في تلك الإنتخابات، فإنه سوف تحدث إنقسامات حادة بشأن تشكيل الحكومة، حسبما يقول الدكتور محمود عبد العزيز أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة لquot;إيلافquot;، منوهاً بأن داء الإنقسامات أصاب الإسلاميين والايبراليين على حد سواء.
وأضاف أن انهيار تلك التحالفات يؤكد أنها كانت هشة، ولا تبغي مصلحة الوطن، وبناء دولة على أسس ديمقراطية ومدنية، بل كانت تحالفات إنتخابية فقط، مشيراً إلى أن هناك عدة ملاحظات في مسألة انهيار تلك التحالفات منها: وجود خلافات حادة بين التيارات الإسلامية بشأن التعاطي مع استحقاقات المرحلة الإنتقالية، والعملية الديمقراطية، وأن كل فصيل من الإسلاميين يسعى للسلطة منفرداً، فالسلفيون يرفضون هيمنة الإخوان على قوائم التحالف الديمقراطي فانسحبوا منه، وأنشأوا تحالفاً مع حزب البناء والتنمية التابع للجماعة الإسلامية وهو الأقرب إليهم سياسياً. وإستطرد مؤكداً أن الإنهيار يؤشر أيضاً على وجود إنقسامات حادة بين الأحزاب الليبرالية مثل الوفد والمصريين الأحرار ومصر الحرية، فهي ترفض تكوين تحالف خاص بها، وتعرض تحالفاتها للإنهيار سريعاً، وترشح بعض رموزها على المقاعد الفردية مستقلين.