رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي

يُجمع مراقبون على أن حركة النهضة الإسلامية لا يمكنها أن تحكم لوحدها في تونس نظرا لغياب تجربتها في تسيير الشأن العام، ولكونهامحط أنظار دوليةيمنعها من ارتكاب الاخطاء. ويرى البعض فوزها بانتخابات المجلس التأسيسي تكريساً للقطيعة الكاملة مع منظومة الاستبداد التي حكمت البلاد لعقود.


تتوخى أوروبا عامةً وفرنسا خاصة، الحذر وتتابع عن قرب التطورات في تونس بعد فوز حركة النهضة في الانتخابات التونسية، وعلى الاثر، تبادرت إلى الأذهان صورة فوز الإسلاميين الجزائريين في تشريعيات مجهضة وما تلا ذلك من حمام دم. إلا أن المراقبين يجمعون على اختلاف الظرف اليوم معتبرين أنه تتوفر عوامل أخرى لإنضاج تجربة الإسلام السياسي في تونس أو غيرها من بلدان المنطقة.

فرنسا: حقوق الانسان والديمقراطية خط أحمر

تلقت القوى الدولية، وعلى رأسها فرنسا، فوز حركة النهضة في الانتخابات التونسية بنوع من القلق، معتبرة أنه لا يمكن بأي من حال من الأحوال أن تُسرق الثورة من الشعب التونسي، ورأت أن المطلوب من حزب راشد الغنوشي الالتزام بالمبادئ الكبرى للديمقراطيات.

وقال وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه إن quot;هناك خطوطاً حمراء لا يجب تجاوزها، وتتمثل في مبادئ حقوق الإنسان والتناوب الديمقراطي والمساواة بين المرأة و الرجلquot;. وعبّر جوبيه عن حرص فرنسا على مراقبة تطورات التجربة التونسية عن قرب قائلا: quot;سنكون يقظين ولنا وسائلنا للتعبير عن هذه اليقظة.quot;. وأشار في الوقت نفسه إلى الدعم الاقتصادي المخصص لكل من تونس، مصر، المغرب والأردن في حالة عدم تعديها ما أسماه quot;بالخطوط الحمراءquot;.

ورد الفعل هذا يتقاسمه العديد من المراقبين، وإن كانت غالبيتهم تقرّ بأن نتيجة من هذا الصنف كانت متوقعة بالرجوع إلى العديد من القراءات السابقة، فيما وصفها البعض quot;بالصدمةquot;، بل إن اليمين المتطرف رأى فيها فرصةً لتأكيد تحامله على الربيع العربي على طريقته المعروفة.

ويجمع المراقبون على أن حركة النهضة لا يمكنها أن تحكم لوحدها في تونس نظرا لغياب التجربة لديها في تسيير الشأن العام، ولكونها محل مراقبة دولية لا يسمح لها بالتعثر أو ارتكاب أخطاء قاتلة قد تعيدها لنقطة الصفر، بل ومعها جميع الحركات المماثلة في المنطقة المغاربية.

وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه
وهناك من لا يرى في هذا الفوز ما يبعث على القلق، و إنما يعتبر ذلك مرحلةً أساسيةً للتوجه مباشرةً صوب ديمقراطية حقيقية، إلا أن نجاح التحول الديمقراطي في تونس، برأي هؤلاء، يستدعي انخراط الغالبية في مشروع سياسي مشترك.

عماد الدائمي: رد فعل على الحداثيين المزيفين

يقول عماد الدائمي، ممثل لائحة حزب المؤتمر من أجل الجمهورية في هذه الانتخابات في فرنسا: quot;الفوز الكبير الذي حققته النهضة في الانتخابات، لا أرى منه اقتناعا بمنهج النهضة الفكري وبإيديولوجيتها، ولا انخراطا في مرجعيتها العقائديةquot;، بحسب تصريحه لإيلاف.

ولكن، يضيف الدائمي، quot;قد يعني ذلك انتصارا لها بسبب ما تعرّضت له من ظلم وقهر طوال العقود الماضية، ومناصرةً لها كقوة من القوى المؤيدة للمسار الثوري الذي تشهده البلاد، وآمل فيها أن تساهم برأسمالها الأخلاقي والتربوي في تطهير البلاد من الفساد الأخلاقي والمالي المستشريquot;.

ويرى في هذا التصويت كذلك quot;ردة فعل على الأخطاء الفادحة التي قام بها الحداثيون المزيفون ومسّوا فيها هويّة البلادquot;، موضحاً: quot;لكل هذه الأسباب، أعتقد جازما أن التصويت للنهضة كان سياسيا من أجل تكريس القطيعة الكاملة مع منظومة الاستبداد والفساد التي تحكم البلاد منذ عقودquot;.‬

كلود أوليفيي فولوز: فوز تاريخي

من جهته، وصف كلود أوليفيي فولوز، الإعلامي المختص في شؤون المنطقة المغاربية، فوز النهضة quot;بالتاريخيquot;، مفيدا في تصريح لإيلاف أنها quot;سابقة في المنطقة المغاربية أن ينتصر حزب إسلامي في انتخابات مفتوحة حقيقة وديمقراطية وهو بصدد التفاوض من أجل تشكيل تحالف لتسيير حكومةquot;.

و قال فولوز: quot;يقدّم مسؤولو النهضة أنفسهم على أنهم معتدلون، يتحدثون عن الديمقراطية والحرية ويصرحون بأن الدين ليس له تأثير مباشر على برنامجهم السياسي، وهذا أمر يمكن تصورهquot;.

و استطرد في السياق ذاته quot;من جانبي، لم أشك يوما أن الإسلاموية قابلة للتحلل في الديمقراطية ولو كان إثبات هذا أمرا يعود لما ستبرهنه المنطقة، لكن لا يمكن أن يحصل ذلك دون تنازلاتquot;.

وهذه التنازلات، يفيد محدثنا، quot;تكون في بعض الأحيان على حساب القيم التي يقول الإسلام السياسي إنه يريد الدفاع عنها. وعندما يتعلق الأمر بقيم مقدسة، يصبح تبرير أي تنازل أكثر تعقيداquot;.

و يضيف quot;هذا تحدٍّ ينتظر الأحزاب الإسلامية في ظل الربيع العربي، فالشعوب تريد أن ترى هذه الأحزاب تتطور في إطار ديمقراطي، والمجتمع الدولي سيراقب بدوره عن قرب تطورهمquot;.

ويخلص ضيفنا بأنه quot;يمارَس على النهضة ضغط كبير. والوضع الراهن في تونس يلعب لصالحها لأن كل شيء ينتظر البناء.و يعول عليها بهذا الخصوص كثيرا، و عليها أن لا تخيب آمال التونسيينquot;.

أحمد الدحماني: المعطيات تغيرت والظرف ليس نفسه

ومن جهته، لم يستغرب الاقتصادي والحقوقي المغاربي أحمد الدحماني فوز الإسلاميين في تونس، فهو يعتقد، بحسب تصريحه لإيلاف، أن هذا الفوز quot;كان منتظرا و لا يجب أن نقلق كما يفعل الغربيون في علاقتهم بالإسلاميينquot;.

ويفسر موقفه هذا قائلا :quot;أولا، لأن وصولهم إلى السلطة يأتي في ظرف يشهد تحولات كبرى إجتماعية واقتصادية وسياسية سواء جهويا أو عالميا. والإسلاموية السياسية كان يمكن أن تمثل خطرا حقيقيا على الديمقراطية وحقوق الإنسان كما حدث في الجزائر مع جبهة الإنقاذ، لكن المعطيات تغيرت والظرف ليس نفسهquot;.

ويتابع في الاتجاه نفسه، quot;فالتونسيون الذين تخلصوا من ديكتاتوريتهم لا يمكن أن يقبلوا ديكتاتورا آخر باسم الإسلام. الرفاق التونسيون الذين أعرف نضالاتهم ضد الديكتاتور بن علي لن يبقوا مكتوفي الأيدي، ولا أشك في ذلك في حالة مساس الحكم الجديد بحقوق الإنسان وبالحريات التي اكتسبت مقابل ثمن باهظquot;.