رغم أن جريمة التعذيب كانت سبباً رئيساً في إندلاع ثورة 25 يناير، التي أزاحت الرئيس السابق المصري السابق حسني مبارك عن الحكم، إلا أن تلك الجريمة لم تختف عن المشهد، ومازال ضباط الشرطة يصرّون على انتهاجها وسيلة وحيدة للتعامل مع المتهمين أو المشتبه فيهم، أو لتصفية خلافات شخصية. وما زالت حالة الغضب تسيطر على المصريين من طريقة تعامل الشرطة معهم، فضلاً عن التقاعس في حفظ الأمن في البلاد.


عصام عطا الذي قضى في سجن طرة بعد تعذيبه على أيدي الشرطة المصرية

صبري حسنين من القاهرة: كشفت واقعة وفاة أحد السجناء، ويُدعى عصام عطا، أخيرًا، عن استمرار التعذيب في السجون المصرية وبأساليب وحشية، حيث تعرّض عطا، الذي كان مسجوناً في سجن طرة، للتعذيب، من خلال إدخال خرطوم في الفم، وآخر في فتح الشرج، وصبّ المياه فيهما، لتدخل إلى جسده، ما تسبب له بآلام مبرحة، أدت إلى وفاته، وفقاً لشهود العيان، الذين رووا شهاداتهم في تحقيقات النيابة العامة.

تضاربت الروايات حول السبب في إقدام ضباط السجن على تعذيبه بتلك الطريقة، حيث روى بعض الشهود أنهم ضبطوا معه مخدرات يستعد لترويجها بين النزلاء في السجن، وقال آخرون إن الضباط عثروا معه على شريحة هاتف نقال، كان يستخدمها في إجراء إتصالات من داخل السجن بأهله وأصدقائه، في مخالفة لقوانين السجون.

وتعرّضت وزارة الداخلية لإنتقادات حادة منذ يوم الخميس الماضي 25 أكتوبر الجاري، يوم الإعلان عن وفاة عطا، بسبب الطريقة التي لقي بها عصام حتفه، لاسيما أنه سبق ضبط موبايلات مع بعض رموز نظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك في السجن، ولم يتم التعامل معهم بالنهج نفسه، حيث ضبط هاتف نقاّل مع وزير الإسكان السابق أحمد المغربي، المتهم بقضايا فساد وتربّح وظيفي، وضبط آخر مع رئيس الوزراء السابق عاطف عبيد، الذي يحاكم بالتهم نفسها. ما يؤكد أن رموز النظام السابق يحظون بمعاملة تفضيلية.

ثورة ضد التعذيب
أعادت وفاة عطا بتلك الطريقة الحديث عن التعذيب في مصر من جديد، بعد تسعة أشهر على ثورة 25 يناير، حيث قال ناشطون حقوقيون إن الشرطة لم تتطور، ولم تطلها أية إصلاحات حتى الآن، وقال شريف هلالي مدير المؤسسة العربية لدعم حقوق الإنسان إن التعذيب ما زال يستشري في السجون وأقسام الشرطة، رغم أن تلك الجريمة كانت السبب المباشر والرئيس لاندلاع ثورة 25 يناير.

وأوضح لـquot;إيلافquot; أن الجماهير التي خرجت للشوارع والميادين خرجت بالأساس من أجل الإحتجاج على مقتل خالد سعيد تحت التعذيب في الإسكندرية، وكان الخروج في تظاهرات مليونية في يوم 25 يناير، وهو يوم الإحتفال السنوي بعيد الشرطة. وأضاف هلالي أن الشرطة لم تشملها إصلاحات حقيقية، والضباط مازالوا يتعاملون بالعقلية نفسها، التي كانوا يتعاملون بها في عهد النظام الإستبدادي السابق، وما زالوا ينظرون إلى المواطنين نظرة دونية، ويعتبرون أنفسهم فوق القانون. مشدداً على ضرورة تعديل بعض مواد قانون العقوبات بشأن جريمة التعذيب للتوافق مع المواثيق الدولية.

إفلات محترفي التعذيب من العقاب
ينظر القانون المصري إلى جريمة التعذيب في حالة الوفاة على أنها ضرب أفضى إلى الموت، وغالباً لا يُعاقب الضابط الذي يرتكب تلك الجريمة، إذ تضع وزارة الداخلية العراقيل أمام إثبات الجريمة، ويتعرّض أهل الضحية لمضايقات أمنية، تصل إلى حد الإعتقال والتعذيب أيضاً للتنازل عن الشكوى، أو التهديد باغتصاب النساء أو تلفيق تهمة الإتجار بالمخدرات لأحدهم، والزجّ به في السجن لمدة 25 عاماً، كما حدث مع أسرة خالد سعيد، التي لولا الزخم الإعلامي والسياسي والحقوقي، الذي تزامن مع جريمة قتل ابنهم، لما وصلت إلى تلك النقطة.

تقول والدة خالد سعيد إن التعذيب ما زال مستمراً في مصر، ومازال الضباط في جهاز الشرطة يتعاملون بغطرسة واضحة مع المصريين، وما زالوا قادرين على الإفلات من العقاب، وأضافت ليلي مرزوق لـquot;إيلافquot; أنها أصيبت بالحزن الشديد عندما علمت بوفاة الشاب عصام عطا تحت التعذيب في السجن.

وأوضحت أنها شاركت في تشييع جنازة عطا في ميدان التحرير أمس الجمعة، وبكت كما بكت عند تشييع جنازة خالد، مشددة على ضرورة تكاتف الجميع في مصر بدءًا من منظمات حقوق الإنسان وشباب الثورة، من أجل أن يحصل الجناة على عقاب رادع، وليس سبع سنوات سجن، كما حدث مع قتلة خالد. ودعت مرزوق إلى ضرورة تعديل قانون العقوبات، ليصبح وصف جريمة التعذيب التي تؤدي إلى الوفاة بمثابة قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد.

تظاهرات في القاهرة
طاف بضعة آلاف من المصريين بجثمان عصام عطا في ميدان التحرير مساء أمس الجمعة، قبل أن يؤدّوا صلاة الجنازة عليه في مسجد عمر مكرم، القريب من الميدان، ورددوا هتافات منددة بوزارة الداخلية، ومنها quot;الداخلية بلطجيةquot;، quot;يا شهيد نام وإرتاح وإحنا نكمل الكفاحquot;، quot;دم الشهيد مش هيروح هدرquot;، quot;يسقط حكم العسكرquot;، كما طالبوا بإقالة اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية.

تعديل القانون لملاحقة الجناة
يدعو نشطاء حقوقيون إلى ضرورة تعديل المادة 126 من قانون العقوبات، بحيث تتلاءم مع التعريف الوارد في اتفاقية مناهضة التعذيب التي صدقت عليها الحكومة المصرية. وقال شريف هلالي إن تلك الجريمة ينظر إليها على أنها استعمال القسوة، وليس القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، مشيراً إلى ضرورة أن تكون جريمة قتل، وأن يتعرّض للمساءلة القانونية كل من ساهم فيها سواء بالتحريض المباشر من خلال إصدار أوامر أو تعليمات فيها، أو الصمت.

وأضاف أنه من الضروري أيضًا تسهيل إمكانية رفع دعاوى ضد ضباط ورجال الشرطة إذا ارتكبوا جرائم أو تجاوزات جنائية ضد المواطنين، من خلال تعديل المادة 162 من قانون الإجراءات الجنائية الخاصة بإمكانية الإدعاء المباشر ضد ضباط الشرطة. موضحاً أن المادة بنصها الحالي لا تمنح أهالي الضحية الحق في إقامة الدعوى الجنائية أمام القضاء إلا من خلال النيابة العامة.

ودعا هلالي إلي ضرورة تعديل مناهج كلية الشرطة، لتأصيل أهمية إحترام حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، وألا يكون تقويم عمل فرد الشرطة بعدد الجرائم التي قام بضبطها أو تقفيلها.

أبرز الضحايا بعد الثورة
لم يكن عصام عطا الضحية الأولى للتعذيب بعد الثورة، إذ سبقه كثيرون، حاول تقرير للمؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني حصرهم، وكان منهم: وفاة محمد صباح سعيد نصر، ويعمل سائق ميكروباص، في دائرة قسم شرطة الأزبكية يوم 4 يونيو/حزيران 2011، بعد مشادة مع مأمور القسم.

كما توفّي محمد محمود علي عبد الحميد 17 سنة، بعدما ضربه مخبر سرّي على رأسه بعصا غليظة، وأصيب صديقه مصطفى بلال (18 عاماً) بتاريخ 9 يونيو 2011. كذلك أصيب الطالب في كلية الصيدلة شمس الدين محمد برصاصة في عينه اليسرى، أفقدته الإبصار بها، جرّاء إطلاق ضابط شرطة الرصاص عليه. وذلك بتاريخ 4 يونيو الماضي. هذا وتعرض السيد أبو المعاطي للتعذيب بتاريخ 30 يونيو في قسم شرطة الساحل، عبر الضرب على ظهره وهو عار ومقيد من يديه ورجليه.

ثورة جديدة على فايسبوك
إنطلقت ثورة جديدة من الغضب على صفحات موقع فايسبوك، ودشّن النشطاء عشرات من الصفحات للتنديد بالتعذيب، وتناقلوا مقولة والدة الضحية عصام عطا quot;لو كنتوا أخدتم حق خالد سعيد كنتم حتجيبوا حق ابنيquot;. ومن تلك الصفحات quot;كلنا عصام عطاquot;، على غرار صفحة quot;كلنا خالد سعيدquot;، quot;معًا للحصول على حق شهيد التعذيب في السجونquot;، quot;شهيد سجن طرهquot;.

وكتب أحد النشطاء ساخراً مما حدث quot;عطا مات من التعذيب في سجن طره، والجاسوس إيلان يشكر مصر على حسن المعاملةquot;. وأضاف quot;الطريقة الوحيدة التي تضمن بها حسن المعاملة داخل السجون المصرية هي أن تدخلها كجاسوسquot;.

وكتبت صفحة quot;كلنا خالد سعيدquot;، التي انطلقت منها الدعوات إلى ثورة 25 يناير ''إحنا بعد ثورة قامت ضد التعذيب، خالد طمسوا حقيقة موته واتهمه طبيب شرعي معدوم الضمير بحشر لفافة بانغو في جوفه، وهبّ القاضي بعد أكثر من سنة ونصف سنة يبرّئ خالد من الاتهام ده.. التعذيب مستمر لأن محدش بيعاقب المجرمين اللى بيعذبوا وشايفين نفسهم فوق القانون.. عايزين نعرف الحقيقةquot;. انشروا يا أطباء قصر العيني الحقيقة أيّا كانت، لأن سكوتكم جزء من الجريمة.. التعذيب جريمة.. التعذيب عار.. كل واحد بيكذب في تقرير في قضية تعذيب خوفا من مسؤول هو شريك في الجريمة، ومش بس في الجريمة دي وفي أي جريمة تانية بتحصل بعدها.. عايزين الحقيقة تظهرquot;. فهل تظهر الحقيقة، وينال الجناة عقابهم؟ أم سوف يستمر التعذيب في مصر إلى أن تندلع ثورة جديدة؟.