رغم الاعتراف الدولي بدور المرأة اليمنية، ونيل توكل كرمان جائزة نوبل للسلام عام 2011، وبرغم نزول عدد من النساء للمشاركة في مسيرات لنيل حقوقهن، تبقى المرأة اليمنية أسيرة العادات الاجتماعية في بلد تسيطر عليه القبيلة والدين.

مشاركة المرأة اليمنية في المسيرات الشعبية

في بداية الثورة الشعبية في اليمن، سارت نحو عشرين امرأة إلى قلب العاصمة يحملن لافتات تطالب بحقوق متساوية، وانضممن إلى الآلاف الذين كانوا يعتصمون لإسقاط الرئيس علي عبدالله صالح.

تلقت النسوة ترحيباً كبيراً، واستقبلهن الجميع بالهتافات، حتى وصلن إلى بقعة قريبة من المنبر في منتصف ساحة تغيير.

لكن مع مرور الأيام، لم تعد النساء موقع ترحاب، إذ عمل الرجال في ساحة التغيير على عزل quot;قسم النساءquot;، وبنوا حوله سياجاً، وغطّوه بحصائر متدلية من القش، فانتقل مبدأ الفصل بين الجنسين في اليمن التقليدية إلى عقر ساحة التغيير.

في هذا السياق، نقلت صحيفة الـ quot;غارديانquot; البريطانية عن الأسوشيتد برس أن النساء في اليمن يناضلن من أجل الحفاظ والمطالبة بحقوقهن في قلب انتفاضة اليمن، ويقاومن بشدة كل الجهود المبذولة لتهميشهم.

الهدف الرئيس للإحتجاجات هو إسقاط الرئيس علي عبدالله صالح ونظامه الديكتاتوري الذي حكم البلاد طيلة 33 عاماً، لكن الليبراليين الذين بدأوا الحملة قبل تسعة أشهر كانت لديهم آمال أكبر في إحداث تغيير اجتماعي شامل في دولة تسيطر عليها القبيلة والدين، بغضّ النظر عمّن هو في السلطة.

وتم الاعتراف بدور المرأة في الثورة اليمنية على الصعيد العالمي، وذلك عندما حازت توكل كرمان، رمز من رموز النساء المشاركات في حركة الاحتجاج، جائزة نوبل للسلام عام 2011.

وعلى الرغم من الاعتراف الدولي، يبقى واقع المرأة في صنعاء ورغبتها في المشاركة في المسيرات والاحتجاجات في بلادها تحت ضغوط شديدة من الرموز والقوانين والعادات الاجتماعية.

وتواجه النسوة تنامي نفوذ المتشددين الإسلاميين في ساحة التغيير، فالحركات الإسلامية هي الأغنى والأفضل تنظيماً مقارنة مع الجانب العلماني. ويسيطر المتشددون على اللجنة التنظيمية في ساحة التغيير، وهاجموا أكثر من مرة، الخيام التي تجمع تحتها الرجال والنساء، وعملوا على تفريق الاختلاط بين الجنسين الذي فرضته مظاهر الثورة.

ونقلت الصحيفة عن وميض شاكر قولها: quot;في البداية لقينا ترحيبًا كبيرًا في ساحة التغيير، وشعرنا بأن كل ما نحلم به بإمكانه أن يتحققquot;، وأضافت إن وجود النساء في ساحة التغيير كان بمثابة جنة من الاحترام والتعاطف بالنسبة إليهن، حيث يجتمع أفضل الرجال والنساء في اليمن في مكان واحد.

وأشارت الصحيفة إلى أن نحو خمس المشاركين في المسيرات الاحتجاجية اليومية في اليمن هم من النساء- وهو مستوى في حد ذاته يمثل أحد مظاهر الثورة اليمنية- حيث لا يشجع النساء على الظهور في العلن، ناهيك عن النقاش العام.

يشار إلى أن واقع المرأة الاجتماعي في اليمن صعب، وتعرقل تطوره أسباب عديدة، فتبلغ نسبة الأمية في صفوف النساء نحو 70 في المئة، وتشير الإحصاءات إلى أن ثمانية نساء يمنيات تواجهن الموت يومياً بسبب سوء الخدمات الصحية أو الافتقار التام لها.

ويتزوج معظم الرجال في أنحاء البلاد من فتيات في سنّ العاشرة، وذلك بسبب عدم وجود قانون يحدد السنّ القانوني الأدنى للزواج في اليمن. كما إن سبعة في المئة فقط من النساء العاملات يحصلن على أجر، على الرغم من أن معظم الوظائف تعتمد على تربية الأطفال، وزراعة الأرض ورعي الأغنام والماشية، وإعداد الطعام والتنظيف.

في ظل هذه الأحوال الصعبة، تعتبر مشاركة المرأة في المظاهرات والاحتجاجات في اليمن أمرًا نادر الحدوث.

وأشارت الغارديان إلى أن سمية القواس واحدة من الحالات التي تجسد التغيير في اليمن، فهي اعتادت على ارتداء الخمار، وهو الغطاء الأكثر تحفظًا للمرأة في اليمن. وعند بلوغها سنّ العشرين، أخذت خطوة صغيرة نحو الاعتدال، فتحولت إلى النقاب، الذي يحتوي على فتحة الحجاب عريضة تكشف جزءاً بسيطاً من الوجه ومحيط العينين.

وفي الشهر الماضي، بلغت سمية سن الـ 30، فسارت نحو مستشفى مؤقت في مخيم الاحتجاج في ميدان التغيير وعلى رأسها غطاء يظهر وجهها كله الذي يحمل ابتسامة عريضة تشرق على العالم. وأشارت سمية إلى أن مظهرها تغير، وليست شخصيتها، على الرغم من أن العديد من الناس ينظرون إليها وكأنها أصبحت متفلتة أخلاقياً.

انضمت سمية إلى الثورة اليمنية لتعبّر عن الثورة الداخلية التي تتأجج في نفسها، فابتعدت عن حركة الإصلاح، وهو تجمع إسلامي وأكبر حزب في اليمن.

وكانت حركة الإصلاح بمثابة البوصلة السياسية لسمية، التي غرست المبادئ الوطنية في نفسها، لكن على الرغم من امتنانها للحركة، إلا أنها تقول إن الثورة اليمنية أوسع من أيديولوجيا واحدة، ولا يمكن استبعاد أي شخص لديه معتقدات مختلفة.

تسعى سمية القواس إلى إحداث تغيير في المجتمع من داخل صفوف الشعب. أما حورية مشهور فتعمل على تمكين المرأة ووجودها من داخل حكومة صالح، من خلال اللجنة الوطنية، التي تديرها الدولة لشؤون المرأة. وعلى الرغم من أن حورية على دراية بأن هذه اللجنة موجودة أساساً باعتبارها أداة يستخدمها الحزب الحاكم للحصول على أصوات النساء في الانتخابات، إلا أنها تعتقد أن التغيير يمكن أن يأتي من داخل النظام.

عندما بدأت أول مظاهر الاحتجاجات الشعبية، انتهجت الحكومة أسلوباً عنيفاً في قمع المواطنين وسحق الثورات، فقررت حورية (56 عاماً) الاستقالة من اللجنة، وركزت جهودها على إلقاء الخطب، وعقد ورشات عمل في ميدان التغيير.

وتعمل حورية الآن مع مجموعة من النساء المستقلات اللواتي يركزن على مطلبين: تحديد الحد الأدنى لسنّ الزواج (17 عاماً) وحصة 30 في المئة للنساء في البرلمان. واليوم، تصرّ حورية على أن الوقت قد حان لتحظى المرأة بدورها في المجتمع، وتقول: quot;عند بناء دولة يمنية جديدة، سوف يكون للمرأة دور يعكس حجم مشاركتها في الثورةquot;.