أطفال عراقيون يحتفلون بالعيد |
على الرغم من التقدم الذي طرأ على العراق منذ عام 2003، إلا أن العراقيين متمسكون حتى اليوم بعادات وتقاليد اجتماعية مرتبطة بالأعياد على عكس بلدان أخرى كثيرة فقدت هذه الميزة، ولم تحافظ على نكهة هذه المناسبات، لأسباب مختلفة، أهمها التطور التكنولوجي.
بغداد: ما زال العراقيون يتمسكون بموروثات تاريخية ارتبطت بالأعياد الدينية، ولاسيما عيد الأضحى المبارك، من أهمها تقاليد اجتماعية تتمثل في زيارة المقابر والزيارات المتبادلة بين الأهل والأقارب والجيران والمعارف، وسيادة روح التسامح، وتناسي الخلافات، إضافة إلى طقوس مادية تتمثل في إعداد الكعك والحلوى وارتداء الملابس الجديدة والخروج إلى المتنزهات.
ويعتبر العراق من الدول القليلة التي مازال فيهالنكهة العيد عبق من الماضي، حيث طرأ القليل من التغيرات على مراكز المدن طيلة السنوات المنصرمة.
مساعدة الفقراء
وتعدّ quot;العيديةquot; للأطفال من الفعاليات المهمة، حيث يحرص الكبار على منحها لصغار ينتظرونها بفارغ الصبر.
تتهيأمعظمالأسر العراقية إلى العيد قبل نحو أسبوع من حلوله، حيث تشتري العوائل ميسورة الحال ما تحتاجه، كما تتصدق بما تستطيعه على الجيرانالفقراء. ورغم الحروب وما خلفته من مآس اجتماعية، فما زال العراقيون يلتزمون بالكثير من العادات والتقاليد الحميدة.
ما يميز المناطق الدينية، انطلاقالتكبيرات والأدعية الدينية، بالتزامن مع أداء صلاة العيد في المساجد، حيث يتم تبادل تهاني العيد بعد ذلك.
وتعتبر quot;كليجةquot;العيد والكعك والحلوى من أهم مظاهر العيد الذي تضفي عليه خصوصية.
ولايزال الكثير من العراقيين، لاسيما الأطفال، يحرصون على ملابس العيدالجديدة التي يتباهون بها أمام رفاقهم. واشترى أبو سعيد ملابس أطفال لبعض الأيتام، وهي عادةاعتاد عليها كل عام، وأبو سعيد الذي لم يرزق بأبناء طيلة عشر سنوات من زواجه يعدّ عمله كل عيد واجباً دينياً واجتماعياً.
يقول أبو سعيد إن أي عراقي لا يقبل أن يرى طفلاً لا يرتدي ملابس العيد. ويضيف أنه حين يرى أطفال مدينته وهم يرتدون ملابس جديدةيشعر بأن الدنيا ما زالت بخير.
يحتفل العراقيون بعيد الأضحى المبارك إلى جانبمليار مسلم في أنحاء الأرض، حيث موسم الشعائر الروحية في الأراضي المقدسة. وعيد الأضحى هو عيد النحر المرتبط أساساً بشعائر الحج.
الكليجة
يشعر المرء ببهجة عيد الأضحى في العراق في الأحياء والأسواق الشعبية على وجه الخصوص.
واستمرت أم عصام مع أبنائها وزوجاتهم في السهر إلى ساعة متأخرة من الليل فيصنع quot;الكليجةquot;، حيث يشترك الجميع في إعدادهاعبر التفنن بنقشات مختلفةفي عجينته، حتى إذا اكتمل حملوه إلى الفرن في السوق في طقوس يحرص الجميع على أدائها.
وتحرص الأم العراقية بصورة خاصة على زيارة المقابر وقراءةالقرآن الكريم على أرواح الموتى.
ولم تنقطع أم سالم عن زيارة قبر ابنها، الذي قتل في تفجير إرهابي عام 2004،في أول أيام العيد منذ نحو خمس سنوات.
مقبرة النجف
يحتشد عشرات الناس في مقبرة النجف (160 كم جنوب بغداد) في الأعياد، باكين على قبر ابن أو أب أو أخأو قريب، مترافقًا ذلك مع الحرص على أداء صلاة العيد.
وتحرص العوائل العراقية من مختلف الأطياف على زيارة المساجد والمراقد المقدسة.
عائد من السويد
وكان ليث جريان العائد من السويد بعد غربة دامت عشرين عامًا لا يصدق أن هذه العادات مازالت راسخة في المجتمع العراقي، حتى رآها بأمّ عينه. ويقول ليث إن الإعلام جعلنا نشعر بأن العراق تغير تمامًا، وأننا سوف لن نجد من الماضي إلا ذكريات مبعثرة هنا وهناك.
طيلة أيام العيد سيكون سعيد مدعوًا إلى ولائم عيد في أماكن مختلفة دعاه إليها الأصدقاء والمعارف. ويحرص العراقيون طيلة أيام العيد على الأكل المشترك، لاسيما بين الأقارب والأهل.
وهيّأ سعيد أحمد، وهو صاحب متجر في الأربعين، مائدة غنية بأسماك النهر العراقية، حيث دعا فيها في أول أيام العيد نحو ثلاثين فردًا من الأهل والأقارب.
بين الأراجيح والألعاب الحديثة
على هامش الزيارات العائلية يجتمع الأطفال، ليتعارفوا إلى بعضهم بعضًا، وينطلقوا بعد حصولهم على العيدية إلى السوق الشعبية القريبة، حيث تنتشر العربات التي تجرها الخيول وquot;المراجيحquot; الخشبية التقليدية، إضافة إلى أخرى أقيمت وفق تقنيات حديثة.
لكن الباحث في الفولكلور شبيب العتابي يرى أن الإنفتاح الذي يشهده العراق منذ عام 2003، يزيل الكثير من ملامح العيد التقليدية والتاريخية، بسبب انتشارأماكن لعب الأطفال الحديثة التي غزت المتنزهات والساحات العامة، إضافة إلى الألعاب الرقمية.
ينتقد العتابي في الوقت عينهمطاعم وجبات الأكل السريعة، لاسيما في الأعياد، حيث قضت على الكثير من وجبات المائدة العراقية التقليدية.
ويتابع: لم تعد بعض العوائل تحرص على عمل quot;الكليجةquot;، بل إن بعض العوائل بسبب المتغيرات الحياتية وتطور وسائل الميديا لا تود تبادل الزيارت، بسبب اعتكافها على مشاهدة قنوات الفضائيات التي تتنوع برامجها أثناء الأعياد، إضافة إلى اعتكاف الأطفال والشباب خلف الحواسيب لممارسة الألعاب الالكترونية أو الدردشة الرقمية.
لكن أم عصام مازالت تحرص مع بداية أول أيام العيد على أداء الصلاة في الروضة الحسينية في كربلاء بصحبة أبنائها، ثم يعرجون، وهم يرتدون أجمل الملابس، إلى السوق للتبضع، ومن ثم يعودون إلى البيت، منتظرين زيارة الأهل والأقارب والأصدقاء.
تهيئ أم عصام صحون الحلوى وquot;الكليجةquot; على المنضدة، كما تهيئ الشاي والمشروبات المختلفة لزائريها، وتتوقع أن تزورها أختهاالصغرى التي كانت على خلاف معها طيلة أشهر، لكي تكتمل فرحة العيد بلقائهما من جديد.
يجد التاجر سمير صاحب أحد المتاجر، في موسم عيد الفطر المبارك فرصة لمساعدة الفقراء، لاسيما وأن المناسبة تدرّ على التجار أرباحًا مضاعفة بسبب إقبال الناس على الشراء.
ومن العادات الجديدة التي يمارسها أطفال العراق، والتي تعدّ من معالم الانفتاح الجديد، استخدام المفرقعات والألعاب النارية في الاحتفالات.
ذكريات من الماضي
ويقول الحاج أبو أمين إنه يتوجّه وأبناءهإلى المسجد لأداء صلاة العيد، ثم لا يلبث أن يستقبل الأقارب، ثم اصطحاب الأهل في جولة إلى المتنزهات.
يتذكر أبو أمين أيام العيد الخوالي، وكيف كانت تزدحم حمامات السوق بالزبائن، بعدما يكونوا قد حلقوا رؤوسهم.
ويصف سعيد حسين (70 سنة) التكافل والتكاتف الاجتماعي في عيد أيام زمان، حيث كان الرجال والنساء والأطفاليبدؤون العيد بالصلاة، ثم يجتمع الرجال لتبادل التهنئة وتناول القهوة، ومن ثم تناول غذاء العيد، المكون من اللحم والأرز والخبز.
ومازالت الحنّة مظهرًا مهمًا من مظاهر العيد، تحرص العوائل على ممارستها، لاسيما النساء، حيث توضع الحنة بشكل دوائر على راحة الكف.
ومازالت الحاجة أم عصام إلى الآن حريصة على تنظيف البيت وترتيبه، فتبسط الفراش الجديد، وترشّ البيت بالعطور المخلوطة بالبخور.
تغيرات جوهرية في المجتمع
لكن الباحث العتبي يتوقع أن تشهد السنوات المقبلة تغيرات جوهرية في عادات وتقليد المجتمع العراقي، بسبب الانفتاح الإعلامي والإقتصادي على العالم.
ويتابع: طيلة السنوات السابقة كان العراق بلداً مغلقا عن العالم، وعلى رغم الجوانب السلبية لذلك، إلا أن الإيجابية الوحيدةكانت بقاء العادات والتقاليد على حالها، فلم يشوبها التغيير بسبب سياسات النظام السابقة المنغلقة على العالم، حيث انحسر تأثير الثقافات الأخرى على الثقافة المحلية العراقية.
التعليقات