كشفت المناورات العسكرية الإسرائيلية - الإيطالية عن اعتزام تل أبيب توجيه ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية دونما تنسيق مع واشنطن، وتكرار سيناريو قصف المفاعل النووي العراقي عام 1981، ووفقاً لتسريبات استخباراتية لم يعارض أي من وزراء نتانياهو هذا التوجه على العكس من الخلافات السابقة.


إسرائيل باتت قاب قوسين أو أدنى من ضرب منشآت إيران النووية

تل أبيب: حسمت إسرائيل موقفها من تبني الخيار العسكري حيال منشآت إيران النووية، ففي حين عارضت دوائر سياسية وأمنية إسرائيلية في السابق توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، خاصة في الوقت الراهن، أفادت معطيات عبرية أن وزراء حكومة الليكود أجمعوا على ضرورة التعامل عسكرياً مع طهران، على خلفية معلومات استخباراتية تلقتها تل أبيب، تفيد بتجاوز الدولة الفارسية ما يُعرف بالعتبة النووية.

تدعيماً لتلك المعطيات، نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت تقريراً مطولاً، تحدثت فيه بإسهاب عن التحولات المفصلية في إسرائيل حيال البرنامج النووي الإيراني، مشيرة إلى أن تصريحات قادة الدولة العبرية، وما سبقها من تقارير ومعلومات إقليمية ودولية تعكس نتيجة واحدة هي: إقبال إسرائيل على عمل مسلح ضد طهران، إلا أن الصحيفة العبرية وضعت في هذا الصدد سؤالاً يفتقر إجابة حاسمة، وهو: ما الصعوبات التي قد تواجهها إسرائيل لوضع نهاية أو على الأقل لعرقلة تطوير برنامج إيران النووي؟.

بنك المعلومات الإسرائيلي
وتشير يديعوت أحرونوت إلى أن بنك المعلومات الإسرائيلي حيال البرنامج النووي الإيراني يتكون من شطرين، أولهما: منشآت نووية علنية، ثانياً: منشآت نووية سرية، ويخضع النوع الأول إلى رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. أما النوع الثاني فيتضمن مواقع نووية عسكرية، تؤكد تقديرات غربية أنها تهدف إلى تطوير رؤوس نووية يمكن وضعها على صواريخ باليستية، أو ما يعرف بالقنبلة النووية، أو بعبارة أخرى بناء منظومة نووية للأغراض العسكرية.

وكما هو معروف، بحسب تعبير الصحيفة العبرية، تمكن الإيرانيون من تخصيب كميات كبيرة من اليورانيوم بنسبة منخفضة (من 4 حتى 20%)، إلا أن المخاوف التي تساور إسرائيل تكمُن في امتلاك إيران للمعلومات والوسائل، التي تجعلها قادرة على مواصلة تخصيب اليورانيوم بنسب أكثر ارتفاعاً (90%) وهي النسبة المطلوبة لبناء قنبلة نووية، وترى الدوائر الأمنية في تل أبيب أنه كلما مضى الوقت تتزايد عمليات تخصيب اليورانيوم في المنشآت السرية الإيرانية في محاولة من طهران للتغلب على الصعوبات التي تواجه تطوير برنامجها النووي.

تشير معلومات يديعوت أحرونوت إلى أن الإيرانيين استفادوا من تجربة قصف إسرائيل للمفاعل النووي العراقي عام 1981، عندما عمدوا إلى تناثر مواقعهم النووية في مناطق متفرقة على الأراضي الإيرانية، كما حرصوا على تأمين وتحصين هذه المواقع بصورة مبالغ فيها للحيلولة دون قصفها، وكان في صدارة هذه المنشآت quot;نتانزquot; المعروف بحسب الصحيفة العبرية بـ (قلب البرنامج النووي الإيراني)، إذ يعمل في تلك المنشأة ما يربو على 9.000 منظومة للطرد المركزي، في داخل كل منظومة 164 منظومة أخرى، وتلي نتانز منشأة أخرى معروفة باسم (فوردو) وهي منشأة لتخصيب اليورانيوم متاخمة لمدينة قُم الإيرانية، وتم اكتشافها عام 2009، وهي منشأة صخرية تتوسط إحدى القواعد التابعة للحرس الثوري الإيراني، وتضم المنشأة 164 منظومة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم بنسبة لا تتجاوز 20%، وتستعد للعمل بكامل طاقتها (3.000 منظومة طرد مركزي) في غضون أيام قليلة بحسب الصحيفة العبرية.

منشأة (العُجّة الصفراء)

أما أصفهان فهي المنشأة النووية الإيرانية الثالثة، وفقاً لتصنيف يديعوت أحرونوت، ويطلق عليها في تل أبيب اسماً كودياً هو (العُجّة الصفراء) في إشارة إلى اليورانيوم الخام الأصفر، الذي يتم تحويله إلى سائل (UF6) عبر تلك المنشأة، إلى جانب ذلك عددت الصحيفة العبرية المنشآت النووية الإيرانية العاملة بالكفاءة نفسهامثل سكاند وأردكان وأراك وبوشاهر، الذي تعتبره إسرائيل من أشهر منشآت إيران النووية.

على خلفية هذه المعلومات وغيرها، رأت الدوائر السياسية والأمنية في تل أبيب أنه حانت اللحظة الحاسمة لتبني الخيار العسكري في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني.

ووفقاً لتسريبات نشرتها آلة الإعلام العبرية، أخرجت إسرائيل خططتها العسكرية والاستراتيجية، التي باتت حبيسة الأدراج لفترة طويلة، وقامت بترجمة هذه الخطط إلى واقع ملموس، عندما أطلقت في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري صاروخاً باليستياً من قاعدة (بلمحيم) في صحراء النقب، ووفقاً للتسريبات نفسها يدور الحديث حول صاروخ (أريحا3) الذي يمكنه حمل رؤوس نووية تزن 750 كيلوغراماً لمسافة تصل إلى 7.000 كيلومتراً. أما إذا ما تم وضع قنبلة نووية أقل حجماً على الصاروخ فستزيد مسافة تحليقه.

ونقلت التسريبات العبرية عن دوائر استخباراتية غربية تقديراتها بأن 42 صاروخاً تقليدياً تكفي لتدمير منشآت إيران النووية، خاصة تلك التي توجد في نتانز وأصفهان وأراك.

أما في ما يتعلق بالمنشآت النووية الإيرانية، التي توجد تحت سطح الأرض، مثل منشأة فوردو Fordo المتاخمة لمدينة قُم الإيرانية، فمن الممكن أن تتعامل إسرائيل معها عبر القنابل quot;مخترقة الحصونquot; GBU-28 التي أمدّت بها الولايات المتحدة إسرائيل في الأسبوع الثالث من شهر أيلول/ سبتمبر الماضي.

مناورات فوق جزيرة سردينيا

إلى ذلك، أجرت إسرائيل مناورات جوية واسعة النطاق خلال الأسبوع الماضي في إيطاليا فوق جزيرة سردينيا، وشاركت في المناورات مقاتلات جوية إسرائيلية من طراز F-16، كما شاركت في المناورات طائرات من quot;إيتامquot; 550 Eitam G- الإسرائيلية، التي تقوم بمهام استخباراتية في الجو، فضلاً عن مشاركة طائرات من طراز quot;هركولسquot;، التي انطلقت من قاعدة نتفيم في صحراء النقب، وشارك من الجانب الإيطالي في تلك المناورات طائرات حربية متطورة من طراز quot;تايبونquot; وquot;تورنيدوquot; و F-16.

في هذا السياق، ألمحت تسريبات وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن إدارة أوباما بعثت بأحد ضباط الأمن القومي الأميركي إلى شبكة فوكس الإخبارية، لتؤكد من خلاله أن واشنطن أضحت على يقين باقتراب الهجوم الإسرائيلي على الدولة الفارسية، وأن الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه لا يثق في إمكانية إبلاغه بساعة صفر هذا الهجوم.

ووفقاً لتقارير تقدير الموقف في وكالة الاستخبارات المركزية الـCIA، لا تعوّل إسرائيل على نجاعة العقوبات الجديدة التي تعتزم الولايات المتحدة فرضها على حكومة طهران، وأن تل أبيب أدركت أن الأجواء الحالية في إيران وإسرائيل لا تختلف كثيراً عن الأجواء التي فرضت نفسها على تل أبيب وبغداد، عندما قصفت إسرائيل المفاعل النووي العراقي عام 1981.

وفي محاولة لتبرير عمل إسرائيل العسكري المرتقب ضد إيران، أوضحت دوائر إسرائيلية أن طهران لا تمتلك فقط برنامج نووياً عسكرياً، وإنما دشّنت سراً منظومة عالية التقنية، تمكنها من إجراء تجارب باليستية بعيداً عن المنظومات الرادارية المتطورة، وتطلق إيران على هذه المنظومة اسم simulation programme، وتمتلك هذه المنظومة معظم الدول الأعضاء في نادي الدول النووية، باستثناء كوريا الشمالية، وكان مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد حاولوا الوصول إلى معلومات حول امتلاك إيران لتلك المنظومات، إلا أن العلماء الإيرانيين رفضوا التعاطي مع أسئلة الوكالة المطروحة في هذا الصدد.