مع انقضاء غبار المعارك في ليبيا، يتصدر سلم الأولويات العديد من القضايا، لعل أبرزها عملية جمع كل الأسلحة المنهوبة من المخازن، التي كدّسها معمّر القذافي على مر عقود.
جمع السلاح في ليبيا مهمة معقدة |
بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على مقتل العقيد معمّر القذافي، يقول خبراء إن العثور على أكداس الأسلحة، التي تركتها قوات القذافي، وتأمينها ازداد تعقيداً بغياب التمويل والتنسيق الدوليين، وتضارب الأولويات بين الحكومات الغربية والأفريقية بشأن الأسلحة التي تشكل تهديداً أكبر.
وكان المسؤولون الأميركيون والأوروبيون حذّروا من خطر صواريخ quot;أرض. جوquot; التي نُهبت، على الطائرات المدنية، ولكن خبراء يقولون إن هناك أنواعاً أخرى قد تكون أشد خطرًا، لكنها لا تلقى اهتمامًا يُذكر.
ونقلت مجلة تايم عن مدير برنامج تنسيق العمل المشترك لإزالة الألغام التابع للأمم المتحدة في ليبيا ماكس دايك، قوله quot;إن لا أحد لديه فكرة عن حجم المشكلة، لأنه لم تُتح لأحد فرصة تقديرها في أنحاء البلاد، ونحن ليست لدينا الموارد للقيام بذلكquot;.
يتولى فريق العمل الأممي المشترك إبطال آلاف الألغام الأرضية، وتأمين أكداس ضخمة من الأعتدة. وقدمت الولايات المتحدة 40 مليون دولار للمساعدة في تأمين هذه الأكداس، في حين تعهدت كندا بمنح 10 ملايين دولار.ولكن دايك أكد أن هذه المبالغ أقل بكثير من المطلوب.
وكان نظام القذافي أنفق مليارات على إعادة بناء ترسانته، بعد رفع العقوبات عنه في عام 2003. وأصبحت ليبيا زبونًا، تطمع شركات السلاح الغربية في استدراجه إلى بضاعتها الفتاكة.
بعد انهيار النظام، نُهبت كميات ضخمة من السلاح من المستودعات التي تركها حراسها، وهُرّبت عبر الحدود الليبية. وقال رئيس النيجر محمدو أيسوفو قبل أيام إن قواته قتلت ستة مهرّبين على الحدود الليبية في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر في رابع اشتباك مع عصابات التهريب منذ شباط/فبراير.
وحذر من انتشار الأسلحة الليبية المنهوبة في عموم المنطقة، مؤكدًا أن تنظيم القاعدة أحد متلقي هذه الأسلحة.ورجّح بيتر ويزمان الخبير في تجارة السلاح في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن تصل الأسلحة الليبية إلى جماعات متمردة في تشاد ومالي. وقال إن هذه البلدان لا تملك القدرة على ضبط الحدود ومنع تدفق السلاح عبر أراضيها.
لكن مراقبين يرون أن الأسلحة المنهوبة داخل ليبيا نفسها لا تقلّ خطرًا.وبعد مقتل القذافي بفترة قصيرة، اكتشفت منظمة مراقبة حقوق الإنسان quot;هيومن رايتس ووتشquot; 70 مستودعًا محصنًا في جنوب سرت، تحوي آلافًا من قذائف quot;أرض. جوquot; الموجّهة وغير الموجهة، وقذائف المدفعية والهاون وذخيرة وأسلحة أخرى.
وقال بيتر بوكارت مدير قسم الطوارئ في منظمة هيومن رايتس ووتش لمجلة تايم إن الحكومة الليبية لم تفعل شيئًا يُذكر لتأمين هذه الأكداس الكبيرة.وأضاف: quot;إننا سمعنا الكثير من الكلام والوعود، ولكن السلطات الليبية تفتقر القدرة والسيطرة على المجموعات التي نهضت بعبء القتالquot;.
وتأكد حجم المشكلة خلال هذا الأسبوع، عندما قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إن السلطات الليبية عثرت على مستودعين للأسلحة الكيمياوية، لم تكن من قبل معروفة للحكومات الغربية، التي إدّعى القذافي أنه كشف لها عن كل ما لديه منها بموجب صفقة، أنهت العقوبات الدولية ضده. ولا يُعرف لماذا لم تُستخدم هذه الأسلحة ضد الثوار.
من بواعث القلق المتزايد... الألغام الأرضية التي استُخدم بعضها في المناطق الشرقية من ليبيا، ولكن خبراء يعتقدون أن ملايين منها قد تكون مدفونة في أنحاء البلاد، بينها نحو مليوني لغم، يُعتقد أنها زُرعت على الحدود مع تشاد خلال نزاع ليبيا مع هذا البلد في الثمانينات. ولعل آلاف الألغام نُهبت من المستودعات.
وبعد أيام على دخول الثوار طرابلس، تلقى دايك ومسؤولون آخرون رسائل الكترونية من تجار سلاح يعرضون بيع 100 ألف لغم أرضي مقابل 290 دولاراً عن اللغم. وقال دايك إن هذه الرسائل أُحيلت إلى وزارة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة، التي فتحت تحقيقًا في القضية.
وهناك رشاشات كلاشنكوف أيضًا. إذ ابتاع القذافي 100 ألف كلاشنكوف من أوكرانيا، وتفاوض مع الصين على 500 ألف أخرى، ولا يُعرف كم شحنت الصين منها قبل أن يبدأ سريان الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة.
واهتمت الدول الغربية بأولوياتها في مواجهة التحدي المتمثل في الأسلحة المنهوبة. وتعاقدت وزارة الخارجية الأميركية مع شركة داين كورب انترناشنال الأمنية للمساعدة في تعقب صواريخ quot;أرض ـ جوquot; المسروقة، التي تخشى واشنطن أنها قد تمكن الإرهابيين من استهداف الطيران المدني في شمال أفريقيا.
لكن التركيز على صواريخ quot;أرض ـ جوquot; يغفل خطر الأسلحة الأخرى، التي يمكن أن تقع في أيدي جماعات تتمرد لاحقاً. وقال بوكارت من منظمة هيومن رايتس ووتش إنه حين التقى ممثلي شركة داين كورب انترناشونال quot;هبط انتباههم إلى درجة الصفر عندما انتقلتُ إلى الحديث عن الأسلحة الأخرى غير صواريخ quot;أرض ـ جوquot;.
وقال رئيس تحرير مجلة جين المتخصصة بالدفاعات الأرضية المضادة للجو جيمس أوهالوران إن من غير المعروف إن كانت صواريخ quot;أرض ـ جوquot; ما زالت صالحة للعمل. مشيرًا إلى أن صلاحية تلك التي اشتراها القذافي في السبعينات والثمانيات ربما انتهت.
وأضاف أن الوقود الصلب الذي تنطلق هذه الصواريخ بقوة احتراقه أصبح عتيقًا منذ زمن طويل. كما أعرب عن شكه في قدرة الجماعات الإرهابية على استخدام الأنواع الأحدث من هذه الصواريخ.
وبعد دراسة أشرطة فيديو وملفات عن الأسلحة، التي عُثر عليها منذ آب/أغسطس، يعتقد أوهالوران أن غالبيتها تفتقر قطع أساسية، ومن المستبعد أنها هرّبت مع كل المكونات المطلوبة لتشغيلها، مثل آلية الإطلاق والبطارية التي لا تُستخدم إلا مرة واحدة وتبقى مشحونة 30 إلى 40 ثانية فقط بعد تفعيلها.
وقال أوهالوران إن القذيفة بحد ذاتها عديمة الفائدة quot;وأقصى ما يمكن أن تفعله بمثل هذه القذيفة هو أن تهوي بها على رأس احدهمquot;.
التعليقات