متظاهرون سوريون ضد الأسد يحملون العلم السوري القديم في الصنمين قرب درعا

مع استمرار الاحتجاجات المناهضة لحكومة الرئيس السوري بشّار الأسد، يبدو أن موجة العنف خرجت عن السيطرة، لتتحول تدريجيًا إلى حرب أهلية مفتوحة، في حين أن الشبّيحة لا يشعرون بأي حرج من ممارسة الوحشية بشكل علني.


في بلدة دير الزور الحدودية، قُتل الطفل محمد عيسى، 15 عاماً، برصاص الشبيحة، لأنه شارك في إحدى التظاهرات المعارضة للأسد، فشيّعته دير الزور بحزن بالغ، وأطلقوا على أحد شوارع البلدة اسم quot;شارع محمد الملا عيسىquot; تكريماً له.

محمد الملا عيسى خرج من منزله تلميذاً في طريقة إلى المدرسة، وعاد قتيلاً إلى منزل والديه. كان واحداً من مئات الشباب السوريين، الذين أصبحوا رمزاً لثورات الربيع العربي ضد الحكام المستبدين. وانضم إلى نحو 280 طفلاً قُتلوا في سوريا منذ بدء الاحتجاجات، وفقاً لناشطين سوريين.

قتل الطفل محمد عيسى في بلدة دير الزور قرب الحدود العراقية في مظاهرة ضد حكم الرئيس بشار الأسد، وانضم إلى قافلة القتلى، الذين بلغ عددهم 4.000 قتيلاً، منذ أن بدأت الثورة السورية، وانضم إليه تسعة على الأقل، منذ صباح يوم السبت.

وأشارت صحيفة الـ quot;تليغرافquot; إلى أن الطريقة التي تُوفي بها الطفل السوري، ومظاهر الانتقام الواضحة، تمثل مرحلة جديدة في تلك الثورة، وهي المرحلة التي تشهد تحول الصراع إلى حرب أهلية مفتوحة بين الجانبين، يعتقد المحللون أنها بدأت تشبه التجربة الليبية إلى حد بعيد.

يقول أصدقاء محمد في المدرسة أنه كان طالباً ناجحاً ومتمرداً في آن. فتسبب تمرده بطرده من مدرسة quot;ابراهيم عليquot;، التي كان يتابع تحصيله العلمي في صفوفها، بعدما شكّك في السرد الوطني للأحداث، التي تضمنها كتاب التاريخ، الذي كان يميل إلى تعظيم عائلة الأسد وحزب البعث العربي الاشتراكي.

وأتى quot;الشبيحةquot; لجمع الطلاب من المدارس، كي يشاركوا في التظاهرات المؤيّدة للأسد، لكن محمد عيسى رفض الإنضمام إليهم، معلناً عن تمرده ووقوفه إلى جانب المتظاهرين ضد النظام السوري.

أما الأحداث، التي تلت هذه المرحلة، فمتنازع عليها. ووفقاً للتقارير الأولية، تم إطلاق النار على الطفل محمد عيسى في صدره أمام أصدقائه، فسقط أرضاً وهو ينزف. ثم عمد quot;الشبيحةquot; إلى ضرب محمد بالهراوات، لكنه كان لا يزال على قيد الحياة. ثم صدر أمر مباشر إلى أحد الشبيحة: quot;أطلق النار عليه مرة أخرى للتأكد من أنه ماتquot;.

وأشارت التقارير في وقت لاحق إلى أنه تم تعظيم القصة، غير أن ما حدث في الحقيقة أكثر خبثاً وعنفاً من القصة السابق ذكرها. فبعدما رفض محمد الانضمام إلى المظاهرات المؤيّدة للأسد، غادر الشبيحة، وهم يتوعدون بالثأر، فقاموا بمراقبته ليعاقبوه على رفضه.

بعد وقت قصير، عثر الشبيحة على محمد في مظاهرة ضد النظام السوري في شارع التكايا، حيث نفّذوا انتقامهم بدم بارد. بالنسبة إلى عائلته، فمشهد الطفل محمد عيسى وهو ينزف حتى الموت، لا يمكن أن يمحى من ذاكرتهم، لكن حضور أكثر من 20.000 مشيّع إلى جنازته، وفّر بعض العزاء لهم.

ورأت الصحيفة أن الرئيس السوري بشّار الأسد يفتقر مراوغات العقيد الليبي الراحل معمّر القذافي، والهوس النرجسي والعنف في التعبير. لكن أتباعه يحملون بعضاً من أعراض الهوس، التي أظهرتها كتائب القذافي أثناء انهيار نظام العقيد في أوائل الصيف.

وأظهرت أشرطة الفيديو المسرّبة بكاميرا تصوير، خبّأها أحد المتظاهرين في جيب سرواله، مجموعة من قوى الأمن السورية، تطلق النار في اتجاه المشاركين في تظاهرات المعارضة. أما إحدى اللقطات، التي صُوّرت خلال الأسبوع الماضي، فأظهرت صوراً للشبيحة وهم يضربون أحد الرجال على قدميه.

وقيل لاحقاً إن الرجل الذي يتعرّض للضرب هو رئيس بلدية بلدة كفرنبل في محافظة إدلب في شمال البلاد. وكان الشبيحة يضربونه بالسياط على قدميه، إلى أن قام أحد الضباط بضربه بشكل هيستيري حتى فقد الوعي.

في مكان آخر - وفي مقطع فيديو واضح - ظهرت مجموعة من الجنود الذين يصوّرون بعضهم البعض أثناء اعتقال رجلين من أحد المنازل. أخرج الجنود الرجلين بالقوة، وهما نصف عاريين، ثم بدأوا بركلهم وضربهم حتى فقدا الوعي.

ونقلت الصحيفة عن امرأة فرّت من مدينة حمص تحت نيران القذائف والرصاص المنهمر، قولها إن quot;حمص باتت منطقة حرب من دون شكquot;، مضيفة أن هناك quot;دبابات في الشوارع، ويمكن سماع أصوات إطلاق نار في كل مكانquot;.

ويرى المحللون أنه من غير الممكن مقارنة سوريا بليبيا حتى الآن، فمعظم السكان في ليبيا ينتمون إلى الطائفة السنية، والأقلية من البربر يسكنون الجبال البعيدة. أما في سوريا، فالسكان خليط من المذاهب (السنّة والشيعة والعلويون والمسيحيون والدروز).

والتقى وزير الخارجية التركي، أحمد داوود أوغلو، بالمجلس الوطني السوري في الأسبوع الماضي، وهي مظلة المعارضة الرسمية في إسطنبول. وتوفر تركيا غطاء للجيش السوري الحر، وهي مجموعة منشقة عن الجيش السوري. كما إن بريطانيا وفرنسا تقدمان الدعم للسوريين المعارضين.

وأشارت الـ quot;تليغرافquot; إلى أن هذا الدعم، بالإضافة إلى تهديد الدول العربية بفرض عقوبات على سوريا في حال لم تنفذ شروط الاتفاقية، واهتمام وسائل الإعلام العالمية، قد شجع المعارضة على الاستمرار في جهودها لإسقاط النظام في سوريا.

و أشارت الصحيفة إلى أن عدد المنشقين عن الجيش السوري وصل إلى 17.000 جندي داخل سوريا، على الرغم من أن السلطات السورية تقول إن عدد الجنود المنشقين هو 1500 جنديًا فقط. ويشير نشطاء إلى أن العديد من الجنود الذين يجبرون على تنفيذ الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين، يتعمّدون إطلاق النار على الأشجار والجدران حتى لا يصيبوا المدنيين.

كما يتعمد بعض الجنود إطلاق النار على أرجلهم للتسبب بالضرر، حتى يتوفر لهم العذر للهروب، في محاولة لتجنب قتل المدنيين.

وقال جندي، انشق عن الجيش السوري وانضم إلى مجموعة الجيش السوري الحرّ: quot;لقد تحدثت إلى أحد القناصة، الذي قال إنه يطلق النار على الجدران والأشجار والسماء، عندما يتلقى أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين. إنه يفعل أي شيء حتى لا يقتل المدنيين، وينقذ حياته في الوقت عينهquot;.

يُصرّ النظام السوري على أن الوضع مختلف في ليبيا. ربما كان على حق، لكن سوريا المختلفة عن ليبيا... تشبه العراق إلى حد كبير، فالأسد اعتمد في دولته على الأقلية من الطائفة العلوية، مع فئة من وجهاء السنّة، لتعزيز قوته.

كما إن سوريا تملك ورقة رابحة، وهي دعم إيران، التي لن تتخلّى عنها، أو تسمح لها بالخروج من معسكر quot;المقاومةquot; المعادي للغرب. وهذا سبب آخر لحذر القوى الأجنبية من التدخل في سوريا، لكنه سبب آخر للتخوف من النتائج على المدى الطويل. فما قد يحدث في سوريا سيكون أكبر وأكثر دموية من التجربة في ليبيا.