رغم الحرص الذي يبديه laquo;المجلس الانتقالي الوطنيraquo; الليبي على معاملة إنسانية للسجناء من الموالين لنظام القذافي والأفارقة، الذين يُتّهمون بأنهم مرتزقة، فقد سادت بعض المعتقلات تجاوزات، تصنّفها الأمم المتحدة في خانة laquo;جرائم الحربraquo;.


السود من أكبر المتلظين بلهب الثورة الليبية

صلاح أحمد: يقول الدكتور أسامة موسى، وهو يشير إلى نزيل في مستشفى الخُمس (90 كيلومترًا شرق طرابلس): laquo;عاملوه بشكل غير إنسانيraquo;. ويؤكد وسط نظرات توبيخ من حراس النزيل على أنهم: laquo;كانوا يطفئون أعقاب سجائرهم على أجساد السجناء، ويعلقونهم من أذرعهم وأرجلهم ويضربونهمraquo;.

ويمضي الطبيب الليبي - الذي كشف عن أنه نفسه سجين لأنه من الموالين للقذافي - محادثًا مراسل laquo;تايمزraquo; البريطانية قائلاً، وهو يشير إلى آثار الجروح على معصمي المريض وذراعيه: laquo;أنظر إلى القدمين أيضًا.. انتزعوا أظافرهما بالكمّاشة.. وهذا هو حال العديد من المرضى في هذا العنبر وغيرهraquo;.

يلفت المراسل إلى أن هذه التطورات هي التي كان الغرب يخشاها، بعدما آلت الأمور إلى الثوار عقب إطاحة القذافي ورموز نظامه. وهي تأتي والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يتهيأ لنشر تقرير يوم الاثنين، يؤكد أن أكثر من 7 آلاف من المتهمين بموالاة نظام القذافي يقبعون في الحبس في laquo;سجون مؤقتةraquo;، لا تراعي شروط السجون التقليدية، وبدون أي عملية قانونية تضمن لهم العدالة. ويقول التقرير أيضًا إن الهيئة الدولية تعرب عن قلقها إزاء الأنباء التي تتحدث عن موجة من العنف والتعذيب التي تجتاح الأماكن التي يعتقل فيها هؤلاء.

ويوضح مراسل الصحيفة أن تصريحات الدكتور موسى laquo;نسفت نوايا الثوار، الذين أخذوا المراسلين الغربيين في جولة في مستشفى المدينة، الغرض منها هو إلقاء الضوء على المعاملة الإنسانية، التي يجدها أتباع نظام القذافيraquo;. ويضيف إن أحاديثه مع نزلاء المستشفى أوضحت أنهم تعرّضوا لمختلف أشكال التعذيب المنتظم في معتقلاتهم، رغم أنهم يقرّون بأن الأمور تحسنت نوعًا ما الآن.

من جهته يشير تقرير الأمم المتحدة إلى أن العديد من أولئك السجناء وافدون من دول أفريقية سوداء مجاورة، واتهموا بأنهم مرتزقة شهروا السلاح في وجه الثوار. ويقول إن هذا الأمر ينطبق على جميع الوافدين تقريبًا، مع أن السبب في وجود معظمهم في ليبيا اقتصادي، وهو البحث عن لقمة العيش لهم ولأسرهم.

في الوقت نفسه، فإن التقرير لا يوجّه اللوم في ما يصفه بـlaquo;جرائم حربraquo; إلى الثوار وحدهم، وإنما يقول إن أنصار القذافي - عندما كانوا في السلطة وخلال أشهر الثورة نفسها - ارتكبوا أيضًا تجاوزات فادحة، ولا تقلّ قسوة بحق المعارضين للنظام البائد.

يذكر أن الظروف في معتقل الخمس تحسنت كثيرًا في ما يبدو منذ الشهر الماضي، بعدما أرسل laquo;المجلس الانتقالي الوطنيraquo; لجنة ثورية جديدة كلفها إدارة شؤونه بدلاً من الثوار المحليين. ويقول النزلاء الآن إنهم صاروا يتمتعون بوجبات معقولة وبمعاملة غير خشنة من الحراس الجدد.

أحد المتهمين بموالاة القذافي في مستشفى الخمس

ينقل المراسل عن أحد ضباط السجن الجدد، مشيرًا إليه باسم عبد السلام، قوله: laquo;جئت مع رفاقي قبل نحو 25 يومًا. سمعنا أن الحراس السابقين كانوا يعاملون السجناء بشكل سيء. أما نحن فلم نعاقب غير سجين واحد، مدان بالقتل، بجلده على قدميه.. وهذا لأنه شتم الخالق، ونحن مسلمون، لا يجوز هذا بينناraquo;.

قد يكون غنيًا عن القول إن صورة laquo;المجلس الانتقالي الوطنيraquo; اهتزّت أمام أعين الأسرة الدولية خلال الشهر الماضي، بعد المصير الدامي، الذي وجده معمّر القذافي وابنه معتصم على يد الثوار، وتناقلته شاشات التلفزيون والإنترنت في مختلف أنحاء الدنيا. من جهتها قالت laquo;هيومان رايتس ووتشraquo; المعنيّة بحقوق الإنسان إن عددًا من مرافقيهما ومن سجناء آخرين لقوا حتفهم على النحو الدموي نفسه.

انطلاقًا من هذا، فقد أبدى العالم تحفظاته عندما علم أن سيف الإسلام القذافي سيحاكم داخل ليبيا خوفًا من أن يتعرّض لأسوأ مصير بعد محاكمة صورية. يأتي هذا رغم أن كبير ممثلي الإدعاء في محكمة الجنايات الدولية، لويس مورينو أوكامبو، أعلن أن للمجلس الحق في هذا بدلاً من إرساله إلى لاهاي، كما كان يؤمل.

الآن يشكو أهل بلدة طوارقة الجنوبية - ومعظمهم من ذوي البشرة السوداء - من أن عددًا كبيرًا من رجالهم ونسائهم وأطفالهم يرزحون داخل السجون، بعد اتهامهم بأنهم شاركوا في حملة منظمة من العنف والاغتصاب ضد سكان مصراتة خلال أشهر الثورة. ويقولون إن السبب الحقيقي وراء الاتهام إنما هو جزء من التفرقة العنصرية، التي ظلوا يتلقونها بسبب لون بشرتهم.

يذكر أخيرًا أن وزير العدل الليبي في الحكومة الانتقالية سلّم إلى المسؤولين في الأمم المتحدة مسودة قانون للفترة السابقة للانتخابات العامة المقبلة. وتشمل هذه المسودة إطار العمل الرامي للوصول إلى الحقائق في ما يتعلق بالتجاوزات الإنسانية التي أفرزتها الثورة من لدن الطرفين.