فوز التيار الاسلامي في مصر

حقق التيار الإسلامي الفوز في المرحلة الأولى من الانتخابات المصرية، مقابل خسارة الليبراليين واليساريين. ويرجّح مراقبون سياسيون أن هذا التيار سيحافظ على مركزه في الجولة الثانية، مؤكدين أن حزب الوفد جمع مرشحين من كل حدب وصوب، ما أفقده مصداقيته.


القاهرة: في مفاجأة متوقعة من جانب المراقبين، قبل بدء سباق المرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشعب، حصد التيار الإسلامي في مصر، والمتمثل في حزب الحرية والعدالة quot;الذراع السياسي للإخوان المسلمين quot;وحزب النور السلفي، نسبة الغالبية من الأصوات على صعيدي المقاعد الفردية والقوائم.

جرت الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشعب في تسع محافظات يومي 28 و29 نوفمبر الماضي، وأعلن نتائجها في مؤتمر صحافي المستشار عبد المعز مصطفى، رئيس اللجنة العليا للانتخابات.

وقد تصدر مشهد النتائج في الترتيب في معظم الدوائر في المحافظات التسع، حزب الحرية والعدالة، ثم تلاه حزب النور السلفي، وأعقبته الكتلة المصرية - التي ينضوي تحت لوائها خمسة أحزاب ليبرالية وعلمانية ويسارية - وقد تبادل الأخيران الترتيب الثاني والثالث، بينما تصدر الحرية والعدالة المرتبة الأولى.

في المقابل خسر الليبراليون واليساريون والعلمانيون والمتمثلون في الأحزاب القديمة الديكورية لمرحلة ما قبل ثورة 25 يناير أصوات الناخبين، الذين اقترعوا لمصلحة التيار الإسلامي - على حد وصف أحد المراقبين -والجديدة الورقية، المتمثلة في الائتلافات الثورية، والتي تفتقد التجربة والخبرة السياسية والحنكة في إدارة العملية الانتخابية.

وقد عمّت الفرحة قيادات وأعضاء حزبي الحرية والعدالة والنور السلفي، على أثر النتائج، التي تحققت، والتي لم تكن متوقعة من جانبهم، وعلى الرغم من ذلك فإن عيون قيادات الحزبين على صناديق الإعادة في عدد كبير من الدوائر في المحافظات التسع، والمقرر لها يوم 5 ديسمبر الجاري، لتحقيق الانتصار التام في الجولة الأولى، خاصة أن دوائر كثيرة ستتم الإعادة فيها بين وجهي التيار الإسلامي في مصر، وهما حزبا الحرية والعدالة من ناحية، ونظيره النور السلفي من ناحية أخرى.

في المقابل فإن هذه النتائج أصابت الأحزاب الأخرى على الساحة بالإحباط واليأس في تحقيق نتائج متقدمة في المرحلتين المقبلتين، بناء على معطيات المرحلة الأولى، وقد بدأت غرف عمليات هذه الأحزاب بإعادة ترتيب أوراقها مرة أخرى لتعويض الخسائر التي منيت بها في المرحلة الأولى.

وفي السطور الآتية استطلعتquot;إيلافquot; آراء بعض القوى السياسية للتعرف إلى قراءاتهم لنتائج المرحلة الأولى، قبل الإعادة المقرر لها يوم الخامس من ديسمبر الجاري.

التيار الإسلامي سيحافظ على مكاسبه

في البداية يستشرف د.محمد إبراهيم منصور، مدير مركز الدراسات المستقبلية في مجلس الوزراء المصري أن المرحلة الثانية من الإنتخابات لن تختلف عن المرحلة الأولى في نتائجها كثيرًا، وإن كانت الفرصة قد تتاح للتيار الليبرالي أكثر من المرحلة الأولى، لكن سيبقى التيار الإسلامي محافظًا على مكاسبه، التي حققها في الجولة الأولى.

وتوقع أن تستمر إجراءات العملية الانتخابية بالأسلوب والنظام نفسهمع تدارك الأخطاء والسلبيات، التي شابت العملية الأولى، وبالتالي ستكون نزيهة، ومحل إشادة المراقبين المحليين والدوليين، كما تظل المكاسب، التي حصدها الإسلاميون في الجولة، قائمة مع تغيير طفيف في مصلحة الليبراليين والأحزاب الديمقراطية الأخرى.

نزاهة وحيدة وعدم تدخل من القضاء والأمن

حول الفوز الساحق للإسلاميين في الجولة الأولى من الانتخابات وانعكاساته على الساحة، أكد د.منصور أنه لابد من التسليم بأن هذه هي الديمقراطية، وعلينا أن نتقبل نتائجها، أيًا كانت، لا سيما أن الانتخابات جرت في جو من النزاهة، وعدم التدخل من جانب السلطات، فضلاً عن الحياد الكامل من جانب الأمن والقضاء.

ورأى في المقابل أن على الفائز أن يحترم إرادة الأقلية في البرلمان المقبل، وأن يعلم أن الديمقراطية هي يوم لك ويوم عليك، وأن يثبت للعالمكله أن الإسلاميين عكس التوقعات، وأنهم لم ينقلبوا على الديمقراطية، كما حدث في دول كثيرة.

الوفد دفع ثمن انتهازيته

بشأن خسارة حزب الوفد الجديد في سباق الجولة الأولى من الانتخابات، شدد د.منصور على أن حزب الوفد الجديد دفع ثمن انتهازيته، لأنه احتضن من بين مرشحيه عدداً كبيراً من فلول الحزب الوطني المنحل، فمثلاً هناك خمسة مرشحين في دوائر محافظة أسيوط المختلفة، كانوا أعضاء في الحزب الوطني وفي البرلمان السابق، وخاضوا انتخابات المرحلة الأولى على قائمة حزب الوفد الجديد، فانقلب الناخبون على حزب الوفد الجديد، الذي استمرأ التحالفات مع التيار الإسلامي ومع أحزاب أخرى. كل هذا أفقد المؤمنين برسالة الوفد التاريخية الثقة في حزب الوفد الجديد، وجعلهم ينفضوا من حوله.

الكتلة المصرية

وأعرب د.منصور عن أمله في أن تحرز الكتلة المصرية تقدمًا في الجولة الثانية، وأن تستفيد من التناقضات الموجودة بين السلفيين والإخوان المسلمين، فهذه فرصتها، مضيفًا أنه من الواضح أن المعركة بين الإخوان المسلمين والسلفيين هي معركة شرسة، قد تفتح باب ما يسمى بـ quot;صراع الأجنحةquot; داخل التيار الإسلامي.

التعطش للديمقراطية

وبيّن د.منصور أن الخروج الكثيف والحماسة الجماهيرية والتعبئة الشديدة أمام اللجان هو تعطش شديد للديمقراطية، وإستدعاء للإرادات المعطلة لمدة ثلاثين عامًا، حيث إنها المرة الأولى التي يعمل فيها المصريون بإراداتهم الحرة، بغضّ النظر عمّن اختاروا، وقد تكون الاختيارات خاطئة، ولكن لا أحد يلومهم على ذلك.

المفاجأة الأولى

من جانبه قال الناشط السياسي المسيحي جمال أسعد إن المفاجأة في الجولة الأولى من الانتخابات هي حصول السلفيين على هذه النسبة، وإن كان متوقعًا من قبل بدء السباق الانتخابي، أن يحصل التيار الإسلامي على نسبة 30-40%، وذلك لأسباب عدة،من أبرزها أولاً: أن التيار الليبرالي والعلماني والمدني ترك الشارع للتيار الإسلامي، مكتفيًا بوجوده الإعلامي والفضائي، ومحاضراته الصالونية، مما أفقده ثقة الجماهير والشارع السياسي.

ثانيًا: أن الشعب المصري، بطبيعته المتدينة وتمسكه بالأديان، يجعل هذا التيار يستغل هذا التدين في المزج بين ما كونه سياسيًا وبين الإسلام، في الوقت الذي تتفشى فيه نسبة الأمية بنسبة تتجاوز الـ40%، ومع غياب الوعي السياسي والمشاركة السياسية، هذا ما يجعل الطرح الديني هو البديل الطبيعي.

شباب الثورة تفتتوا لائتلافات وراء الدور الإعلامي

وتابع: وثالثاً للآسف الشديد أنه من خلال الاستقطاب الطائفي، الذي حدث في الاستفتاء في 19 مارس الماضي، والذي وجدنا أنه ما زال كامنًا، وتصاعد في المرحلة الأولى للانتخابات، وكانت السمة الأساسية الظاهرة والواضحة لهذه المرحلة هي الصراع الطائفي بين فريقين، هما التيار الإسلامي، الذي يتحدث باسم الإسلام،ونظيره التيار المسيحي، الذي حدد بعض الأحزاب للتصويت لها.

هذه الأسباب بمجملها أفرزت هذه النسبة للتيار الإسلامي، مع الأخذ بالاعتبار أن شباب الثورة والقوى الثورية ضاع وجودها، وخفت في الشارع، نتيجة لوقوعها في الفخ نفسه،الذي وقعت فيه الأحزاب القديمة والجديدة، فانقسم شباب الثورة إلى مئات الائتلافات جرياً وراء الدور الإعلامي.

الشيخ يوسف البدري

أساقفة في الكنيسة مرضى بالظهور والزعامة

في ما يتعلق بدعوة بعض رجال الدين المسيحيين في الكنيسة إلى اختيار أحزاب بعينها، وخاصة الكتلة المصرية والأحزاب الليبرالية والعلمانية واليسارية وغيرها، أكد أسعد أن الموقف الرسمي للكنيسة تمثل في تصريح البابا شنودة، وهو دعوته إلى المشاركة السياسية والاختيار على أساس الصلاحية، أيًا كان المرشح مسلمًا أو قبطيًا، وهذا موقف وطني، يتفق مع تاريخ الكنيسة ودورها، غير أن أسعد عاد - مبديًا أسفه - وكاشفاً عن أن هناك بعض الأساقفة ورجال الدين المسيحيين، أصبحوا مرضى بالظهور والزعامة المتخيلة.

وردًا على الطرح الإسلامي في الشارع بمعالجة هذا الطرح بشكل طائفي، وليس سياسي، فقد كانت هناك توجيهات في الكنائس، وليس بالضرورة أن تكون هناك قوائم مختومة بخاتم الكنيسة، ولكن كان هناك إعلان مما يسمى بـquot;اللجنة القبطية العالميةquot; والتي يترأسها د.فريد دوس، حيث أصدر قوائم محددة للأحزاب وأسماء المرشحين لانتخابهم، وهذا صادر من هيئة قبطية للأقباط.

الأنبا بولا والوصاية الدينية على المرشحين

كما كشف أسعد عن أن الأنبا بولا أصدر مثل هذه القوائم بأسماء المرشحين والقوائم الانتخابية، وهنا نقول إن التعامل بين التيار الإسلامي ونظيره المسيحي باسم الدين، وكلاهما يطرح طرحًا طائفيًا دينيًا في مجال سياسي، فلا ينبغي الخلط بينهما، فهذا وذاك وصاية دينية على الناخب، بما يسقط حقه الدستوري والقانوني في حرية الاختيار، كما أن هذا يسيء إلى التجربة الديمقراطية، ليؤسس الدولة الدينية، التي تتناقض مع الدولة المدنية، التي نحتاجها، والتي لا تختلفكل الأديان عليها.

الوفد عاش بغرور الماضي فخسر الجولة الأولى

وأرجع أسعد تراجع حزب الوفد الجديد والأحزاب القديمة الديكورية ndash; على حد وصفه- قبل الثورة، والأحزاب الجديدة الورقية بعد الثورة إلى أن كلاهما انفصل عن الجماهير وانعزل عن الشارع السياسي، ففقد المصداقية بينه وبين تلك الجماهير، وحزب الوفد تحديداً عاش بغرور الماضي، وهاجر إلى التاريخ القديم، ليتوجّه في دعايته استدعاء لهذا التاريخ، والأهم هو أن حزب الوفد لم يعتمد في قوائمه الانتخابية على كوادر حزبية تؤمن بالحزب ومبادئه وبرنامجه، وهذه طبيعة الترشيح، ولكنه جمع من كل حدب وصوب مرشحين، ليست لهم علاقة بالحزب ولا ببرنامجه ولا بالعمل السياسي ولا أدنى ارتباط بالجماهير، فكان من الطبيعي أن يصل الوفد إلى هذه النتيجة.

التيار الإسلامي سيحصد الغالبية في الجولتين المقبلتين

وتوقع أسعد أن يحصد التيار الإسلامي أصوات الغالبية في الجولتين المقبلتين للانتخابات، وذلك لأن الأحزاب والائتلافات والتيار المدني لن يستطيعوا معالجة الموقف في هذه المدة القصيرة المتبقية على الجولتين الثانية والثالثة.

الإخوان أهل حكمة وحنكة وتجربة ودراية

من جهته يقول الداعية الإسلامي وعضو مجلس الشعب سابقًا الشيخ يوسف البدري: أتوقع حصول الإسلاميين على نسبة 80% من أصوات الناخبين، الذين أدلوا بأصواتهم على مستوى مصر، وذلك لأن الإخوان المسلمينلهم تجربة سابقة، فهم ذو حكمة وحنكة ودراية بالانتخابات. أما التيار السلفي فما زال في أول الطريق، ولكن لديه من القيادات ما يجعله يحسن إدارة الدفة، إذا ما تملك الأمور مع الإخوان.

الإسلاميون فرسان المستقبل

وتابع: والإسلاميون هم الذين سيناط بهم وضع الدستور، وعليه فإن الإسلاميين هم فرسان المستقبل، وأنصحهم بألا يتعجلوا في تحقيق الأهداف، وليأخذوا بيد الشعب برفق إلى النظام الإسلامي، وليراعوا حقوق طوائف الشعب الأخرى، كالأقباط والليبراليين والعلمانيين وغيرهم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بكتابته صحيفة المدينة.

وزاد: وبعدما ظهرت النتائج، أرى أن نتائج المرحلة الأولى ستشجّع بقية دوائر الجمهورية في المرحلتين المقبلتين، على الالتفاف خلف القيادات الإسلامية، والتصويت لمصلحتها، ومتمنيًا ألا يخاف أي مصري، مهما كان توجّهه الديني أو الفكري، لأن الإسلام رحمة للعالمين.

دعوة إلى ائتلاف الإخوان والسلفيين في الإعادة

بشأن جولة الإعادة لدوائر المرحلة الأولى، والتي سيلتقي فيها الإخوان مع السلفيين في بعض الدوائر، دعا البدري: جناحي التيار الإسلامي ndash; الإخوان والسلفيين- إلى ائتلافهم، وألا يوجدوا بينهم ثغرة للشيطان، وأن يتوافقوا حول أي شيء يجمعهم على الهدى عبر التفافهم حول الكتاب والسنة، حتى يكونوا نعم المثل للمسلمين في كل مكان.

التجربة التركية وتورجوت أوزال

وشدد البدري على ضرورة أن يعلم الكل التجربة التركية، حيث إن تورجوت أوزال سمّي نجاحه في الانتخابات بـquot;الزلزال الإسلاميquot;، لذا فلا بد أن يقبل الجميع بأن يتركوا للإسلاميين الفرصة، لأنهم قد ابتعدوا عن الحكم قرناً من الزمن، وبالتالي لا يغضب أحد، والمولى سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم quot;وتلك الأيام نداولها بين الناسquot; صدق الله العظيم.