ما بين مصير اليمن الذي توشك أزمته على الانتهاء، وتجربة ليبيا التي دخلت نفقاً مجهولاً عقب التدخل الأجنبي، تخيّر السعودية حكّام دمشق، وتدعوهم إلى الاستفادة من السيناريو الأول الذي جنّب بلداً عربياً حرباً طاحنة، وإلا فإن استمرار العناد السوري سيجعل القضية مرشّحة للتدويل الذي ستكون له تبعات خطرة.


الأمير مقرن بن عبدالعزيز

الرياض: لا يزال النظام السوري مصمماً على رفض كل المساعي العربية والدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة التي تعيشها البلاد منذ ما يزيد على تسعة أشهر، أريق خلالها دم الآلاف من السوريين على يد نظام الرئيس بشار الأسد، الذي أطلأخيرًا في مقابلة تلفزيونية، وأنكر خلالها مسؤوليته عما يُرتكب من جرائم.

وفيما تتنوع المواقف العربية والدولية إزاء الأزمة السورية، تحرص المملكة العربية السعودية، باعتبارها الدولة الأكثر أهمية في المنطقة، على إيجاد مخارج وحلول تُنهي الأزمة وتُجنّب سوريا مصيرًا يلفّه الغموض، غير أن حكّام دمشق لا يبدون أي تجاوب، رغم أن مرور الوقت لا يصبّ في مصلحتهم.

وكانت آخر المواقف السعودية الرسمية حيال الأزمة السورية هي دعوة رئيس الاستخبارات السعودية الأمير مقرن بن عبد العزيز دمشق إلى التعاون مع جامعة الدول العربية لمعالجة الأزمة المستعرة منذ مارس/آذار الماضي.

وحذّر الأمير مقرن من إضاعة الفرص وعدم التعاون مع الجهود العربية quot;التي لا تستهدف التدخل في الشؤون الداخلية لسورية أو التعدي على سيادتها الوطنية بقدر حرصها على حماية أبناء الشعب السوري من القتلquot;.

وقال الأمير مقرن في تصريح نقلته صحيفة الوطن السعودية: quot;نحن لا نريد التدويل، ولا نريد أن تدفعنا دمشق إليه، لأنه سيأخذ الأمور إلى منحنى آخر، ولن تبقى تحت سيطرة أو اختيار دمشقquot;.

وأوضح أن التدويل quot;ستكون له تبعات، قد تعني التدخل العسكري، وتكرار التجربة الليبية، فيما يمكن الاستفادة من التجارب، التي نجحت فيها الوساطة، لإخراج بعض الدول من حالة الفوضى واحتمالات الانقسام والدخول في حرب أهليةquot;، وذلك في إشارة إلى نجاح الجهد الخليجي في دفع أطراف الصراع في اليمن لتوقيع المبادرة الخليجية وآلياتها في الرياض، والتي كفلت انتقال السلطة.

ومنذ اندلاع الأزمة السورية، حرصت السعودية على تبني مواقف عقلانية ذات بعد استراتيجي لضمان عدم انجراف بلد عربي آخر نحو دوامة الفوضى، غير أنها كانت حازمة في كثير من الأوقات، في ظل آلة القتل المستمرة في هذا البلد، وتحركت دائماًَ ضمن المجموعة العربية، إلا أن دمشق لم تكن يوماً جادة في التجاوب مع تلك الجهود، كما يرى المراقبون.

ولعل التجربة الليبية، التي لم تثمر حتى الآن نموذجاً مشجّعاً يمكن دعمه، تزيد من المخاوف السعودية على مصير سوريا، وهو ما عبّر عنه الأمير مقرن بوضوح، طالباً من دمشق التقاط الفرصة قبل فوات الأوان، وإلا ستجد نفسها في دوامة التدويل، التي ستصل في نهاية المطاف إلى تدخل أجنبي يرفضه الجميع.

في المقابل، فإن نجاح الجهود السعودية في اليمن يُشجّع الرياض على المضي في دعوتها دمشق إلى التجاوب مع الوساطات العربية، التي برهنت على أنها قادرة على إنهاء أي أزمة بأقل خسائر ممكنة، مع التأكيد على أن الفرصة التي تبدو سانحة اليوم، قد لا تكون كذلك غداً.

ورغم أن السعودية تبدو حريصة على الوقوف على مسافة معينة من النظام السوري وتواصل إتباع أسلوب الترغيب واحترام نظام الأسد، رغم ذلك يعتقد كثيرون أن استمرار حمّام الدم في سوريا قد يجبر المملكة على مواقف أكثر تشدداً، وهو ما صدر بالفعل من الأمير تركي الفيصل.

الفيصل، ورغم أنه لا يتبوأ أي منصب رسمي، كان حازماً، وقالأخيرًا في فيينا إن الدول العربية ndash; بما فيها السعودية طبعاً ndash; لن تسمح باستمرار quot;المذبحةquot;، التي يتعرّض لها الشعب السوري، معرباً عن اعتقاده بأن استمرار إراقة الدماء سوف يجعل دولاً، مثل روسيا والصين، تنضم إلى بقية المجتمع الدولي الموحّد ضد نظام الأسد.