تعد إيطاليا واحدة من أكبر الكيانات الاقتصادية في أوروبا، حيث تحظى بناتج محلي إجمالي يقدر بحوالى 1.77 مليار دولار، وناتج محلي إجمالي مناظر للفرد الواحد بقيمة قدرها 29.400 دولار. وتحولت روما إلى العاصمة، التي سحبت أوروبا إلى القاع بفعل أزمة الديون، وكانت الاسم الذي تردد على ألسنة أكثر من مسؤول في بروكسل، قبل يومين من اجتماع خصص لبحث هذه الأزمة.

إقرأ المزيد من دفتر ملاحظات صحافي في حلف الناتو
سلطان القحطاني من بروكسل


معمر القذافي... الأيام الأخيرة وquot;المغيرات صبحاquot;! (1)

في ليبيا الجديدة... كل مواطن قصة مستقلة بحد ذاتها! (2)

هيلاري تلاعب روسيا... وإلى متجر الكتب سِر! (3)


بروكسل: تهتم هذه الورقة البحثيةبفحص التصنيف الائتماني المخصص لإيطاليا من قِبل وكالات التصنيف، بما في ذلك وكالتي موديز وستاندرد آند بورز، لكون روما تحولت إلى العاصمة، التي سحبت أوروبا إلى القاع بفعل أزمة الديون، وكانت الاسم الذي تردد على ألسنة أكثر من مسؤول في بروكسل، قبل يومين من اجتماع خصص لبحث هذه الأزمة، حين سألت عن أخطر تهديد غير عسكري قد تواجهه أوروبا.

ولمحاولة فهم إيطاليا أكثر، بعيداً عن نزوات بيرلسكوني، وسيارات فيراري الفارهة، قررت القيام بهذه الرحلة البحثية، وهي مبنية على مقال أعدّه بول كروغمان، الخبير الاقتصادي الشهير، الذي سبق له التنديد بمصداقية التصنيف، الذي أجرته وكالات التصنيف الكبرى في الولايات المتحدة خلال شهر آب- أغسطس الماضي.

وتم الإبلاغ عن الانتقاد الرئيس، الذي وجّهه إلى الوكالات، من خلال الظروف التي أعطت فيها الوكالات تقويمات مواتية لشركات وبلدان كانت أو ما زالت تواجه صعوبات اقتصادية.

وأكد كروغمان في المقال، الذي نشر في السابع من شهر آب- أغسطس الماضي أن وكالة ستاندرد آند بورز منحت مصرف ليمان براذرز تصنيف بدرجة A قبل حوالى شهر من انهياره. وعقب انهيار المؤسسة مرتفعة التصنيف في الشهر التالي، أنكرت الوكالة ارتكابها ثمة شيء خطأ.

تواجه إيطاليا الآن مشكلات سياسية واقتصادية هائلة، وتم تخفيض التصنيفات السيادية من جانب كل وكالات التصنيف الكبرى، بما في ذلك موديز وستاندرد آند بورز وفيتش.

ووفقاً لما ورد في تقرير، أعدّه مكتب الشؤون الأوروبية والأوراسية التابع للأمم المتحدة في الثاني عشر من شهر أيار- مايو الماضي، كانت تقدر الديون العامة لإيطاليا بـ 119% من الناتج المحلي الإجمالي، وكانت تعاني كذلك عجزًا في الميزانية تقدر نسبته بـ -4.6 %.

تم تقسيم هذه الورقة البحثية إلى ثلاثة أقسام، حيث اهتم القسم الأول بتغطية تصنيف البلد، وبيئة الأعمال (سياسياً وقانونياً وتقنياً واقتصادياً) والعلاقة بين السيادة وتصنيفات الصناعة.

أما القسم الثاني فناقش العوامل الرئيسة، التي تستعين بها وكالات التصنيف، لتطوير نظامها الخاص بتصنيف الديون السيادية. واهتم ذلك القسم بفحص العلاقة بين نسبة الدين إلى الناتج المحلي الاجمالي والآفاق الاقتصادية للبلاد.

وركز القسم الثالث على تقويم التأثيرات العكسية للتصنيف الائتماني على الاقتصاد، ودور وكالات التصنيف الائتماني والحوافز في البيئة الاقتصادية العامة.

التصنيف الائتماني للدولة
لم يكن تصنيف إيطاليا إيجابياً خلال الأوقات الأخيرة في أعقاب التخفيضات التي تعرّض لها من جانب وكالات التصنيف البارزة. فقد خفضت وكالة ستاندرد آند بورز تصنيف إيطاليا درجة أقل من تصنيف A من خلال توقعات سلبية، تعني أنها عرضة إلى مزيد من التخفيضات المحتملة في التاسع عشر من أيلول- سبتمبر من العام الجاري.

كانت تلك هي المرة الأولى التي تقوم فيها الوكالة بخفض تصنيف إيطاليا منذ العام 2006. وفي الخامس من شهر تشرين الأول- أكتوبر الفائت، أعلنت وكالة موديز أنها كانت تقوم بتخفيض تصنيفات إيطاليا بثلاثة مستويات من Aa2 إلى A2 مع وجود توقعات سلبية. وهو التخفيض الذي حدث بشكل أساسي نتيجة ضعف قدرات إيطاليا الاقتصادية، التي صعبت للغاية عليها من إمكانية سداد الديون المستحقة عليها.

من المحتمل أن تستمر أزمة الديون الأوروبية، وبالتالي من المحتمل أن يتضرر بشكل البالغ التصنيف الائتماني لإيطاليا، مع وصول أسعار السندات إلى ما يقرب من 8 %، ومن ثم جعل اقتراض الديون الحكومية عملية باهظة الثمن.

البيئة السياسية
ينظر إلى البنية الحكومية الإيطالية على اعتبارها بنية ضعيفة وهشّة، في وقت تستمر فيه الخلافات الداخلية بين الشركاء في التحالف، وهي الخلافات التي قد تمنعها من اتخاذ إجراءات متجاوبة وحاسمة. ويضرب دور إيطاليا في المناخ السياسي العالمي في جذور التاريخ، حيث يعود إلى عصر موسوليني بينيتو، الذي لعب دوراً بارزاً إلى جانب أدولف هتلر في الانخراط في الحرب العالمية الثانية التي استمرت لمدة طويلة.

وتدار إيطاليا من قبل حكومة مركزية، منقسمة إلى 20 منطقة، تحظى بسلطات محدودة، بعد منح خمس مناطق منها حق خاص بالحكم الذاتي. ويرأس الدولة رئيس يقوم بترشيح رئيس الوزراء، الذي يقوم بدوره بعد ذلك بتشكيل مجلس الوزراء.

بعد نهاية الحرب العالمية، أسّس الدستور الجديد، الذي تم وضعه عام 1948، لبرلمان مكوّن من قسمين، يؤلفان مجلس الشيوخ ومجلس النواب. وتتمتع إيطاليا كذلك بسلطة قضائية، وأخرى تنفيذية، يقفان بصورة حصرية جنباً إلى جنب مع البرلمان.

وقد عصفت الفضائح بالائتلافات الحاكمة في ايطاليا على مر فترات زمنية طويلة. وتم التصويت في العديد من المرات من أجل سحب الثقة من رؤساء الوزراء.

البيئة القانونية

ترتكز الإجراءات القضائية لإيطاليا إلى حد كبير على القانون الروماني القديم. وهو ما تم تعديله من خلال قانون نابليون والنظم الأساسية اللاحقة (وفقاً لمكتب الشؤون الأوروبية والأوراسية عام 2011).

هناك محكمة دستورية تصدر أحكاماً ذات صلة بجوانب قانونية دستورية، تمت صياغتها وفقاً للمحكمة العليا في الولايات المتحدة، لكنها لم تصدر الكثير من الأحكام العويصة. وهناك استقلالية كبيرة في النظام القانوني للبلاد والأحكام منصفة، كما هو الحال في أي دولة أخرى في أوروبا.

والمناخ القانوني للأعمال ملائم إلى حد ما، ورغم وجود تأخيرات، إلا أن العدالة تطبق بوضوح. ولا تتدخل باقي أذرع الحكومة، وهناك ما يكفي من الاستقلال للنظام القضائي.

البيئة التكنولوجية
من الناحية التقنية، تعد إيطاليا دولة تقدمية إلى حدّ ما، حيث يوجد فيها بعض من أفضل السيارات الرياضية في العالم. ومن بين أشهر ماركاتها: بوغاتي وفيراري ولامبورغيني. مع هذا، لا تعتبر إيطاليا واحدة من المحاور التقنية في أوروبا، لكنها تحظى باقتصاد يتسم أكثر بالجانب الصناعي، وليس إبداعياً بالضرورة.

مع هذا، تمتلك إيطاليا بنية تحتية تكنولوجية مطورة جيداً مقارنةً بنظيراتها في الاتحاد الأوروبي. وبعيداً عن صناعات السيارات والطاقة والزراعة، تفتقر إيطاليا الماركات التكنولوجية المعروفة، وتحظى بأهمية أقل على الصعيد العالمي من حيث الاختراعات التكنولوجية.

البيئة الاقتصادية
اقتصادياً، تعتبر إيطاليا دولة صناعية قوية، تنتمي إلى مجموعة الثماني، التي تتألف من الدول الأكثر تقدماً على الصعيد العالمي.

والبلاد مقسمة جغرافياً إلىجنوب زراعي فقير وشمال صناعي مزدهر. وتمتلك ناتج محلي إجمالي (بحسب الأسعار الرسمية) قيمته 2.055 مليار دولار، وتكافؤ قوة شرائية قيمته 1.77 مليار دولار عام 2010.

كانت البطالة في ذلك العام تقف عند مستوى قدره 4.8 %، وهي تعاني الآن متاعب اقتصادية، مع وصول أسعار السندات الحكوميةأخيرًا إلى 7.9 % لمدة عامين.

ظلت معدلات النمو ضعيفة بمتوسط تقدر نسبته بـ 0.8 % على مدار العقد الماضي. ويتوقع أن يستمر التوعك، في الوقت الذي تبلغ فيه نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 119 %.
السيادة مقابل التصنيفات الصناعية
تعرّضت أبرز الشركات الصناعية في البلاد لأوقات صعبة على مدار العقد الماضي، ومعظمها كان مملوكاً لجهات أجنبية. واتسمت تلك الشركات بتصنيفها الإيجابي كنظيراتها في الاقتصاديات البارزة لفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة.

تعدّ شركة بوغاتي فرعاً لشركة صناعة السيارات الأوروبية الرائدةفولكس واجن، بينما سبق لشركة فيات أن أجرت محادثات استحواذ عام 2009. كما انهارت شركة بارمالات، التي كانت تعتبر الطفل المدلل لبراعة التصنيع الإيطالية، تحت وطأة الديون، بعد تفشّي حالة من سوء الإدارة مع نهاية عقد التسعينات، وتوجب إعادة هيكلتها، وهي الآن تتعافى ببطء.

بالنسبة إلى المناخ العام، تفتقر إيطاليا الجاذبية في ما يتعلق بالقدرات الصناعية، ودورها في مجموعة الثماني مبني على قدراتها النووية، وليس اقتصادياً.

كما خفضت وكالة ستاندرد آند بورز من توقعاتها الخاصة بالنمو بالنسبة إلى إيطاليا عقب تخفيض تصنيف الديون السيادي من 1.3% إلى 0.7% بصورة سنوية حتى عام 2014، في ظل وجود احتمالات قدرها 33% للتخفيض بحلول عام 2013.

ورسمت وكالة التصنيفات صورة بائسة لآفاق الانتعاش الاقتصادي لإيطاليا، وأشارت إلى احتمالية ارتفاع مستويات الدين العام إلى مستويات تصل إلى 124% من الناتج المحلي الإجمالي. وهناك احتمالات كبيرة أيضًا بأن تنزلق إيطاليا إلى موجة ركود عام 2012، خاصة مع استمرار أزمة ديون منطقة اليورو. وستطبّق البلاد تدابير تقشف جديدة، هدفها توفير حوالى 60 مليار يورو من خفض الإنفاق.

ويعني تخفيض موديز في الأساس أن تصنيف الديون السيادي لإيطاليا قد انخفض من درجة عالية إلى درجة فوق متوسطية، مع احتمال تعرّضه إلى خفض آخرصوب درجة متوسطة. وحتى عند المستويات الحالية، ما زال الدين الإيطالي من نوع السندات ذات الدرجة الاستثمارية.

مع ذلك، فقد تزايدت بشكل كبير أخطار التعثر بالنسبة إلى إيطاليا، مع ذلك التخفيض، ويشير تحرك أسعار الاقتراض الحكومية من حوالى 4% للسند، الذي تقدر مدته بعامين في تشرين الأول- أكتوبر لمستوى الإصدار الحالي، الذي تقدر نسبته بـ 7.9% إلى أن الموقف الاقتصادي يتدهور أكثر في إيطاليا وفي منطقة اليورو بأسرها. وبالتزامن مع ارتفاع أسعار الفائدة، ارتفعت تكلفة التأمين.

آليات التصنيف الأساسية التي تستخدم لتصنيف الدولة
تبنى التصنيفات الائتمانية، التي تصدرها الوكالات المعتمدة، على معلومات كمية ونوعية. ولا تصدر تلك التصنيفات على أسس حسابية، كالنتائج الائتمانية الفردية، التي تستعين بالتاريخ المالي للأفراد. وهي حكم عادل لعوامل البلاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

مهمة التصنيف الائتماني السيادي هي حساب قدرة الدولة على سداد الديون السيادية، من خلال النظر فيكل الافتراضات المحتملة. مع هذا، فإن التصنيفات التفضيلية لا تقدم أي نوع من أنواع الضمانات على التعامل مع الديون التي تتكبدها الدولة، بموجب اتفاق وقت الإصدار، نظراً إلى احتمالية تغير العديد من العوامل.

وباعتبارها واحدة من أبرز وكالات التصنيف، أشارت موديز إلى أن التصنيفات تمثل تنظيم مراتب للجدارة الائتمانية أو الخسائر المتوقعة. وأوضحت الوكالة في السياق عينه كذلك أن الخسارة المتوقعة هي مهمة احتمالية التعثر وخطورة الخسارة بالنظر إلى التعثر.

تستعين الوكالة بمجموعة من العوامل لتحديد مستوى التصنيف الائتماني التي تخصصه لدولة سيادية. من بين هذه العوامل معلومات متاحة علناً (نشرات وتقارير سنوية للشركات)، وبيانات سوقية، وبيانات وكالات حكومية (بنوك مركزية ووزارات معنية وهيئات منظمة) وأخبار ومقالات ذات صلة بالدولة.

إضافة إلى ذلك، تنظر الوكالة في بيانات ذات طبيعة اقتصادية من مجموعة كبيرة من المصادر منها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والجمعيات الصناعية في البلاد. كما تراعي الوكالة المناقشات، التي تتم بين خبراء أكاديميين وبين مستشارين حكوميين بارزين، إضافة إلى البيانات التي يتم التوصل إليها أثناء الاجتماعات التشاورية بين ممثلي الحكومة ومصدري الديون.

وتستخدم وكالة التصنيفات المعلومات التي يتم تجميعها لتحديد المستوى المحتمل لخطر التعثر بالنسبة إلى المُصدِر. وتستمر عادةً العملية، وتتم مراعاة عوامل جديدة خلال فترة الديون، أثناء نشوئها، من أجل حماية المُصدِر، وجعله على دراية بالأخطار المتغيرة لديونهم.

بالنسبة إلى مصدر القلق الرئيس للتصنيفات فهو أن تمضي التوقعات الاقتصادية للدولة إلى الأمام.

وحتى مع مراعاة عوامل سياسية، ينظر إلى إيطاليا باعتبارها ديمقراطية ثابتة من دون وجود إمكانية للسقوط في فوضى مدنية، من شأنها تهديد البيئة التنظيمية. أما سكان إيطاليا فيتألفون في الأساس من مواطنين ايطاليين أصليين، يتأثرون على نحو ضئيل بمجموعات أخرى، ما يضمن تماسك البلاد اجتماعياً.

ويتم التصنيف الإيطالي بالطريقة نفسهاالتي يجري بها تصنيف الاقتصاديات الكبرى في أوروبا والولايات المتحدة، في وقت يكون فيه القلق العام مرتبط بإمكانات النمو ومستوى الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي. وباختصار، تنمو إيطاليا ببطء شديد، لا يُمكِّنها من تلبية التزاماتها الخاصة بالديون بصورة مريحة.

العلاقة بين الديون السيادية والناتج المحلي الاجمالي
يمثل الناتج المحلي الإجمالي كلاً من البضائع والخدمات، التي تنتجها دولة ما، ويقاس كل عام من قبل هيئات حكومية معنية، تقوم بتجميع البيانات بصورة دورية في أماكن معينة. وفي الوضع المثالي، يجب أن تكون نسبة الدين إلى الناتج المحلي الاجمالي أقل من المستوى نفسه،وينبغي عدم تخطي مستوى يقدر بحوالى 50 % من الناتج المحلي الإجمالي.

وهو ما يعني أن نمو الاقتراضات الإضافية يجب أن يقابل بنمو كاف من الناتج المحلي الإجمالي للحفاظ على المستوى، واستمرار التمتع بالقدرة على زيادة إنفاق رأس المال لتحسين البنية التحتية والبيئة التشغيلية العامة.

ويسمح مستوى الدين المستدام للحكومات بأن تستفد من الناتج المحلي الإجمالي. وتمتلك الدول الصناعية القدرة على زيادة الديون، من خلال خفض عجز الحسابات الحالية أو من خلال بلوغ مرحلة الفائض.

وإن كان للدولة فائض في الحساب الحالي، فإن ذلك يعني أن الدولة تصدر بضائع أكثر قيمة عن واردها، ما يدل على أن بمقدور الدولة اقتراض أموال بسهولة من الاقتصاد المحلي لتمويل مشاريعها التنموية الخاصة بالبنية التحتية من دون التأثير على الاقتصاد العام بصورة سلبية. وكلما زاد الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي، كلما قلّت قدرة الحكومة المركزية على تنفيذ مشروعات تنموية، وتعني معظم الحالات أن الحكومة تنفق عائدات الضرائب على النفقات المتكررة.

وفي حالة إيطاليا، مع وقوف الدين العام عند نسبة قدرها 119% من الناتج المحلي الإجمالي، فإن ذلك يعني أن الدولة معسرة من الناحية الفنية. ويشار بشكل احتقاري إلى الأزمة الحاصلة في دول منطقة اليورو بـ PIIGS (وهي الأحرف الأولى من الدول المتعثرة البرتغال وايرلندا وإيطاليا واليونان وإسبانيا)، وهي الأزمة التي تظهر أن تلك الدول تجمعها ثلاثة أمور هي: دين عام مرتفع للغاية، ومعدلات نمو منخفضة، ومعدلات بطالة متزايدة.

باستثناء إسبانيا، التي يقدر الدين العام فيها بحوالى 60 % من الناتج المحلي الإجمالي، فإن دين باقي الدول يقترب من أو يزيد عن 100 %. وهناك ضرورة للاقتراض الحالي من جانب الحكومة الإيطالية، نتيجة ديونها من أجل سداد الديون، وهناك قليل من الاقتراض الجديد المتراكم من عمليات إصدار السندات. بمعنى آخر، يتعين على الحكومة الاستمرار في اقتراض التمويل، والاستمرار في تنفيذ تخفيضات الميزانية للحفاظ على خفض الإنفاق.

وعند النظر إلى العلاقة بين الدين والناتج المحلي الإجمالي، تجدر الإشارة إلى أن الناتج المحلي الإجمالي هو العامل الذي ترتبط فيه الديون السيادية.

ويتم تشكيل الخيار الخاص بالتعهد بأي دين سيادية برقم الناتج المحلي الإجمالي وتوقعات النمو. كما إن الفصل بين الالتزام بمبدأ التوازن وطموحات التطور صناعياً واقتصادياً هو ما وصل إلى الورطة الحالية التي تواجهها إيطاليا إلى جانب غالبية الدول الأوروبية.

وقد سجل النمو الإيطالي نسبة ضعيفة تقدر بـ 1.3% عام 2010 بعد عامين من الانكماش في نطاق ndash; 5.2% و ndash; 1.3 % عامي 2009 و 2008 على الترتيب. (وفقاً ما ذكره مكتب الشؤون الأوروبية والأوراسية عام 2011).

وتشير نسبة الـ 0.7% الخاصة بنمو المشاريع من جانب وكالة ستاندر آند بورز بالنسبة إلى عام 2011 إلى أن نمو إيطاليا لا بد وأن يمضي نحو تخفيضات أكثر عمقاً من أجل خفض العجز الحاصل في ميزانيتها، الذي يزيد بنسبة 1.5% على المستوى المتوقع، الذي يقدر بـ 3 %.

في تلك الوضعية، التي تعجز فيها الدولة عن التعامل مع ديونها السيادية، فإنها قد تلجأ إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي. لذا من الأهمية القصوى أن يتم الاحتفاظ بمستويات معقولة من الديون بالنسبة إلى ناتجهم المحلي الإجمالي، لكي يتمكنوا من العمل بصورة مناسبة من دون خطر التعرّض للضغط الائتماني أو ارتفاع أسعار السوق بالنسبة إلى ديونهم.

من الناحية النموذجية، يجب على إيطاليا أن تركز على طاقتها في تخفيض هذا الدين إلى أقل من 100 % من الناتج المحلي الإجمالي، والسعي في الوقت عينه إلى تعزيز النمو أعلى من 2%.

التأثيرات العكسية للائتمان على العوامل المتغيرة للاقتصاد الكلي للدولة
بصورة مبدئية، يهتم الاقتصاد الكلي في الأساس بدعم استقرار الكيانات الاقتصادية، التي كانت تواجه بعض الصعوبات الاقتصادية. وقد بات الاقتصاد الكلي أكثر اهتماماً على نحو متزايد بخلق حالة من التوازن والالتزام بمسألة نمو وتطوير الاقتصاد.

هذا وتضع التصنيفات ذات التوقعات السلبية الدول تحت ضغط من جانب المقرضين، الذين يرفعون أسعار الاقتراض الخاصة بهم بشكل كبير.

ويميل ذلك إلى التداخل بشكل كبير مع البيئة الداخلية للدولة من دون قصد. وفي حالات كثيرة، قد تتأثر سلباً التصنيفات السيادية بالموقع الذي تحتله الدولة كتلك الدول، التي تقع في قارتي آسيا وأفريقيا، لكن ذلك قد لا يكون بالضرورة مبرراً للموقف الحقيقي الحاصل على أرض الواقع.

ويفترض أن تلك الدول قد تتعثر من دون وجود أدلة تجريبية على حدوث انخفاض فعلي من قبل. ورغم أن بيرنز سبق له أن أوضح (عام 1978) أن القيادة بحاجة إلى معرفة التغييرات التي تؤثر على قدراتها، وتجاهلها يؤدي إلى مزيد من الانعكاسات السلبية المحتملة، فإن الحاجة إلى تغييرات اقتصادية تتماشى مع توقعات المقرضين السياديين قد تتعدى على سيادة دولة ما.

وتضطر الدولة إلى أن تركز على الأرقام الاقتصادية، من خلال محاولتها إحداث توازن بينكل الجوانب من دون التفكير في الرفاهية الاجتماعية لمواطنيها. وفي كل السيناريوهات، التي تم فيها إقرار تخفيضات للتصنيفات، استعانت كل الحكومات ببعض تدابير التقشف بهدف تقليص الإنفاق الحكومي.

لسوء الحظ، فإن القطاعات، التي تأثرت بشدة، هي نفسها القطاعات التي ترتبط بالجوانب الاجتماعية، مثل المعاشات والتعليم والخدمات الترفيهية.

تستند البيانات، التي تستخدمها وكالات التصنيف لتحديد التصنيفات الخاصة بالدول، إلى قدر من منطقية الكفاءة في أسواقها. والسبب الرئيس وراء استيعاب الأكاديميين لنظرية كفاءة السوق، هي أنها ترتكز على الافتراض الجذاب الخاص بالعقلانية.

في بعض الأحيان، لا يُنظَر باهتمام إلى العوامل التي يمكنها تغيير موقف اقتصادي ما في أي دولة من الدول، عند وضع التصنيفات. وقد تصبح أساسيات كيان اقتصادي ما أقوى وأسرع نسبياً من التغييرات التي يمكن لوكالات التصنيف أن تحدثها مع ديونها.

دور وحوافز وكالات التصنيف الائتماني
لقد تسببت نظرية التوقعات للمنطقة في حدوث ثورة في الطريقة التي يفكر فيها الآن معظم الاقتصاديين في سلوك السياسات النقدية والمالية وتأثيراتها على النشاط الاقتصادي. ولسوء الحظ، حلّ محل تلك التوقعات تفاؤل مفرط طغى على الأحداث الفعلية.

حين ينفصل العديد من الفعاليات أو الأحداث عن الأمور المحتملة أو الفعلية، قد لا تتم مراعاة المعلومات المطلوبة في التوقع النهائي، الذي تكون انعكاساته، إما سلبية أو إيجابية. ولوكالات التصنيف دور تقوم به في إيجاد القيم المناسبة للعديد من الأدوات. وقد عملت بشكل جيد نسبياً في أوقات الاستقرار، لكن لسوء الحظ حدث العكس خلال الأوقات المضطربة، في ظل وجود تناقض متفاوت مع الواقع الحقيقي.

جوهر المسألة هو أن معظم وكالات التصنيف يكسب اقتصادياً من طلبات التصنيف، إما من الشركات أو من الدول. حيث يجب التقدم بطلبات، سواء من الشركات أو من الدول، للحصول على هذا التصنيف. ثم تقوم بعدها الوكالات المعنية بطلب البيانات المطلوبة لتحديد الدرجة المحتملة للكيان.

حقيقة أن بمقدور شركة أو فرد أو دولة طلب تصنيفات تعني أن هناك مساحة للتلاعب. فقبل عام 2008، وضعت وكالات التصنيف بصمتها للموافقة على الرهن العقاري لتسعرهم، باعتبارهم من الدرجة الأولى، بناءً على طلب الوكالات المالية في وول ستريت.

سقطت أيضاً المؤسسات المالية نفسها،التي بدأت بالتلاعب في الأوراق المالية المدعومة من الرهن العقاري والأوراق المالية الأخرى، نتيجة الهبوط، بعدما هدأ الغبار. كما تتميز وكالات التصنيف بأنها ذات طبيعة تفاعلية، وتنحو عادةً نحو التخفيضات أثناء ذروة الأزمة. وهو ما يتراكم عادةً تحت ضغط شركة أو دولة تقع بالفعل تحت وطأة ضغوط شديدة. كما تميل الوكالات إلى النظر في السيناريوهات الأسوأ.

تعمل وكالات التصنيف في ظل الافتراضات، التي تتحدث عن أنكل البيانات السوقية التي تتحصل عليها، وخاصة من الهيئات الحكومية في حالة التصنيف السيادي، تكون صحيحة. وفي حالات القضايا السياسية الضارة، مثل الحروب، قد يتم تجاهل بعض من القوة الاقتصادية الحقيقية على نقاط القوة الخاصة بآثار الانخراط في الحرب.

وترتكز الوكالات بشكل كبير على البيانات لإصدار أحكامها وتقديراتها، وفي وقت تتخذ فيه القرارات من جانب لجان، أسستها الوكالات، فإنها تكون غير موضوعية، إلى حد ما، في بعض الحالات. ويمكن القول إن وكالات التصنيف ضحية نجاحاتها.