البابا شنودة الثالث

بينما يحيي الأقباط في مصر الذكرى الأولى لتفجيرات كنيسة القديسين في الإسكندرية، التي راح ضحيتها 21 قتيلاً و43 مصاباً،يحاولون إحتواء تداعيات فتنة جديدة، لكنها هذه المرة في جنوب مصر في محافظة أسيوط، شملت ثلاث قرى، من بينها قرية سلام مسقط رأس البابا شنودة الثالث بطريرك الأقباط الأرثوذكس.


رغم أن الهدوء يلفّ قرى العدر وبهيج وسلام في محافظة أسيوط، بعد مناوشات طائفية إستمرت لثلاثة أيام متتالية بين المسلمين والأقباط، على خلفية نشر شاب قبطي رسومًا مسئية إلى الرسول في صفحته على موقع فايسبوك، إلا أنه هدوء مشوب بالحذر، لاسيما في ظل عدم تقديم الجناة عن إحراق منازل الأقباط في القرى الثلاث إلى النيابة العامة، والشروط المجحفة بحق الأقباط، التي تضمنها الصلح الذي عقده المحافظ بين الجانبين.

رفض كنسي
وقال المستشار نجيب جبرائيل محامي الكنيسة لـquot;إيلافquot; إن الأحداث بدأت عندما علم بعض الشباب المسلم بنشر شاب مسيحي رسوماً مسيئة إلى الرسول محمد على صفحته في فايسبوك، مشيراً إلى أن الأهالي من قرية بهيج تجمهروا أمام منزله، وأحرقوه، وأحرقوا ثلاثة منازل أخرى مجاورة له.

كما أحرق أهالي قرية العدر ثلاثة منازل أخرى، وأحرق أهالي قرية سلام مسقط رأس البابا شنودة منزلين. وأضاف جبرائيل أن الكنيسة وجميع الأقباط يرفضون السلوك الذي أقدم عليه الشاب المسيحي، مشيراً إلى أن محافظ أسيوط عقد جلسة صلح مساء اليوم السبت، حضرها عدد من قيادات الكنيسة في المحافظةوقيادات المسلمين أيضاً.

وتوجّهت القيادات المسيحية إلى قرية بهيج، وقدمت إعتذاراً عن الإساءة التي سببها الشاب القبطي إلى المسلمين، في المقابل تم الإتفاق على تقديم الجناة في حوادث إحراق المنازل المسيحية إلى القضاء، كما قدم الشاب المسيحي إلى القضاء بتهمة إزدراء الأديان.

إساءات المسلمين بدون عقاب
وأشار جبرائيل إلى أنه إذ ترفض الكنيسة والأقباط جميعاً سلوك الشاب المسيحي، فإن هناك قيادات إسلامية أساءت كثيراً إلى الدين المسيحي، ولم يتم إتخاذ أية إجراءات ضدها.

وأوضح أن الدكتور محمد عمارة الأستاذ في جامعة الأزهر وصف الكتاب المقدس بأنه مزيّف، وأطلق الدكتور سليم العوا المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية العديد من الإساءات ضد المسيحيين ودينهم، ولم يتم إتخاذ أية إجراءات قانونية ضدهما، رغم أنه شخصياً تقدم ببلاغات إلى النائب العام. وشدد على ضرورة عدم الكيل بمكيالين في مثل هذه الأمور، لأنها تؤدي إلى زيادة الإحتقان لدى الأٌقباط.

شروط الصلح
ووفقاً لبيان صادر من محافظ أسيوط فإنه عقد إجتماعاً مع قيادات إسلامية ومسيحية، من أجل إحتواء أحداث الفتنة الطائفية، طالت ثلاث قرى، من بينها مسقط رأس البابا شنودة.

وأوضح أنه تم الإتفاق على أن يحاكم الشاب المسيحي، الذي تسبب في هذه المشكلة بتهمة ازدراء الأديان محاكمة عاجلة، وأن يغادر هو وأسرته محافظة أسيوط نهائياً، إضافة إلى القبض على صديقه المحرّض على الواقعة، وينفذ فيه وفي أهل بيته ما نفذ في المتهم الرئيس، والبحث عمّن يقف وراء هذا الشاب وزميله، وإن كانوا من أهل القرية يطبّق عليهم العقاب نفسه.

كما تضمن الإتفاق إجراء تحقيق قضائي في الحرائق، التي لحقت ببعض المنازل الخاصة بالمسلمين والمسيحيين في قرى سلام والعدر، والتثبت من المتسبب فيها ومحاكمته، وتقديم اعتذار رسمي من القساوسة، وإنتقال رجال الدين الإسلامي إلى القرى المشتعلة بالأحداث للقاء الشباب المسلم لإقناعهم بضبط النفس، وانتقال رجال الدين المسيحي إلى لقاء الشباب المسيحي لتهدئة الأوضاع، وتشكيل لجان شعبية من الأهالي لتأمين القرى الملتهبة.

رائحة الحرائق بقرية سلام
مازالت رائحة الحرائق تلفّ أجواء قرية سلام مسقط رأس البابا شنودة، حيث أقدم مسلموها على إحراق منزلين مملوكين لأقباط تضامناً مع أهالي قريتي العدر وبهيج القريبتين منها، حيث ينتمي الشاب جمال مسعود، الذي نشر رسوماً مسيئة، إلى القرية الثانية.

ورغم سيطرة قوات الأمن على الأوضاع، وإنتشار آلاف جنود الشرطة ومئات من جنود القوات المسلحة في القرى الثلاث، إلا أن الخوف يسيطر على الجميع، خشية إندلاع أعمال عنف واسعة.

لم تشهد قرية سلام مسقط رأس البابا شنودة أحداث طائفية من قبل، وتقع على بعد 360 كيلو متر جنوب القاهرة، ويسكنها نحو 22 ألف نسمة، منهم 7 آلاف مسيحي، وتضم نحو خمسة مساجد، وليست فيها أية كنائس على الإطلاق.

ومن أبرز العائلات المسيحية المقيمة فيها: روفائيل، وهي عائلة البابا شنودة، بساده، ثاؤفيلس، اللبدة، متياس، جاد الله. وتقع أقرب كنيسة لها في قرية أبو سيفين، على بعد نحو 30 كيلو متر. ومازال بعض أقاربه من أبناء عمومته يقيمون فيها.

وقال عماد متياس من أهالي القرية لـquot;إيلافquot; إنهم يعشيون في سلام مع إخوانهم المسلمين منذ عشرات السنين، مشيراً إلى أن القرية لم تشهد أية أحداث طائفية من قبل.

وأضاف أن الأقباط في القرية فوجئوا ببعض الشباب المسلم يلقون كرات من اللهب على منازل بعض المسيحيين، ظناً منهم أنهم من عائلة الشاب الذي نشر رسوماً مسيئة إلى الرسول، حيث تتشابه أسماؤهم، من اسم عائلة الشاب، وهي عائلة quot;مسعودquot;.

ولفت إلى أنه حدث تراشق بالحجارة بين الجانبين، وتدخل بعض كبار العائلات للحيولة دون تطور المناوشات إلى فتنة طائفية، منوهاً بأن قوات الأمن حضرت إلى القرية بكثافة، وأحاطت منازل الأقباط بسياج من الجنود، ومنعت الاقتراب منها، وعاد الهدوء إلى القرية.

وحول مدى معرفة البابا بما حدث في قريته، قال متياس إنه بالطبع علم، لأن القساوسة نقلوا كل ما حدث، لكنه كعادته يلتزم الصمت إلى حين أن تتضح الأمور، مشيراً إلى أنه علم بالصلح الذي عقده القساوسة مع القيادات الإسلامية برعاية محافظ أسيوط، لأن أحدًا منهم لا يستطيع التحرك في مثل هذه الأمور بدون إذنه.

ذكرى كنيسة القديسين
في سياق ذي صلة، يحيي الأٌقباط الذكرى الأولى لتفجيرات كنيسة القديسين في الإسكندرية، التي وقعت في ليلة عيد الميلاد في العام 2010، وراح ضحيتها 21 قتيلاً ونحو 43 مصاباً.

ونظمت المئات من المصريين، مسلمين ومسيحيين، وقفة صامتة بالشموع أمام الكنيسة، رفعوا فيها لافتات كتبوا عليها quot;الدين لله والوطن للجميع، quot;أين الجناة؟quot;، quot;مش ناسينكمquot;، quot;الجاني واحد والقاتل واحدquot;، quot;القصاص القصاص.. قتلوا ولادنا بالتفخيخ والرصاصquot;، quot;يا شهيد نام وأرتاح.. وإحنا نكمل الكفاحquot;، quot;دم القبطي مش رخيصquot;. كما أحضروا باقات الزهور، ووضعوها على أبواب الكنيسة.

عبد المسيح مرجان فقد ابنه مايكل في الحادث، وقال إنه حزين جداً، لأنه رغم مرور عام كامل على التفجيرات، إلا أن الجناة لم يقدموا إلى المحاكمة، ومازالوا غامضين.

وأضاف أنه يشعر أن دمه ابنه وجميع القتلي ذهب هدراً. ودعا إلى ضرورة التحقيق بمنتهى الشفافية في الأحداث وتقديم الجناة إلى المحاكمة.

وأوضح أنضباطاً في جهاز الشرطة أكدوا أن حبيب العادلي وزير الداخلية السابق هو من دبّر الحادث، وقال آخرون إنها جماعات فلسطينية، وقال فريق ثالث إنها جماعات مصرية سلفية، لكن أحداً لا يعرف الحقيقة بالضبط.

غضب قيادة الكنيسة
وقال المستشار نجيب جبرائيل محامي الكنيسة لـquot;إيلافquot; قيادة الكنيسة غاضبة، بسبب عدم تقديم الجناة في حادث كنيسة القديسين إلى المحاكمة، رغم مرور عام عليه.

وأضاف أنه للأسف لم يحدث أي تقدم في القضية منذ وقوع الحادث ليلة عيد الميلاد الماضي. وأوضح أن قيادة الكنيسة كانت تلقت وعوداً جادة من المجلس العسكري خلال الشهر الماضي بإعادة فتح القضية للتحقيق، لكن لم يحدث أي تطور جديد، وما زالت هوية الجاني غامضة.