من تظاهرات ميدان التحرير |
يخبر ضابط احتياط مصري عن يوميات حياتهم في الخدمة، وطريقة التعامل معهم، في تفاصيل لا يعرفها الجميع. كما يذكر الضابط كيف كانوا يتلقون مكافأة وكلما خرجت تظاهرة كبيرة في الشارع أو عُقد اجتماع حاشد في ميدان التحرير يوم الجمعة.
لندن: رغم الدور الحاسم الذي قام به الجيش في الانتفاضة المصرية فإن قليلا يُعرف عن افراد القوات المسلحة من الجنود والمراتب المتوسطة الذين يرى مراقبون أن ولاءهم للجيش أو عدمه يمكن أن يقرر مآل الثورة.
الآن سجل شاهد من اهلها يوميات فريدة عن الحياة في الجيش المصري. وكان هذا الشاهد ضابط احتياط أمضى سنوات في صفوف الجيش بما في ذلك سنة الانتفاضة قبل ان ينهي خدمته اواخر العام الحالي. ونشرت صحيفة الغارديان المقتطفات التالية من يوميات الضابط الذي امتنعت عن ذكر اسمه:
كان تدريب الضباط مكثفا. يومنا يبدأ في الساعة الخامسة صباحا والظروف صعبة. كانت محاولة quot;لكسرناquot; وتحويلنا من مدنيين الى رجال عسكريين. كانت الساعات مليئة بتجمّعات وتشكيلات لا معنى لها حيث كنا نقف ساعات في الشمس، نردد اناشيد الجيش والنشيد الوطني يوميا ونطيع أوامر الرقباء والمساعدين الذين يعاملوننا معاملة فظيعة. ولكن حتى الذين يعطوننا الدروس يشكون من الجيش ويقولون لنا ان دهشتهم وصدمتهم كانت كبيرة حين اكتشفوا مدى اختلاف الواقع عن توقعاتهم، وما يشعرون به من إحباط لعدم تمكنهم من الخروج.
كان الطعام رديئا ويُقدم في غالب الاوقات على أطباق قذرة مع ملاعق وسخة. كان سوء الادارة احد الأسباب لكني اعتقد ايضا انهم يتعمدون ترتيب الأمور على هذا النحو لأن بالامكان ان يشتري المرء طعامه على حسابه الخاص من الحانوت العامر بالبضاعة وكانت هذه طريقة يستخدمها الجيش للربح.
كانت عقوبة الخروج عن النظام تشمل البقاء إجباريا في مدرسة التدريب ايام الاجازة والانبطاح مع وضع اليدين وراء الظهر ثم الزحف على الأرض، والوقوف تحت اشعة الشمس ساعة بكامل ملابسك وعدتك العسكرية أو رميك في السجن العسكري. كان كل ذلك مصمما من اجل إذلالك، ولكننا كنا كثيرا ما نفضل السجن فهو افضل من البرنامج اليومي الاعتيادي لأنه يعني على الأقل البقاء بعيدا عن الشمس.
احيانا كنا نتمرد الى ان يمتلئ السجن، وحينذاك يحاولون ان يكونوا لطفاء معنا. في البداية لم يُسمح لنا حتى باستخدام الهاتف ولكن مع مرور الوقت وجد الجميع وسيلة للالتفاف على الأنظمة، وكنا نتمكن من الحصول على كل ما نريد داخل المعسكر، هواتف خلوية وكومبيوترات محمولة وبيرة وحشيشة وشطرنج واوراق كوتشينة وأباريق شاي.
كان التحدي الرئيس يتمثل في الحفاظ على كامل قواك العقلية والبقاء مرفوع الرأس متذكرا انهم يحاولون ان يكسروا روحك. وكان الضباط الكبار ما زالوا يعيشون في عام 1973 (سنة آخر معركة كبيرة خاضها الجيش المصري في حرب يوم الغفران ضد اسرائيل)، وكانوا يمضون الوقت كله في تذكيرنا بالخطر الداهم من اسرائيل وكيف يخاف الاسرائيليون من الأعداد الغفيرة من الضباط الشباب المتعلمين، الذين ينخرطون سنويا في صفوف الجيش المصري. كان الوضع يختلف في تلك الأيام. إذ كانت لديهم قضية للقتال من اجلها. أما الآن فكله هراء وفساد، مجرد شغل آخر لغالبية الأفراد.
غالبية الضباط من ذوي الرتب المتوسطة لا يبالون بكل هذه الخطابية الوطنية. فالأمر بالنسبة إليهم مجرد وظيفة ثابتة فيها منافع محترمة، والغالبية على قدر من السذاجة وليسوا واعين سياسيا الى تلك الدرجة، وقد فاجأتهم الثورة. وحين بدأ 25 يناير/كانون الثاني (يوم اندلاع الثورة) كان هؤلاء الضباط غريزيا ضد المحتجين، ولكن عندما بدأ النظام يتفكك راعهم ما ظهر من قصص الفساد المحيط بمبارك وأزلامه. وأصبحت غالبيتهم مؤيدة نسبيا للثورة ولكنني اعتقد بأنه كانت هناك مرارة إزاء الحقيقة الماثلة في أن الوضع كان متعفنا منذ فترة طويلة ولكن جيلهم لم يفعل شيئا يُذكر إزاءه.
والآن فان الشبان الأصغر سنا هم الذين يصنعون التغيير السياسي وشعر الكبار بالارتباك ولم يكونوا متأكدين مما يؤمنون به.
بعدما سقط مبارك وبدأ حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة تحرك كبار الضباط بسرعة لتأمين ولاء جميع الضباط من ذوي الرتب المتوسطة وصغار الضباط. وكلما خرجت تظاهرة كبيرة في الشارع أو عُقد اجتماع حاشد في ميدان التحرير يوم الجمعة كنا نتلقى مكافأة ما بين 250 جنيها و500 جنيه سواء كان لدينا دور في ضبط الاحتجاجات أو لم يكن.
انه امر مثير للسخرية. ففي ذروة الأحداث تضاعفت رواتب ضباط الاحتياط، وكان الجميع يتلقى مكافآت ضخمة طوال الوقت (متوسطها 2400 جنيه حصلت أنا عليها في كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير).
وكان غالبية الضباط المحترفين غير عابئين في الحقيقة بما يجري في الشوارع بل كانوا سعداء بما يتلقونه من علاوات لا أكثر. ولكن كنا احيانا نسمع نكاتا تنم عن الشعور بالذنب حول كوننا الوحيدين المستفيدين من الثورة، والذي تضرر هو الشعب المصري.
كان واضحا ان الجيش اراد باستماتة ان يتجنب أي شكل من اشكال الاحتجاج في البلد بعد رحيل مبارك. وكان الهدف كسب مزيد من الاسلاميين الذين ربما كانوا تقليديا معادين للقوات المسلحة، وكذلك تخويف كل الآخرين الذين قد يفكرون في تنظيم تظاهرة. وكانت كل مواجهة مع المحتجين اختبارا يقيسون به رد فعل الرأي العام ويرون مستوى الوحشية والعنف الذي يستطيعون ممارسته بلا تبعات.
وكان هذا واضحا بصفة خاصة خلال احداث ماسبيرو (احتجاج المسيحيين الأقباط ومتعاطفين معهم في 9 تشرين الأول/اكتوبر الذي هاجمته قوات من الجيش وقُتل فيه 27 شخصا). وكان رجال الاعلام والجيش ووزارة الداخلية دائما يعملون يدا بيد من أجل اهدافهم الشخصية، وفي هذه الحالة عملوا على تصعيد الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، وكان هناك الكثير من الجهل والبلبلة في صفوفهم. فإن كثيرين داخل الجيش وخارجه ينظرون الى الأقلية المسيحية على انها أقل أهمية وبالتالي كان افرادها هدفا سهلا.
وعليك ان تتذكر ان الضباط في غالب الأحيان لا يشاهدون إلا التلفزيون المصري الرسمي وهم لا يشاهدون اشرطة الفيديو على يوتيوب التي تكشف الجانب الأسوأ من المجلس الأعلى للقوت المسلحة. انهم في حالة إنكار.
ولكن رغم هذا الجهل ونظام المكافآت السخية، فقد تنامت بمرور الأشهر المعارضة ضد المشير محمد حسين طنطاوي (رئيس اركان الجيش ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة حاليا). ويعتقد غالبية الضباط من ذوي الرتب المتوسط الآن انه ساعد مبارك الأيمن، وهم يكرهون حقيقة ان عنف المجلس الأعلى للقوات المسلحة شوه صورة الجيش بأعين الرأي العام. وما زال العديد منهم لا ينظرون باستحسان الى الاحتجاجات الحالية لأنهم يشعرون ان الوقت ليس مناسبا، وايضا لأنهم مستاؤون من أن يكون بمقدور الآخرين ان يتظاهروا في الشوارع وهم أنفسهم لا يتمتعون بمثل هذه الحرية. ولكن هذا الموقف بدأ يتغير، وخاصة عندما أخذت القنوات التلفزيونية المستقلة تبث اشرطة فيديو عن اعمال العنف الأخيرة، ويناقش وحشية قوى الأمن على المكشوف اشخاص مثل يسري فودا وابراهيم عيسى. ان ضباطا متوسطين أكثر فأكثر يقفون ضد المجلس الأعلى للقوات المسلحة وضد طنطاوي.
التعليقات